سجل مراسلا هيئة الإذاعة البريطانية في تايلاند، هيلير شيونغ، وتيسا وونغ، تلك اللحظات الدرامية العصيبة التي عاشها الإثني عشر صبياً ومدربهم الذين حوصروا داخل كهف طوال ما يقرب من أسبوعين، وكللت عملية إنقاذهم بنجاح بعد جهود مضنية.

وأشار المراسلان إلى أن بداية القصة كانت عيد ميلاد خاص بصبي منهم يدعى بيرابات نايت سومبيانغجاي، 17 عاماً، حيث كانت تجهز له أسرته كل شيء، تمهيداً للاحتفال به في مساء يوم السبت الذي كان يوافق ال 23 من شهر يونيو الماضي، لكن نايت لم يعد إلى المنزل في تلك الليلة، لأنه كان برفقة أصدقائه ( وهم باقي أعضاء فريق كرة القدم المحلي ذا وايلد بورز) ومدربهم، ايكابول أكي شانتاواونغ.

 فما إن انتهت حصتهم التدريبية، حتى دخلوا في سباق فيما بينهم عبر حقول الأزر على دراجاتهم الهوائية إلى أن وصلوا منطقة تلال وسط الغابات غمرتها مياه الأمطار في وقت لاحق. وكان يرغب الصبية ومدربهم في التوجه لكهف ثام لوانغ المفضل بالنسبة لهم، حيث يحبون استكشاف زوايا وممرات السلسلة الجبلية التي تطل على منطقة ماي ساي. وبمجرد وصولهم عند فهوة الكهف، قاموا بإخفاء دراجاتهم وحقائبهم عند مدخل الكهف، وكانوا يستعدون حينها للاحتفال بعيد ميلاد نايت.

ليست المرة الأولى

ولفت مراسلا البي بي سي إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يأتون فيها إلى الكهف، فهم غالبا ما يدخلونه، وأحيانا يسيرون بداخله مسافة تصل إلى 8 كيلو مترات، لأسباب مرتبطة ببعض الطقوس لديهم، حيث يكتبون أسماء أعضاء الفريق الجدد على أحد جدران الكهف. ثم دخلوا الكهف وروحهم المعنوية مرتفعة ممسكين بمصابيح لإضاءة الطريق أمامهم، ولم يكونوا بحاجة لأي شيء آخر بخلاف تلك المصابيح، خاصة وأنهم كانوا يخططون للبقاء بالداخل مدة لا تزيد عن ساعة فقط لا غير.

وبالعودة لمنزل نايت، بدأ يتسلل القلق إلى قلوب أفراد أسرته، وبالفعل بدأها يتحركون للسؤال عنه وعن أصدقائه. والحقيقة التي لم يكونوا يعلمونها في البداية هي أنهم تسللوا إلى داخل كهف ثام لوانغ (رابع أكبر كهف في تايلاند) والذي أخذ هذا الاسم من اسم جبل على شكل امرأة متكئة اسمه "ثام لوانغ خون نام نانغ نون".

ونوه المراسلان في هذا السياق إلى أن مياه الأمطار يمكن أن تغمر الكهف من الداخل حتى مسافة قدرها 5 أمتار (16 قدما) خلال موسم الأمطار، وأنه لا يجب دخوله إلا في الفترة ما بين نوفمبر وأبريل. 

وتحدث مرشد محلي يدعى جوشوا موريس مع المراسلين عن طبيعة الكهف بقوله "المياه تتحرك إلى الداخل، ومن ثم تصبح الأرضية طينية وتكاد تنعدم الرؤية. وبمجرد دخول المياه الكهف، يكون الأمر محفوفا تماما بالمخاطر حتى بالنسبة للغواصين المحترفين، والكل يعرف ذلك في ماي ساي".

وبالعودة لأسر الصبية، فبمجرد شعورهم بالقلق بشأن أبنائهم، فقد توجهوا مباشرة إلى الكهف، بعد معرفتهم المسبقة بالأمر من خلال دردشة جماعية كان يتحدث فيها الصبية عن خططهم لزيارة الكهف عبر أحد تطبيقات التراسل مع بضع أصدقاء آخرين.

الدرجات والحقائب

ولدى وصولهم إلى هناك، عثروا على الدراجات، الحقائب وبعض أحذية كرة القدم بالخارج، وحينها أدركوا أن أبنائهم بالداخل. والمشكلة التي صادفت الصبية ومدربهم بعد دخولهم هي أن مياه الأمطار التي هطلت على الجبل أعلى الكهف في الأيام القليلة التي سبقت دخولهم الكهف كانت بحاجة لأن يتم تصريفها، وبالفعل لم يكن أمامها سوى منظومة كهف ثان لوانغ، التي امتلأت بشكل سريع، وبالتالي لم يكن أمام الصبية ومدربهم سوى أي يتدافعوا إلى داخل الكهف في الأعماق هربا من المياه.

وانتهى بهم الحال إلى أن وجدوا أنفسهم فوق صخرة صغيرة على بعد 4 كيلو متر من مدخل الكهف، ورغم صعوبة الأجواء، لكنهم كانوا عازمين على الصمود والخروج في الأخير، وبفضل بعض أساليب التأمل التي علمها لهم مدربهم، كان بوسع الصبية أن يتماسكوا ويحتفظوا بهدوئهم قدر المستطاع وطلب منهم أن يسترخوا للاحتفاظ بقوتهم البدنية والذهنية إلى أن يتمكنوا في الأخير من الخروج من الكهف.

ولم يكن بحوزتهم أي طعام، بل كان كل ما لديهم هو قدر من المياه الصالحة للشرب على هيئة قطرات تتساقط من جدران الكهف. وكانت الأجواء بالداخل مظلمة، لكن كان بحوزتهم مصابيحهم، وكان باستطاعتهم التنفس بشكل جيد لأن الحجر الجيري المسامي والشقوق الموجودة في الصخور كانت تسمح بدخول الهواء إلى داخل المكان.

أما بالخارج، فكانت مساعي إنقاذهم تسير على قدم وساق، وقامت السلطات التايلاندية باستدعاء أفراد النخبة في قوات البحرية، الشرطة الوطنية وغيرها من فرق الإنقاذ، كما عرض متطوعون محليون مساعداتهم إذا تطلب الأمر ذلك في الأخير.

ولم تكن هناك أي إشارات دالة في البداية على أن الصبية ومدربهم ما يزالوا على قيد الحياة، وكل ما كان معروفا أنهم بداخل الكهف، لكن أين تحديدا؟ لا أحد يعلم. والسؤال الأكثر صعوبة من ذلك هو: كيف يمكن للمنقذين أن يدخلوا ليتمكنوا من إخراجهم؟

وأشار مراسلا البي بي سي إلى أن مهمة استكشاف الكهف كانت بمثابة التحدي الكبير بالنسبة للمنقذين، وفي غضون ذلك كان يحاول المهندسون أن يسحبوا المياه بكل قوة من الكهف، لكنهم واجهوا صعوبات كبيرة في بداية الأمر. 

وبعد مرور أيام قليلة، وصلت أول دفعة من المنقذين الدوليين يوم الخميس الموافق 28 يونيو، وكانوا أخصائيي إنقاذ تابعين لسلاح الجو الأميركي، غواصي كهوف من المملكة المتحدة، بلجيكا، استراليا، إسكندينافيا والعديد من الدول الأخرى. وجاء بعضهم متطوعا، وبعضهم الآخر تم استدعائه بشكل رسمي من جانب السلطات في تايلاند.

وفي الأيام القليلة التالية، بدأت المحاولات، لكن الغواصين كانوا يواجهون صعوبات كبيرة، حيث كانوا يسبحون ضد التيار وكانوا يعجزون عن الاستمرار بسبب تصاعد مياه الفيضان. ثم جاء يوم الأحد الموافق الأول من يوليو، أي بعد اختفاء الصبية بأسبوع، حيث بدأ يحقق المنقذون بعض التقدم، حيث نجحوا في الوصول إلى كهف كبير، أطلقوا عليه لاحقا اسم "الغرفة الثالثة" والتي استخدمت كقاعدة رئيسية للغواصين.

جيب هوائي

وبعدها نجحوا في المواصلة، ثم عثروا بعد بضع مئات الأمتار على جيب هوائي، يتيح لهم الخروج إلى السطح وأخذ استراحة، وهذا إجراء متعارف عليه في عمليات الإنقاذ. وبعدها بفترة قصيرة، عثروا على الصبية، ولدى سؤالهم عن عددهم، أجابوا ()، وحينها لم يصدق المنقذان ( جون وريك ) أن الكل ما يزال على قيد الحياة، وبعدها ظل المنقذان رفقة الصبية بعض الوقت لرفع روحهم المعنوية، ثم تركا لهم مصابيح إضاءة ووعدوهم بالعودة في وقت لاحق ومعهما طعام.

وقام المنقذان بتسجيل تلك اللحظات الاستثنائية عبر كاميرات كانت بحوزتهما ثم سرعان ما نشراها على الإنترنت، لتنطلق في حينها الاحتفالات داخل تايلاند وخارجها.

لكن تلك الاحتفالات لم تدم طويلا، حيث كان على المنقذين سرعة التخطيط لإخراج الصبية ومدربهم، خاصة وأن بعضهم لا يمكنه العوم، وكان على فريق الإنقاذ أن يتحرك بشكل سريع لأن الوقت لم يكن في صالحهم، حيث كانت تشير توقعات الأرصاد احتمال سقوط أمطار غزيرة في غضون 3 أيام، ما يعني ضرورة البدء بسرعة.

وبين عشية وضحاها، بدأ يتوافد الصحافيون ورجال الإعلام من كل مكان في العالم ليتابعوا عملية الإنقاذ على أرض الواقع، كما بدأ يتوافد المزيد من المنقذين المتطوعين من كافة أنحاء العالم.

وما إن بدأت تتواصل جهود الإنقاذ وسط تأهب من الجميع حتى وقع حادث مؤلم عكر صفو الأجواء بعدما لقي أحد الغواصين حتفه، وهو يحاول توصيل خزانات هواء للصبية بالداخل، حيث فقد وعيه بعدما نفذ منه الأكسجين، ورغم محاولات إنقاذه، إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة عن عمر ناهز ال 38 عاما.

وبعدها حدد المنقذون 3 خيارات لإتباعها في عملية الإنقاذ:

- تدريب الصبية على الغوص في المناطق المغمورة بالكهف (بما ينطوي على ذلك من خطورة كبيرة على حياة الصبية)، ولهذا كان الحل هو الحل الأخير بالنسبة لهم.

- مواصلة سحب المياه من الكهف والانتظار حتى يقل منسوب المياه في الداخل، لكن تبين لهم أن ذلك الأمر قد يستغرق حتى أربعة أشهر.

- إيجاد أو حفر ممرات بديلة تقود إلى داخل الكهف.

وبعد محاولات وصعاب كثيرة، قرر المنقذون يوم 6 يوليو إنشاء خط إمداد للأكسجين، وتواصل الصبية في الأخير مع ذويهم بالطريقة القديمة (كتابة الخطابات). وهي الخطابات التي نشرها مسؤولو البحرية التايلاندية وكان لها أثر كبير.

وبعدها، وتحديدا يوم 7 يوليو، أي بعد مرور أسبوعين على اختفاء الصبية، خرجت السلطات التايلاندية لتعلن عن بدء عملية إنقاذ الصبية الآن، وطلبت من الصحافيين والمتطوعين مغادرة موقع الإنقاذ، وبالفعل كان المنقذون قد حددوا الطريقة التي سيخرجون بها الصبية، حيث تم منح كل واحد منهم قناع هواء لكامل الوجه لضمان قدرتهم على التنفس بمصاحبة اثنين غواصين. وتم ربط اسطوانة في مقدمة كل طفل مع تثبيت مقبض في ظهورهم مع إمساكهم بوضعية معينة أثناء الخروج.

جهود خارقة

وتواصلت الجهود حتى تم إخراج الجميع في الأخير، بعدما بذل المنقذون جهود خارقة لإكمال المهمة بهذا الشكل، ويكفي أن أحدهم وصف العملية بأنها كانت مرهقة للغاية. ثم حصل الإعلام يوم الأربعاء، الموافق 11 يوليو، على أول تسجيل مصور للصبية بعد إنقاذهم، وبعضهم كان يلوح بعلامة النصر للكاميرا في ذلك الفيديو.

وقال مسؤول المستشفى التي يقبع بها الصبية الآن لإجراء بعض الفحوصات والحصول على ما يلزمهم من عناية إن بعضهم يعاني من إصابات بسيطة في الرئة والعين وأنهم بحاجة لمضادات حيوية. 

وسمح أخيرا للآباء والأمهات برؤية الصبية لفترة وجيزة، بعد أن طلب منهم أن يبقوا على مسافة 2 متر من الصبية وأن يرتدوا ملابس وأقنعة المستشفى. وقد تم الإعلان في غضون ذلك، نقلاً عن مسؤولين محليين، قولهم إنه يتم التخطيط لتحويل الكهف إلى متحف ونقطة جذب سياحي، إلى جانب اهتمام بعض شركات الإنتاج بتحويل عملية الإنقاذ إلى فيلم سينمائي في هوليوود.

أعدت "إيلاف" المادة نقلا عن هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، الرابط الأصلي أدناه
https://www.bbc.co.uk/news/world-asia-44791998