غزة: شهدت الحدود بين قطاع غزة واسرائيل منذ بدء مسيرات العودة" في 30 مارس/آذار مواجهات دامية بين متظاهرين فلسطينيين والجيش الاسرائيلي قتل خلالها ما لا يقل عن 149 فلسطينيا بنيران الجيش منذ ذلك التاريخ حتى الان، الا ان القطاع شهد مؤخرا أحداث غير اعتيادية، اثارت قلقا دوليا ودفعت بوساطة عربية لاتفاق هدنة بين اطراف النزاع في البلاد.

تصعيد
وتصاعدت أعمال العنف بوتيرة مرتفعة بعدما قتل مسلحون فلسطينيون الجمعة جنديا إسرائيليا على حدود غزة، رد على إثرها الجيش الإسرائيلي بعشرات الهجمات على كامل القطاع، أدت إلى سقوط أربعة قتلى فلسطينيين، بينهم ثلاثة من ناشطي كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس.

قلق اممي
وخرجت تحذيرات دولية من مغبة تدهور الوضع في القطاع، حيث قال والمبعوث الخاص للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف "على الجميع في قطاع غزة الابتعاد عن حافة الهاوية. ليس الاسبوع المقبل وليس غدا، بل فورا".

واعرب الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش السبت في بيان عن قلقه" البالغ حيال هذا التصعيد الخطير للعنف في غزة وجنوب اسرائيل. من واجب جميع الاطراف ان تتفادى بإلحاح خطر نزاع جديد مدمر".

جهود مصرية واممية
تأتي هذه التحذيرات الدولية قبل ان تفضي جهود مصرية وأممية إلى التوصل لتهدئة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية هناك.

وعاد الهدوء الى قطاع غزة في منتصف ليل الجمعة السبت، بعد ساعات من القصف الاسرائيلي البري والجوي المكثف، الا ان المدنيين على جانبي الحدود يخشون نشوب حرب جديدة بين الدولة العبرية وحركة حماس.

توقعات لحرب
من جهتها تعتبر إحدى سكان دير البلح في وسط القطاع، سمية ربايعة (21 عاما)، ان "الحرب قادمة، انا اعرف ان الاحتلال ينفذ غارات بالتدريج لتحضير الجبهة الداخلية عنده، أما نحن فلا أحد يلتفت لنا اذا وقعت الحرب".

ومنذ أشهر، يستخدم شبان وفتية فلسطينيون هذه الادوات التي تتسبب بحرائق في الاراضي الزراعية الاسرائيلية على الحدود.

الطائرات الورقية مرعبة
ويعيش عوفر ليبشتاين (44 عاما) مع زوجته وأبنائه الأربعة في كيبوتس (تجمع سكاني زراعي) كفار عزة قرب الحدود مع شمال غزة. وتعرضت الأرض المحيطة بتجمعهم لأضرار كبيرة بسبب الطائرات الورقية والبالونات.

ويقول ليبشتاين "رأينا كل الاشجار وكل الأزهار وكل شيء يحترق بالنار. لا يمكن الا أن نشعر بالاسى لذلك، ونتساءل: اي نوع من الاشخاص يمكن ان يقوموا بهذا؟".

 ويشير الى عدم اندلاع حرائق بالقرب من منزله السبت، لكنه يشعر بالقلق من احتمال وقوعها في وقت لاحق.

اسرائيليون على الحدود
أما عن تصاعد أعمال العنف التي دفعت بإسرائيليين قرب حدود غزة للجوء الى الملاجئ خلال الأسابيع الأخيرة بسبب إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، فقال "إنها مخيفة، لكن هذه هي الحياة بالقرب من قطاع غزة". 

وعلى وقع الاحداث هدد سياسيون إسرائيليون بالتشدد في ملاحقة مطلقي البالونات الحارقة في الأيام الأخيرة، واستهدف الجيش مجموعات من الشبان تطلق هذه الطائرات الورقية والبالونات بالقرب من الحدود.

لا نريد الحرب
و خلف التلة التي تبعد نحو ثلاثمئة متر عن السياج الحدودي، وقف الفتى وسام البالغ (17 عاما) برفقة خمسة من أصدقائه، متخوفا من قصف اسرائيلي هناك

ويقول الفتى "صباحا قصفوا نقطة رصد لحماس قريبة من هنا، أخاف ان يضربوننا بصاروخ او قذيفة اذا طيرنا طائرة (ورقية)" كانت معه، وتابع "لا نريد الحرب".
وفي المقابل عمد عدد من السبان إلى إطلاق بعض البالونات الحارقة من شرق مخيم البريج، لكن الحدود ظلت هادئة السبت.

أسوء أحداث منذ 2014
وسجل يوم الجمعة الفائت سقوط أول جندي اسرائيلي برصاص أطلق من غزة، في حادثة لم تحصل منذ حرب 2014، وشهد الأسبوع عينه أسوأ تبادل لإطلاق النار بين إسرائيل والمقاتلين الفلسطينيين في غزة منذ أربع سنوات.

ومع تتابع الاحداث تتهم اسرائيل حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة الفقير والمحاصر منذ عقد، باستخدام الاحتجاجات كغطاء لتنفيذ هجمات.

بدورهم يقول الفلسطينيون وجماعات حقوق الانسان ان المتظاهرين غير مسلحين ولا يشكلون أي تهديد حقيقي للجنود ويتعرضون لاطلاق النار.

.حياة بشرية
في حين يطمح سكان القطاع بحياة هادئة وكريمة، استهدف الجيش الاسرائيلي الجمعة في غارات جوية عشرات الأهداف لحماس التي وصفها بـ"العسكرية" في غزة. 

ومن جهتهم أطلق فلسطينيون نحو 200 صاروخ وقذيفة هاون على إسرائيل من القطاع الاسبوع الماضي.

ويقول خالد بربخ (22 عاما)، وهو من سكان خان يونس في جنوب القطاع، "شعرت بأجواء حرب حقيقية، قصف جوي ومدفعي وأيضا من البحرية الاسرائيلية"، مضيفا "أينما تشاهد او تسمع او تقرأ أخبارا، ستجد تهديدات اسرائيلية بالتصعيد وايضا تهديدات من المقاومة".

ويضيف بربخ "لا نريد حربا جديدة، تعبنا. نرغب بحياة مثل البشر".

من جهته يؤيد عبد الرؤوف (37عاما)، وهو من سكان مدينة غزة "الطائرات الورقية والبالونات. هذه وسائل أبدعها أبناء شعبنا وحققت الاهداف. نريد ان نهدئ اللعب حتى تمر الموجة لاننا لا نتحمل حربا". 

الحصار مبرر
وتبرر اسرائيل حصارها المشدد المفروض على القطاع بانه ضروري لعزل حماس التي خاضت معها ثلاث حروب منذ عام 2008، كان آخرها في صيف عام 2014.

وشددت اسرائيل حصارها منذ أيام. فقلصت المجال المسموح للصيد البحري من ستة الى ثلاثة اميال بعد أن أغلقت معبر كرم أبو سالم أمام مرور البضائع باستثناء المواد الانسانية (الغذاء والدواء) مع الموافقة على كل حالة على حدة.

ويقول المنتقدون إن الحصار يرقى إلى العقاب الجماعي لسكان القطاع البالغ عددهم مليونا نسمة ويؤدي إلى مزيد من التطرف. في حين أن المدنيين يتخوفون من جولة عنف جديدة.

ويقول ناثان ثيرال من المركز الدولي لحل الأزمات لفرانس برس "إذا اندلعت حرب الآن، فظنّي أن معظمهم سيؤيد ذلك"، مضيفا "لو اندلعت الحرب الليلة الماضية، لكان غزيون دعموا انتقام حماس، وكثيرٌ من الإسرائيليين أيدوا العمل الإسرائيلي لمحاولة وقف الطائرات الورقية والبالونات".

تهدئة صامدة 
وتبدو التهدئة صامدة إجمالا في قطاع غزة السبت رغم قصف اسرائيلي محدود على موقع لحركة حماس، حيث أطلق الجيش أربع قذائف مدفعية قبل ظهر السبت على موقع لحركة حماس قرب الحدود بين اسرائيل وغزة. 

نص التفاهم
ونص تفاهم التهدئة الجديد على وقف إطلاق النار والغارات الاسرائيلية مقابل وقف اطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من غزة، لكنه لم ينص، بحسب مصدر مطلع في قطاع غزة، على وقف إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الهوائية الحارقة التي تصفها اسرائيل بـ"الإرهابية".

من جهتها تفردت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإعلان عن التوصل الى اتفاق تهدئة فجرا بوساطة مصرية ومن الامم المتحدة، وقالت إن الفصائل الفلسطينية "ملتزمة بالتهدئة طالما التزم بها الاحتلال"، الا ان الجانب الاسرائيلي لم يأت على ذكر الاتفاق، وإن كانت غاراته الجوية توقفت منذ منتصف ليل الجمعة السبت على القطاع المحاصر.

وقال الجيش الاسرائيلي في بيان إن "دبابة استهدفت موقعا عسكريا لحماس ردا على تسلل عدد من المشتبه بهم إلى إسرائيل من شمال غزة"، قال انهم "عادوا الى القطاع".

من جهته ذكر مصدر فلسطيني ان اسرائيل قصفت موقع "رصد لحركة المقاومة الاسلامية" موضحا أن القصف خلف أضرارا مادية ولم يسفر عن اصابات، في وقت لم ترد معلومات عن إطلاق قذائف هاون من غزة باتجاه إسرائيل. 

وساطة 
وقال الناطق باسم حماس فوزي برهوم إن "جهوداً مصرية وأممية أثمرت في التوصل إلى الحالة السابقة من التهدئة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

لكن مصدرا فلسطينيا مطلعا على المفاوضات في غزة أوضح ان التهدئة تركز على "وقف كافة اشكال التصعيد العسكري وفي مقدمتها العدوان الاسرائيلي بأشكاله، ووقف اطلاق اي صواريخ او قذائف من المقاومة".

اسرائيل لا تعترف بالهدنة
وكان لافتا رفض الجيش الاسرائيلي ومكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تأكيد التوصل الى الهدنة. 

وقالت متحدثة عسكرية لوكالة فرانس برس "كل ما يمكننا قوله هو انه لم تقع حوادث او هجمات اسرائيلية في قطاع غزة منذ الموجة الاخيرة من الغارات الجوية ليلة الجمعة".

وردا على سؤال حول ما اذا كانت التهدئة تشمل وقف الطائرات الورقية والبالونات الهوائية الحارقة، قال المسؤول الفلسطيني "لا علاقة لهذه الادوات النضالية البدائية التي يستخدمها المواطنون في مسيرات العودة بالتصعيد العسكري".

وكان وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان هدد خلال الايام الماضية بعملية عسكرية ضخمة في قطاع غزة اذا لم تتوقف حماس عن إطلاق هذه البالونات الحارقة التي تسببت خلال الاسابيع الاخيرة بحرائق شملت أكثر من 2600 هكتار.

معادلة الردع
وفي اشارة إلى تطبيق سياسة الردع، قالت إسرائيل إن غاراتها الجمعة جاءت ردا على صواريخ أُطلقت من غزة على أراضيها، واعلن جيشها استهداف ستين موقعا لحماس بما في ذلك مواقع لتصنيع الأسلحة ومستودع للطائرات بدون طيار وغرفة عمليات عسكرية.

من جهته أكد برهوم على "ترسيخ معادلة الردع المبنية على اساس القصف بالقصف والقنص بالقنص"، مؤكدا ان الحركة "جاهزة وقادرة وماضية في فرض هذه المعادلة وتثبيتها مهما بلغت التضحيات".

صمت اسرائيل 
وفي حين أن تفاهم التهدئة هو الثاني الذي تعلنه حماس خلال أسبوع، من دون أن تعلق عليه اسرائيل، قالت الاذاعة العامة الاسرائيلية ان هذا الصمت يفسّر برفض الحكومة الاسرائيلية إعطاء انطباع بأنها تفاوض مع حركة حماس التي تصنفها "إرهابية"، على الرغم من أنه غير مباشر ويتوسط فيه مسؤولون مصريون والمبعوث للاممي ملادينوف.

من جهته أعلن ليبرمان مساء الجمعة قبيل الاعلان عن وقف إطلاق النار إنه بحث مع ملادينوف الذي دعا الطرفين الى ضبط النفس.

تجدر الاشارة إلى ان مسيرات العودة التي نفذها الفلسطينيون هي احتجاج على الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات وللمطالبة بحق عودة الفلسطينيين الى المناطق التي هجروا منها داخل الاراضي الاسرائيلية منذ العام 1948، وكان أعنفها في 14 تموز/يوليو.

ويخضع قطاع غزة الذي يعيش فيه حوالى مليوني شخص، لحصار خانق منذ 2006، قبل سنة من سيطرة حماس عليه بعد طرد حركة فتح منه.