اختارت "دار الشعر" بكل من تطوان ومراكش أن تخرجا القصائد من القاعات والفضاءات المغلقة إلى رحابة حدائق "الحمامة البيضاء" و"المدينة الحمراء"، وغيرهما من مدن المملكة. آخر هذه المواعيد، كان نهاية الأسبوع المنقضي بفقرتي "حدائق الشعر" بتطوان و"أصوات معاصرة" بمراكش.

مراكش: في مراكش، كان اللقاء بفضاء حديقة مولاي عبد السلام، التي يعود إنشاؤها إلى ما قبل القرن السابع عشر، والتي جاء اختيارها لاحتضان التظاهرة، حسب المنظمين، "كي يكون الشعر في ضيافة المآثر التاريخية، إيمانا بدور الشعر في إعطائها مسحة الوجود الحقيقية".

اقترح اللقاء عنوان "شعراء الألفية الجديدة يفتحون رؤى القصيدة"، ضمن انفتاح هذه الدار، التي جرى افتتاحها يوم 16 سبتمبر 2017 بناء على مذكرة تفاهم بين وزارة الثقافة والاتصال بالمملكة المغربية ودائرة الثقافة بالشارقة بدولة الإمارات العربية، على مزيد من "الأصوات المعاصرة اليوم في المشهد الشعري المغربي"، وأيضاً لـمواصلة استراتيجية الدار في "الانفتاح على الفضاءات العمومية المفتوحة"، والتي أطلقتها، قبل أيام، بفقرة "ضفاف شعرية" بمنتجع عين أسردون بمدينة بني ملال (وسط المغرب) بمشاركة الشعراء محمد بودويك ومجيدة بنكيران ومحمد بوتخمت والزجالة مليكة فتح الإسلام مع مصاحبة موسيقية لفرقة أفنان للموسيقى العربية، وبعدها بــ"خيمة الشعر الحساني" بالداخلة (جنوب المغرب)، بمشاركة شعراء يمثلون التجربة الشعرية الحسانية، في تعددها اليوم وانفتاحها على المشهد الشعري المغربي: محمد سالم بابا وخديجة العبيدي والطاهر خنيبيلا ومحمد اسويح ومحمد مولود الأحمدي ومحمد الكوري ولد الشيخ الطاهر، فيما نشط اللقاء فرقة زغينينا للموسيقى الحسانية الأصيلة.

من تظاهرة حديقة مولاي عبد السلام لـ"دار الشعر بمراكش"

في مراكش، كان موعد عشاق القصيدة مع الشعراء نزار كربوط ويوسف الأزرق وفاطمة حاسي وعتيقة بنزيدان، حيث وقفوا على "منجز شعري يخط اليوم مستقبل القصيدة المغربية". وشهدت الفقرة، الى جانب القراءات الشعرية، تقديم مقاطع شعرية ممسرحة، ملأ بها الفنان المسرحي فيصل كمرات مجازات واستعارات النص الشعري من خلال أداء كوريغرافي، في حوار شعري مسرحي مميز، مع مشاركة الفنان محمد العمراني والفنانة وصال حاتمي، في وصلات غنائية تمتح من التراث الموسيقي المغربي والعربي.

ويعد كربوط من شعراء الحساسية الجديدة في المغرب، منذ صدور ديوانه "رماد عاشق"، فيما اختار الأزرق، صاحب "محو الأمنية"، أن يتحلل في القصيدة، وركنت حاسي إلى زاوية خاصة من خلال قصيدة توغل في الذات والواقع، فيما أبدعت بنزيدان بلغتين وعالمين، كي تجعل من الشعر معبراً لرؤاها الذاتية.

وتمثل "أصوات معاصرة" نافذة شعرية فتحتها دار الشعر بمراكش، التي يديرها عبد الحق ميفراني، على المنجز الشعري الجديد، الذي "ينفتح على المستقبل ويسهم في ترسيخ أفق القصيدة المغربية". مع الإشارة إلى أن الدار قد نجحت، شأنها في ذلك شأن مثيلتها في تطوان، في ظرف وجيز، في أن تؤكد مكانتها داخل المشهد الثقافي المحلي والوطني، من خلال جملة من الفقرات، بينها، فضلاً عن "أصوات معاصرة"، "تجارب شعرية" و"ضفاف شعرية" و"مؤانسات شعرية" و"لكلام لمرصع" و"شاعر في ضيافة الأطفال" و"نوافذ شعرية"، علاوة على ندوات متميزة، بينها ندوة "الشعر المغربي وأسئلة الحداثة" وندوة "الشعر المغربي وأسئلة الترجمة.

من جهتها، اختارت دار الشعر بتطوان أن تجمع بين القصيدة والتشكيل، في فقرة حملت عنوان "حدائق الشعر".

وتعد دار الشعر بتطوان، التي تم افتتاحها يوم 17 ماي, 2016، والتي يديرها مخلص الصغير، مؤسسة ثقافية دولية تعنى بالشعر والشعراء، تم إحداثها، هي الأخرى، بموجب مذكرة تفاهم ما بين وزارة الثقافة المغربية ودائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة، بدولة الإمارات العربية.

وبعدما نظمت سلسلة من اللقاءات والبرامج الشعرية والنقدية، من بينها "شعراء ونقاد" و"توقيعات" و"شاعر في الذاكرة" و"بحور الشعر" و"ليالي الشعر" الذي جمع بين الشعر والموسيقى، جاء برنامج "حدائق الشعر"، حسب منظميه، "ليقيم حواراً ما بين الشعر والتشكيل في تطوان، مدينة الشعراء والفنانين التشكيليين، التي تحتضن أعرق معهد وطني للفنون الجميلة في المغرب، مثلما تحتضن داراً للشعر والشعراء".

وبُرمجت الحلقة الأولى من البرنامج بفضاء المتحف الأثري لتطوان، بمشاركة الشاعر علال الحجام والشاعرة نسيمة الراوي والشاعر عبد الرحمن الفاتحي، إلى جانب الفنان التشكيلي عبد الكريم الوزاني الذي عرض آخر منحوتاته.

ويعد الحجام من أبرز الشعراء الذين ساهموا في تأصيل الحداثة الشعرية المغربية، خلال سبعينيات القرن الماضي، أثرى خلالها المدونة الشعرية العربية بأعمال مميزة، منذ ديوانه الأول "الحلم في نهاية الحداد" (1975)، إلى "مسودات حلم لا يقبل المهادنة" (2017). ومثلما جدد الحجام القصيدة المغربية دلالاتٍ وإبداعاً وإيقاعاً، استطاع أن يمنح قصيدته أفقاً كونياً، من خلال إقامته الأخيرة في الولايات المتحدة وتفاعله مع ثقافتها الشعرية والفنية المعاصرة والجديدة، التي وهبته رؤية شعرية مختلفة ومتجددة. فيما يبقى الفاتحي، من أهم الأصوات الشعرية التي تكتب بالإسبانية في المغرب وفي العالم الناطق بغير الإسبانية. وقد توج بالعديد من الجوائز الرفيعة، منذ حصوله على جائزة رفاييل ألبيرتي سنة 2010؛ مثلما حضرت الراوي، قبل أيام من تتويجها بجائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب العرب.

وقدم الوزاني آخر منحوتاته خلال هذا اللقاء الشعري التشكيلي؛ هو الفنان العالمي الذي أقام معارض كبرى في مختلف القارات، وعرض في الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا وروسيا والشيلي ومصر وسوريا وإيطاليا والبرتغال، كما وُشِّحَ بوسام الجمهورية الفرنسية من درجة فارس في الفنون والآداب سنة 1999، ووسام المملكة البلجيكية من درجة فارس سنة 2004، والوسام الملكي الإسباني من درجة فارس سنة 2007، جامعاً بين النحت والصباغة ليقدم أعمالاً مثيرة وجذابة، اعتبرها الراحل إدمون عمران المالح تجربة متفردة وغير مسبوقة في تاريخنا التشكيلي: أعمال منحوتة بفرح طفولي ومرح فني، ترحب بنا عبر مخلوقات عجائبية وألوان زاهية.