أصيلة: أجمع المشاركون في الجلسة الأولى لندوة "الإندماج الأفريقي: أين العطب؟"، التي تنظم في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ 40، أمس السبت، على أن تحقيق الوحدة والاندماج بين دول أفريقيا ضرورة حتمية لكسب رهانات المستقبل وتحقيق تطلعات الشعوب في التنمية والعيش الكريم.

وقال جان دو ديو صومدا، الممثل الخاص لرئيس نادي الساحل، والوزير البوركينابي السابق، إنه على الرغم من الاستنتاجات غير المشجعة للسوق الأفريقية المشتركة إلا أن المنظمات والتكتلات الإقليمية حققت "درجة معينة معينة من النجاح".

وأضاف صومدا في مداخلة ألقاها بالمناسبة، أن نواة تحقيق الاندماج الأفريقي موجودة وينبغي العمل على استثمارها، مؤكدا أن أي اندماج أفريقي بين دول القارة لا يمكن أن ينجح في ظل غياب إشراك الشعوب في هذه العملية.

ودعا الدبلوماسي البوركينابي القادة الأفارقة إلى اتخاذ القرارات الكفيلة بتحقيق الاندماج، حيث طالب بضرورة إشراك الشعوب في إنجاح هذا الورش وإسقاط الحدود التي عدها "حواجز تحول بين شعوب القارة".

 

جان دوير سوميدا 

 

وقال صومدا: "على الحدود أن تتحول إلى جسور للتنقل بين الدول والشعوب"، لافتا الى ضرورة الانتقال من ضبط الحدود وتحصينها إلى إنشاء أحواض إقليمية للتنمية بين بلدان القارة، مؤكدا أن تجربة الدول الخمسة في الإندماج أثبتت أن هناك "إمكانات واعدة لتطوير التواصل والاندماج في القارة".

كما شدد المتحدث ذاته، على أن التفكير في الوحدة والاندماج "لا يمكن أن يتم في غياب الديمقراطية وتعميق الحرية"، معتبرا أن إشراك الشباب في القيادة من مفاتيح هذا الملف، مطالبا في الآن ذاته، المجتمع المدني الأفريقي بالقيام بأدواره في هذا المجال و"عدم التركيز على الظروف الداخلية من دون الاهتمام بقضايا على أوسع نطاق في أفريقيا".

وأضاف "أتمنى أن تستطيع المجتمعات المدنية في أفريقيا إسقاط الحدود والمساهمة في إنشاء سوق حرة في أفق 2025"، مسجلا بأن دخول أفريقيا مجال "المجتمع الرقمي من أهم الوسائل للترويج للأفكار الجديدة"، والتي قال إنها تتطلب استثمارات كبيرة ل"تحسين تدريب المختصين في هذا المجال".

من جهته، دعا عبد الرحمن نغايدي، الباحث المشارك في معهد بانافريكان للاستراتيجيات،الى تقوية روح المواطنة العابرة للحدود، مشددا على أن الصداقة المواطنة العابرة للحدود بين عدد من القادة الافارقة عبر التاريخ تمثل "إرثا وتراث ينبغي الحفاظ عليه".

 

يوسف العمراني 

 

وأكد نغايدي في مداخلته على أهمية المدخل الثقافي في تحقيق الاندماج المأمول، مطالبا سكان القارة بتغيير نبرة حديثهم عن أنفسهم، حيث قال: "يجب أن نتكلم عن الأفارقة كسكان قارة مشتركة وتقوية الدبلوماسية الثقافية"، كما انتقد سطوة السياسة على أدوار الفكر والثقافة في هذا المجال.

وتابع موضحا "علينا أن نشجع الاطر المختصة ونعطي الكلمة لاهل الفكر والخبراء"، مبرزا أهمية الدبلوماسية الثقافية ودبلوماسية الاستثمارات وتشييد البنى التحتية، التي عدها أساس "التكامل الاقتصادي بين بلدان القارة".

من جانبه، سجل جون كلود تشيكايا، الباحث بالمعهد الأوروبي للبصائر والأمن في أوروبا، ضرورة الانخراط في حركية مستمرة لفسح المجال للأجيال المقبلة في القارة الأفريقية، مشددا على أهمية التكامل بين البلد.

واستدرك تشيكايا، الفرنسي ذي الأصول الأفريقية قائلا: "لا يمكن إحداث أي تكامل إقليمي من دون إحداث تكامل حقيقي بين مكونات نفس البلد"، لافتا إلى أهمية هذه الخطوة وتأصيلها في نفوس الأسر ومكونات الشعب الواحد. 

 

آليون صال 

 

 

وحث المتحدث ذاته على أهمية الوعي بتطلعات الشباب الذين من خلال العناية بالتكامل الإقليمي، واضاف أن شباب القارة ينشدون "التقدم ويرفضون التخلف الاقتصادي الذي تعانيه القارة"، وأردف قائلا "لا بد من تسريع وتيرة التنمية ولا ينبغي أن نقبل أن نبقى على هامش العامل وإمكانات التنمية هائلة في أفريقيا".

كما أكد حاجة دول القارة إلى "الديمقراطية والحكم الرشيد في التربية والتعليم المشترك"، معتبرا أن القارة تعاني من تأخر وتراجع واضحين، وزاد محفزا "علينا أن نخرج من هذا الكساد ويساهم الجميع في هذا المجال وخاصة الشباب". 

أما الليبي محمد المدني الأزهري، مستشار برئاسة جمهورية النيجر، والامين العام السابق لمجموعة " سين صاد" فسجل من جهته بأن منظمة الوحدة الإفريقية استنفذت أغراضها وبدأ التفكير في الانتقال إلى مرحلة جديدة تنشد الاندماج عبر بوابة الاقتصاد. 

واشار الأزهري إلى ان هناك الكثير من المعوقات التي يواجهها الاتحاد الأفريقي، معربا عن اختلافه مع المداخلات التي عبرت عن تفاؤلها بمستقبل القارة في تحقيق الاندماج والتكامل بين بلدانها.

 

جانب من الحضور

 

وقال الأزهري : "لم يحقق الاتحاد الأفريقي الخطوات الأولى للنجاح، والوحدة الأفريقية فرضناها من الفوق على الشعوب"، لافتا إلى أن القارة الأفريقية مع مرور الوقت "أصبح العمل الوطني يأخذ فيها حيزا كبيرا وافتقدت للقيادة السياسة القادرة على إحداث الفارق"، مطالبا بضرورة التحلي بما سماها "الواقعية".

من جهته، قال يوسف العمراني، مكلف مهمة لدى الديوان الملكي ووزير مغربي سابق، إن أفريقيا من دون إرادة سياسية "لا يمكن أن تخطو أي خطوة للأمام"، في سعيها نحو تحقيق الوحدة والاندماج، مشددا على أن هذا الطموح إذا تتحقق سيعود بالنفع على الجميع.

وأضاف العمراني الذي ألقى مداخلة في الجلسة الثانية للندوة أن اتحاد المغرب العربي "هيئة معطلة"، معتبرا ان هذا الوضع "يمنعنا من تحقيق النمو والتقدم والاستجابة إلى تطلعات الشباب وأحلامه".

وزاد المتحدث ذاته موضحا أن منطقة المغرب العربي الموسع تمثل "الإقليم الأقل اندماجا"، مطالبا بإحياء الوسائل الكفيلة بتحقيق الاندماج، كما أكد الحاجة إلى أروقة سياسة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي في أفريقيا وإلغاء التحديات التي تعوقه.

وسجل العمراني بأن الإندماج الأفريقي "سيمكننا من تحقيق نتائج مشتركة ستعود بالنفع على الجميع وسنحقق التنمية المشتركة للشعوب"، معتبرا أن "الشعارات الجميلة وحدها لا تكفي، بل يجب أن نجدد أنماط التنمية وتشجيع القدرات الإبداعية للشباب"، حسب تعبيره.

ودعا الدبلوماسي المغربي دول القارة الأفريقية إلى ضرورة تبني طرح متناغم ينبني على التجديد والإصلاح والتناغم بين السياسات القطاعية المشتركة، وشدد على أهمية تحسين التعليم والخدمات الاجتماعية من أجل ضمان الاستقرار وتثبيته بالقارة.

من جانبه، قال أنخيل لوسادا فرنانديز، سفير وممثل خاص للاتحاد الأوروبي بمنطقة الساحل، إن "أمن أوروبا يعتمد على أمن أفريقيا وتقدمها ينبني على تقدم أفريقيا"، مؤكدا أهمية تعزيز التشارك بين القارتين.

ودعا المسؤول الأوروبي مؤسسة الاتحاد والدول الأعضاء فيها إلى "تحمل مسؤولياتهم مع شركائنا في أفريقيا وزمام الأمور ينبغي أن تسلم لشركائنا"، وشدد على أهمية الربط بين الأمن والتنمية، مطالبا بضرورة إقامة التناغم بين جميع المبادرات والتنسيق فيما بينها كي لا تقع في التنافس الذي يمكن أن يجعلها عرضة إلى الانهيار، حسب تعبيره.

وأشار فرنانديز إلى أن "الطرح الإقليمي لا بد منه لأفريقيا"، معتبرا أن الاندماج أساسي للتغلب على التحديات التي تواجهها بلدان القارة، كما سجل بأن الخطوة من شأنها "تسريع وتيرة النمو حتى لا تبقى أي دولة متأخرة في أفق تحقيق الاندماج الشامل بالقارة". 

وأفاد الدبلوماسي الإسباني بأن دول القارة في حاجة إلى اعتماد إصلاحات سياسة وتقوية الحكامة في التدبير والربط بين قضية الأمن التنمية، مشددا على أن القارة "لا يمكن تحقق الأمن من دون تنمية كما لا يمكنها تحقيق التنمية من دون أمن".

أما محمد حجاج، نائب الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية سابقا، فسجل بأن المغرب يستطيع أن يقدم "إسهاما كبيرا في تحقيق الاندماج في القارة"، مؤكدا على ضرورة التخلص من المنظومات الموروثة عن الاستعمار وإسقاطها. 

وأضاف بأن أفريقيا قارة غنية وليست فقيرة كما يعتقد الكثير، حيث قال "معظمنا ينظر لأفريقيا بأنها فقيرة وهي غنية"، مشددا على أن التركيز على جذب الاستثمارات من الخارج أمر مبالغ فيه.

وزاد مضحا "على أفريقيا أن تشجع الاستثمار الداخلي ويجب أن تكتسب هذه الاستثمارات أهمية وتحظى بالضمانات اللازمة من البنك الأفريقي وتوفير الحماية لها من التحايل"، وأشار إلى ضرورة تشجيع الاستثمارات في كل المجالات وإنشاء بنيات تحتية مشتركة بين دول القارة وتوفير النقل البحري لضمان حركة تنقل السلع والأفراد بشكل سلس. 

وافاد حجاج بأن القارة الافريقية عليها أن تركز على "تشجيع الشعوب للتطلع للتكامل الأفريقي من خلال عدد من الوسائل"، من ضمنها اعتماد قناة تلفزيونية مشتركة للقارة، بالإضافة إلى تشجيع السياحة بين دول أفريقيا، قبل أن يختم "أفريقيا يجب أن تكون قارة حرة وتسقط الحدود وتشجع الترجمة والتبادل الثقافي بين الدول وسيكون أمامها مستقبل لامع في التكامل الاقتصادي".

من جانبه، أكد أوكي اونييكوي، خبير الحكامة لدى الأمم المتحدة للجنة الاقتصادية الأفريقية، وجود تحديات كثيرة تحول دون التكامل في أفريقيا، مشددا على ضرورة بحث حلول مشتركة وإصلاحات كفيلة بتحقيق الاندماج والتكامل الأفريقي المنشود.

وأبرز أونييكوي أن منطق منظمة الوحدة الأفريقية "مازال مستمرا رغم التناقضات وتغير الأمور"، معتبرا أن الخيارات التي تطرحها المنظمة "ليست واقعية"، وأن التكامل الاقتصادي بين دول القارة في حاجة إلى مقتضيات سياسية ضرورية، كما طالب بـ "إعادة النظر في القرارات التي تتخذها الزعامات السياسية". 

وأشار الخبير ذاته، في كلمة بالمناسبة، إلى أن القرارات السياسية لا تتناغم مع طموحات الشعوب في التنمية والاندماج، حيث قال: "هناك هوة فاصلة بين الزعامة والمواطنين"، ودعا إلى تعميق الوعي لدى الجميع بالقيم المشتركة وتوضيح منظومتها لإسقاط الحواجز بين الدول والشعوب. 

ولف أونييكوي إلى أن هناك "محركات تستطيع تسريع التكامل، لكنها مع الأسف لم يتم تفعيلها"، مبرزا أن إتمام عملية التكامل ليست في أيدي الشعوب و"المجتمعات المدنية لا ينصت لها أحد"، معتبرا أنه "لا يد من إجراء إصلاحات لتصويب المسار".