بعد يوم فقط من استقالة الوزير البريطاني المسؤول عن ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيز، استقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، أحد أكبر أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد والإبقاء على الحد الأدنى من الروابط مع الاتحاد الاوروبي.

مفاجأة

وكان جونسون مرشحا لرئاسة الوزراء إذ أنه كان أحد أبرز وجوه حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه انسحب في آخر لحظة، بعدما تخلى عنه زميله، وزير العدل وقتها ووزير البيئة حاليا، مايكل غوف الذي رشح نفسه لمنصب زعيم الحزب، وخسر في نهاية المطاف المنافسة لصالح رئيس الوزراء الحالية تيريزا ماي.

وعرف جونسون بتصريحاته المثيرة، وميله إلى النكتة والانتقاد الحاد، وهو ما جعل الكثيرين يتفاجأون بتوليه وزارة الخارجية.

ومن أبرز التصريحات المحرجة تلك التي قال فيها إن "أصول الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الكينية، جعلته يكره تراث بريطانيا وتاريخها".

كما شبه هيلاري كلينتون، المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 "بممرضة سادية تعمل في مصحة للأمراض العقلية".

لسان لاذع

ووجه جونسون انتقادات لاذعة لأوباما بعد دعوته البريطانيين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وقال إن الولايات المتحدة نفسها لا تقبل بالقيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، فلماذا تريدنا أن نقبل بذلك؟

وفي خضم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وصف جونسون الاتحاد الأوروبي بأنه "مشروع زعيم النازية، أدولف هتلر"، الذي حاول، على حد تعبيره، "إنشاء دولة أوروبية واحدة".

واشتهر جونسون بالإثارة والاستعراض في تدخلاته وعمله السياسي منذ أن انتخب عمدة للعاصمة لندن عام 2008، وكان من بين أهم قرارته منع المشروبات الكحولية في وسائل النقل العام.

وعرف أيضا بمظهره الملفت للانتباه، وبدراجته الهوائية، وطرح مشروعا ضخما لتشجيع استعمال الدراجات في لندن، ارتبط باسمه، وجلب نحو 90 ألف شخص، يستعملون الدراجة في الذهاب إلى العمل، وقضاء مصالحهم.

وكان كثيرا ما يذهب إلى مكتبه على الدراجة الهوائية، وسرقت دراجته مرات عدة، وكانت ظاهرة سرقة الدراجات من المواضيع التي أولاها جونسون اهتماما خاصا خلال ولايته في لندن.

وكان لعمدة لندن السابق، دور كبير في نجاح الألعاب الأوليمبية عام 2012، التي حرص على أن تكون من أنجح الدورات في تاريخ الألعاب.

ماي وجونسون وديفيز
Getty Images
استقالة الوزيرين جاءت بعد يومين فقط من توصل اعضاء الحكومة إلى اتفاق حول خطة بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي

أصول تركية

ولد جونسون عام 1964 في نيويورك، وانتقل والداه إلى بريطانيا وهو طفل صغير. ويفتخر بأن والده من أصول تركية. ودرس في كلية إيتون كوليج الشهيرة، وأظهر ميلا إلى دراسة اللغة الانجليزية والآداب الكلاسيكية.

كما درس الآداب القديمة في أوكسفورد، وانتخب رئيسا لاتحاد الطلبة عام 1984. وبدأ جونسون حياته العملية صحفيا في ديلي تلغراف، ثم أصبح مراسلها للاتحاد الأوروبي، ونائبا للمدير، قبل أن يصبح مديرا لصحيفة سبيكتيتور، عام 1991.

وأكسبته مسيرته الصحفية شهرة ومنحته مكانة اجتماعية، فتحت له باب العمل السياسي، لينتخب عام 2001 نائبا في مجلس العموم، عن حزب المحافظين.

وعين عام 2004 وزيرا للدولة مكلفا بالفنون، واضطر إلى الاستقالة، بعد انكشاف علاقته الغرامية مع بترونيلا وايت، ولكنه عاد إلى الحكومة عام 2005، في منصب وزير للدولة مكلف بالتربية.

وتزوج جونسون زوجته الأولى، أليغرا موستين أوين، عام 1987، وانفصل عنها عام 1993، ليتزوج المحامية، مارينا ويلر، وينجب منها ثلاث بنات.

وألف بوريس جونسون العديد من الكتب، من بينها كتاب عن حياة رئيس الوزراء البريطاني السابق، ونستون تشرتشل، وكتاب عن تاريخ روما، وآخر عن مدينة لندن.

واكتسب بوريس جونسون شهرة كبيرة والكثير من الأنصار عندما كان عمدة لندن، وبعدما تزعم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، مما جعل المراقبين يتوقعون توليه منصب رئيس الوزراء، وقيادة حزب المحافظين، بعد استقالة ديفيد كاميرون.

ولكنه في المقابل، اكتسب خصوما ومعارضين ينتقدون مواقفه وتصريحاته المثيرة، ويرون أنه غير جدير بتولي المناصب العليا في الدولة، فقد وصفه نائب رئيس الوزراء السابق في حكومة ديفيد كاميرون، نك كليغ، بأنه "دونالد ترامب لكنه يحمل قاموسا لغوياً".

كما انتقدت ماي جونسون لضعف قدراته على التفاوض عندما كان عمدة لندن، وقالت إن كل ما حصل عليه في مفاوضاته مع الألمان هو رشاشات مياه، ومنعته من استعمالها ضد المتظاهرين في الاحتجاجات.

وكان جونسون قد أقيل من صحيفة التايمز بسبب عدم الدقة في نقل التصريحات، كما فصل من منصب المتحدث باسم حزب المحافظين عام 2004، بسبب "كذبه" بشأن علاقاته النسائية، ولكن هذه المصاعب كلها لم تقض على مستقبله السياسي، مثلما فعلت مع غيره.

واستطاع أن يواجه العواصف التي اعترضت طريقه، ويتغلب عليها، بفضل بلاغته الكبيرة، وقدرته على اللعب بالكلمات وتغيير المواقف الحرجة والصعبة لصالحه في كل مرة.