يقدر الاتحاد الأوروبي وفاة 300 ألف أوروبي سنويًا جراء المضاعفات الناجمة من انتشار ذرات السخام في الجو، لكن دراسة ألمانية جديدة تثبت أن جزيئات السخام الصغيرة تتسلل إلى أنسجة النباتات كما تتسلل إلى رئات البشر.

إيلاف من برلين: تخترق جزيئات السخام الحاجز المناعي في القصبات الهوائية، وتستقر في الجهاز التنفسي، لتسبب أخطر الأمراض السرطانية. وبالطريقة نفسها تراكم جزيئات السخام (الكربون المحروق) المتراكمة على الأوراق، وتؤلف عليها طبقة ملحية تحفز تبخر المزيد من الماء من على سطوحها. كما تتسلل هذه الطبقة الملحية إلى أنسجة الاشجار الداخلية عبر الثقوب المتواجدة على سطوح أوراق الأشجار.

وطبيعي فإن زيادة تبخر الماء من أوراق الأشجار يصيب الأشجار بالظمأ، ويؤدي بالتالي إلى جفافها عند حصول ذلك في جو حار. يتراجع عمر وإنتاج الشجرة، إذا كانت مثمرة، حينما يصيبها نقص الماء بسبب سرعة تبخر الماء من على سطوحها.

مقطع مجهري في الورقة يظهر ثقوب تبخر الماء فيها

توصل إلى ذلك الباحثون الألمان من جامعة بون من خلال دراساتهم على نمو ووضع الأشجار في الجو الملوث وفي الجو غير الملوث. وتوصل العلماء إلى استنتاج مهم مفاده أن ظاهرة التبخر السريع للماء بسبب تلوث الجو تفسر ظاهرة جفاف الغابات وتراجع المحاصيل الزراعية وكثرة الحرائق في السنوات الأخيرة على المستوى العالمي.

التلوث يتسلل إلى الأنسجة النباتية
وذكر الباحث يورغن بوركهاردت، من جامعة بون، أن الدافع إلى الدراسة حول تأثير التلوث على النباتات كان الجفاف الذي يصيب الأشجار في المدن الألمانية منذ بضعة عقود. إذ إن تخلف أشجار المدن في النمو والعطاء عن أشجار الريف معروف، ويعزى دائمًا إلى تلوث أجواء المدن بذرات السخام الكبيرة وصغيرة، وبالغازات الضارة بطبقة الأزوزن، مثل الميثان وثاني أوكسيد الكربون.

ويرفع علماء البيئة إصبع الاتهام في وجه تلوث أجواء المدن، ويحمّلونه المسؤولية عن موت الملايين في شوارع مدن العالم. وهو تلوث تسهم فيه الصناعة بالدرجة الأولى، إلى جانب الغازات الناجمة من احتراق الوقود في السيارات والمواقد والمداخن.

وكان المعتقد أن تلوث الجو بجزيئات السخام هو المسبب لجفاف أشجار المدن، لكن التجارب الجديد في بون أثبتت أن هذه الجزيئات تتسلل إلى الأنسجة النباتية.

تنمية الأشجار في أجواء ملوثة
من أجل إثبات ذلك، عمل فريق العمل بقيادة بوركهاردت، على تنمية الأشجار في غرف زجاجية كبيرة في المختبر. ووفر العلماء في بعض الأحواض الزجاجية أجواء نقية، كما وفروا في الأخرى أجواء ملوثة تشبه تلوث أجواء مدينة بون.

استخدم بوركهارت أشجار الصنوبر البيضاء والتنوب والبلوط في التجارب، لكونها الأكثر انتشارًا في شوارع المدن الألمانية. وحرص فريق العمل على تنمية هذه الأشجار طوال سنتين في الغرف الزجاجية الملوثة وغير الملوثة.

واستخدم العلماء فلترات خاصة لترشيح أجواء الغرف الزجاجية غير الملوثة، بينما وفروا في الغرف"الملوثة" أجواء تطابق جو بون، وتعادل 6-7 مليار جزيئة سخام في كل متر مكعب من الهواء.

وطوال سنتين حرص العلماء على تزويد الأشجار، في الغرفتين، بكميات متساوية من الهواء والسماد الطبيعي... إلخ. وكانوا أيضًا يقيسون بانتظام عدد جزيئات السخام التي تتراكم على سطوح الأوراق، ويقيسون كمية المياه التي تتبخر عن هذه الأوراق.

الأشجار فقدت ماءها وتيبست
كانت النتيجة واضحة، وهي أن الأشجار في الغرف الملوثة طرحت الكثير من الماء من على سطوحها، وصارت تجف بالمقارنة مع الأشجار في الغرف غير الملوثة.

استخدم بوركهاردت وفريق عمله المجهر الإلكتروني الحيوي لدراسة حالة الثقوب في الأنسجة الخضراء التي يتبخر منها الماء عادة في النباتات. ومعروف أن هذه الثقوب هي التي تنظم عملية تبخر الماء من على سطوح النباتات.

ظهر من الفحص أن الأشجار في الغرف الملوثة فقدت بتأثير جزيئات السخام الصغيرة الكثير من الماء، رغم أن الثقوب في سطوحها لم تتوسع مقارنة بأشجار الغرف النقية.

وذكر بوركهاردت أن الأشجار التي نمت في جو غير ملوث كانت أصح عمومًا من مثيلاتها في الغرف الملوثة، كما إنها أثبتت أكثر قدرة على الصمود في وجه الجفاف والعوامل البيئية الأخرى.

ظهر من الفحص المجهري أن جزيئات السخام الصغيرة التي تراكمت على سطوح الأشجار شكلت طبقة ملحية رقيقة. واتضح أيضًًا أن جزئيات السخام الصغيرة ذات طبيعة ممتصة للماء، وكانت تمتص الماء من على سطوح الأشجار وتبخرها مجددًا.

علاقة مباشرة بين التلوث وجفاف الأشجار
واعتبر بوركهارد نتائج التجربة أول دليل علمي على التأثير المباشر لتلوث الجو على الأشجار. وأضاف إن الفحص المجري أثبت أن طبقة جزيئات السخام الملحية تتسلل عبر الثقوب في سطوح النباتات إلى الأنسجة الداخلية أيضًا. 

وتشكل الطبقة الملحية بالتالي "قنوات مائية" بين الأنسجة النباتية الداخلية وسطوح الأوراق، وهي قنوات تنقل المزيد من الماء من داخل النبتة إلى الهواء اللصيق بالأوراق.