بعد إسدال الستار واختتام مميّز شهده مهرجان سوق عكاظ في نسخته الثانية عشر في الطائف السعودية، ثمّن سفراء دول معتمدون لدى المملكة دعوتهم إلى المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية، مؤكدين على أهمية الحراك الثقافي وارتباطه بالدور السياسي.

بعد إسدال الستار واختتام مميّز شهده مهرجان سوق عكاظ في نسخته الثانية عشر في الطائف في غرب السعودية، والذي نظم تحت إشراف مباشر من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وشركائها الإستراتيجيين، ثمّن سفراء دول معتمدون لدى المملكة دعوتهم إلى المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية، مؤكدين على أهمية الحراك الثقافي وارتباطه بالدور السياسي.

إيلاف من الطائف: كيف يمكن أن تساهم مثل هذه الدعوات الثقافية المشتركة في تقارب وجهات النظر بين الشعوب وتعزيز جسور الأخوة والعلاقات الخارجية. "إيلاف" تستعرض خلال هذا التقرير الآراء حول أهمية مشاركة البعثات الدبلوماسية ومثقفي الدول العربية في مثل هذه الفعاليات، التي من شأنها أن تفسح مجالًا للتقارب وللحوار مع الآخرين.

استعادة التاريخ
قال المفوض في القنصلية الليبية علي أحمد وزير لـ"إيلاف" إن المشاركة في مثل هذه الفعاليات الثقافية والتاريخية التي تهتم بها المملكة تبث روحًا إيجابية تتجلى في اجتماع العرب والأشقاء في مناسبة ثقافية عربية واحدة، وهو الهدف المرجو من تلبية مثل هذه الدعوات والمشاركة الوجدانية، التي من شأنها تحقيق الوحدة. 

أضاف إن "الاحتفاء بهذه التظاهرة الثقافية يعزز من روابط الأخوة والعروبة ويبني جسورًا مهمة بين العقول والمشاعر والرؤى". وتابع وزير قائلًا إن "مهرجان سوق عكاظ التاريخي جاء مستعيدًا التاريخ والتراث العربي، خاصة أن الجزيرة العربية تجمعها فنون وثقافات مشتركة"، معتبرًا ذلك "سببًا في تعزيز التفاعل وإدراك أهمية ودور الثقافة كمرتكز أساسي في تشكيل الهوية العربية". 

دور الحراك الثقافي في بقاء الهوية
بدوره أشاد سفير دولة فلسطين لدى المملكة باسم الآغا بما لمسه من تميّز يعكس بجلاء الجهود المبذولة من قبل القائمين على مهرجان سوق عكاظ التاريخي وبنوعية الأنشطة العروض التي تمثلت في الأنشطة الأدبية والثقافية والعروض الفنية. ووصف ذلك بأنه تواصل بين القديم والجديد، مؤكدًا على أهمية هذا التواصل في تكريس الهوية والانتماء، ومشددًا على أن الحفاظ على إحياء مثل هذه الفعاليات التراثية هو ضمان لاستمرارية وبقاء الهوية، وهو الهدف المنشود من أبناء الجزيرة العربية.

أضاف إن "الانتماء شعور متجدد، يتطور ويعزز، كلما اجتمع العرب تحت خيمة ثقافية تاريخية واحدة". كما بدا شعور الإعجاب على ملامح السفراء الأجانب، إذ كانت انطباعاتهم إيجابية نحو هذه الفعالية، وهو ما يعطي دلالة على حفاظ العرب والتمسك بجذورهم وهويتهم، وهو ما ينعكس عليه أيضًا بالفخر كعربي أن يشارك السعوديين ذلك الشعور أمام الزوار من البعثات الدبلوماسية. 

ربط الآغا دور الحراك الثقافي بالدور السياسي. وقال لــ"إيلاف" إن ما تواجهه المنطقة العربية من تحديات يتطلب المزيد من التماسك وتغليب مصلحة الوحدة والعروبة، ورأى أن لمثل هذه المشاركات أثرًا فعالًا في استمرار التماسك وتحقيقه للأجيال المقبلة، مستشهدًا بموقف قال إنه (لن ينساه) حينما اجتاح الجنرال شاؤول موفاز الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث قال: "نحن الآن ضربنا البنية التحية للشعب الفلسطيني.. وعلينا أن ضرب ثقافة الفلسطيني والعربي"، وهذا مؤشر واضح إلى قوة وتأثير الثقافة في تشكيل الرأي العام وإسهاماتها المعتبرة في الحفاظ على المكتسبات الوطنية والقومية العربية، بحسب قوله.

وأضاف إن السياسة متحولة ومتبدلة، ولها أوجه كثيرة. بينما الثقافة راسخة وثابتة، وهي تعنى بصياغة العقل والرؤى بطريقة إيجابية وبناءة، تعطي وميضًا دائمًا لاستمرار الأجيال، وأن هذا الواجب المتجدد في سوق "عكاظ" يحيي الثقافة ويعمل على توثيقها في كل عام. 

وأشاد الآغا خلال تصريحه لـ"إيلاف" بدور الجنود والضباط المرابطين على الحدود الجنوبية للمملكة، ووصفهم بـ"حماة الوطن والمقدسات". وقال إنه "لا فرق بينهم وبين المدافعين عن القدس في التصدي لهجمات الأعداء على المقدسات الإسلامية".

اختتم السفير الآغا حديثه بالشكر والامتنان للخارجية السعودية ووزارة الإعلام والهيئة العامة للثقافة ومنسوبيها لحرصهم الدائم على التواصل مع البعثات الدبلوماسية وإشراكهم بالدعوات إلى جميع المحافل الثقافية السعودية.

فرصة للإلتقاء وتبادل الرؤى
من جانبه قال الكاتب السعودي محمد العصيمي إن المملكة هي صانعة الفعاليات الثقافية لما تتمتع به من مقومات جغرافية وتراثية وتاريخية عديدة، والتي جعلت منها بيئة ثقافية متكاملة، تعتني بالأدب والفنون والتراث، وترتقي إلى تطلعات المواطن العربي.

وأشار إلى مهرجان الجنادرية مثالًا، باعتباره أكبر وأهم المهرجانات التراثية في المملكة، إذ أضيفت إليه ملامح من ثقافات الشعوب العربية منذ عامه الأول. وأضاف إن مهرجان "سوق عكاظ" جاء ليكمل هذا المزج بين الثقافات المحلية والعربية، من خلال ابتكار فعاليات تليق وتنسجم بتاريخ هذه المنطقة ودلالتها وترسيخها في الذهن العربي، ولفت إلى أن ما أضافته سوق عكاظ خلال هذا العام على المستويين المحلي والعربي هو ذو أهمية، يحسب لسوق عكاظ، إذ جسّد الأصالة العربية المشتركة التي ساهمت بدورها في نقل المخزون الثقافي والتراثي العربي وتعريف الزوار بهذا الموروث.

تابع العصيمي حديثه قائلًا إن مثل هذه الدعوات والمشاركات لها أثر فعال في إثراء الحياة الثقافية وتفعيل مبدأ الحوار مع الشعوب، إذ تتيح فرصة الالتقاء وتبادل الأفكار والرؤى بين أطياف مختلفة من العالم العربي، كما يعطي حضور المثقفين والدبلوماسيين وتواجدهم برهانًا على أهمية الحراك الثقافي لتحقيق التماسك والوحدة العربية. 

أضاف إن مهرجان سوق عكاظ في هذا العام شهد إضافة مميزة من خلال نوعية البرامج والأنشطة التي تم عرضها، بما يتوافق تمامًا مع رؤية السعودية الجديدة 2030، والتي تمثلت في عروض المسرحيات وعرض لدار الأوبرا المصرية وبقية الفنون المختلفة، مشيرًا إلى الفرق التي شاركت بها الدول العربية لنقل فنونها وتراثها وثقافاتها من خلال المشاركة.

اتفق الكاتب محمد العصيمي مع ما قاله السفير الفلسطيني باسم الآغا بأنه إذا كانت السياسة متبدلة ومتغيرة، فإن الثقافة ثابتة وراسخة، تهدف إلى الوحدة والعدل. وقال إنه كان شاهدًا في حقبة زمنية مضت على مواقف للمثقفين العرب، برغم الاضطرابات السياسية الذي كانت تمر بها المنطقة ودولهم على وجه الخصوص، إلا أنهم حرصوا على ألا يقحموا الخلافات السياسية بالثقافة وأثبتوا ذلك بالتواجد والحضور. 

ولفت العصيمي الانتباه إلى المبادرات والأنشطة الثقافية في الداخل الفلسطيني، حيث نشأت صحف إلكترونية يعمل من خلالها بعض المثقفين والإعلاميين الفلسطينيين على الدفاع عن المملكة وإنصافها، وتأكيد دورها في حماية ورعاية القضية الفلسطينية، ما يعني اتحادهم مع أبناء المملكة وتصديهم للسهام، بالرد على كل من يشكك في موقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية.

دور المرأة في إبراز التراث الشعبي
في السياق عينه كان للمرأة حضور بارز في فعاليات سوق عكاظ، إذ شاركت في إظهار الفن الشعبي، من خلال بعض الحرف والصناعات وبغيرها من الأشكال الشعبية، وتجلت علاقتها الوطيدة بالإبداع الثقافي. وقد تمثل ذلك في مشاركة فرق من دول عربية بالحرف اليدوية والفنون الشعبية طوال فترة المهرجان، وكانت الدول المشاركة هي مصر، ودولة الإمارات، وسلطنة عمان، وكانت المرأة هي الوجه الأبرز بين جادات عكاظ وإبراز هذه الفنون، مما يدل على ارتباطها أدائيًا بعدد ضخم من الموروثات الشعبية.

وحول دور الفرقة الإماراتية المشاركة، والتي كانت المرأة تتصدر المشهد فيه، قال سعيد الكعبي، مدير إدارة التراث المعنوي في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي في تصريح خاص لــ"إيلاف" أن المرأة الإماراتية كانت ولا تزال تقوم بدور أساسي في إنتاج العديد من العناصر التراثية، بشقيها المادي والمعنوي، نتيجة تقسيم الأدوار في المجتمع القديم، حيث تتكامل الوظائف الحياتية بين المرأة والرجل في مختلف البيئات الصحراوية، والجبلية، والساحلية والواحات. 

وأضاف قائلًا "خلافًا لما يعتقد، فإن أدوار المرأة لا تقتصر على البيت وتربية الأبناء فقط، إذ شاركت قديمًا في إنتاج مواد تسهم في دخل الأسرة، مثل صناعة "السدو"، وهو فن حياكة الصوف لإنتاج بيوت الشعر، وغير ذلك من احتياجات الأسر المرتبطة بشعر الماعز، وهي حرفة برعت فيها المرأة باقتدار، وقامت بتطوير أنماط فنية مبهرة، سواء من ناحية الأشكال الزخرفية أو الألوان البراقة اعتمادًا على مصادر طبيعية. 

وأشار إلى أن "السدو" أحد عناصر التراث الإماراتي المدرج على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. كما أكد الكعبي أن الحرفيات اللاتي لا يزلن يزاولن هذه المهنة يحظين بدعم رسمي من الدولة للحفاظ على المهارات الخاصة بهذه الحرفة.

أضاف إن المرأة تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على التراث، لافتًا إلى أن العديد منهن راويات للتاريخ الشفاهي والشعر القديم، وممارسات للعديد من الحرف التقليدية، وهو ما يُحرص عليه في دائرة الثقافة والسياحة - في أبوظبي للتواجد في المحافل الوطنية والدولية، فهن خير من يمثل التراث الإماراتي، ودائمًا ما يقدمن صورة مشرفة عن الدولة. 

وذكر الكعبي مشاركة المرأة الإماراتية الفعالة في مهرجان سوق عكاظ، الذي أقيم في الطائف في المملكة العربية السعودية في الفترة من 27 يونيو إلى 13 يوليو 2018 ضمن جناح الحي العربي، حيث عرض أمام الجمهور حرفة السدو، والتلي، والخوص التي اشتهرت في التراث الإماراتي الأصيل، ولا يزال لديها حضور مميز من بين الحرف التقليدية. كما قمن بعرض منتجاتهن المطورة التي تلبّي احتياجات معاصرة من منتجات هذه الحرف في سوق خاصة، شهدت إقبالًا مميزًا من الزائرين، إضافة إلى العديد من الملابس الإماراتية التقليدية.