أكدت الكاتبة والصحافية، ريانون لوسي كوسليت، أن الفترة التي قامت فيها برعاية شقيقها الذي كان يعاني من مرض التوحد في مرحلة طفولتهما، وتحملها لذلك بعض المسؤوليات الكبرى بشكل مبكر، ساهمت في صنع الشخصية التي تتسم بها اليوم.

وأوضحت ريانون أن الاعتناء بطفل صغير يجعلك صاحب شخصية مختلفة عن باقي أصدقائك، ويمكن استكشاف ذلك بالتعرف على أنماط حياتهم عند زيارة منازلهم ومقارنتها بنمط حياة الشخص المسؤول عن حياة شخص آخر بكل ما فيها من مسؤوليات، فبينما تبدو منازلهم هادئة ومرتبة، يبدو منزل الشخص المكلف بالاعتناء بشخص عليل مغايراً وعلى النقيض تماماً، حيث الفوضى وعدم النظام والضجيج.

وأضافت ريانون أن شقيقها الصغير كان يعاني من توحد شديد، وأن الأطباء شخصوا إصابته بالمرض وهو في سن الرابعة، موضحة أن والدتهما، آن، دائماً ما كانت تشتكى من إفراطه في الحركة، حيث كان يتلوى كما الأخطبوط – على حد قولها – بين يديها. وأنه عندما كبر بعض الشيء، زادت حركته، ودائماً ما كان يثير الفوضى في المنزل، فكان يتسلق الأثاث والدرج، وكان يقوم بتفريغ علب الحبوب وكراتين عصير البرتقال على الأرضية كما كان يكتب على الجدران.

ولفتت ريانون إلى أن شقيقها لم يكن ينام ولم يكن يتكلم، وأنها كانت أكبر منه بستة أعوام، وأنها ظلت تعتني به لفترة طويلة مع والدتها حتى تركت المنزل في شمال ويلز وهي في سن الـ 18 (وقد انفصلا والداها عن بعضهما البعض وهي في سن ال 12 عاما).

وأشارت إحصاءات، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إلى وجود 700 ألف طفل وشاب بكافة أنحاء المملكة المتحدة (بعضهم يبلغ من العمر 5 أعوام) يعتنون بأفراد أسرهم، لكن يُعتَقد أن هذا العدد ربما يزيد عن ذلك بكثير في الواقع.

وتحدثت ريانون في السياق نفسه عن صعوبة الانعزال عن العالم الخارجي والاهتمام فقط برعاية شخص قريب مصاب بمرض أو بإعاقة، فحينها تكون الحياة مختلفة بكل ما فيها من تفاصيل، حيث تتراكم المسؤوليات وتختلف النظرة للحياة عموماً، لاسيما وأن والدتها كانت تبذل مجهوداً كبيراً مع شقيقها، لدرجة أنها كانت تُحرَم من النوم لساعات طويلة أثناء الليل كي تواصل الاعتناء بشقيقها، وأنها كانت تحل محلها لكي تمكنها من النوم ولو ساعة واحدة فقط، وأنها كانت تنهمك في الواجبات المنزلية بصورة أكبر مما تفعله زميلاتها في منازلهن، وان اعترفت بأن ذلك كان له كبير الأثر على تنمية مهاراتها وتعزيز سماتها الشخصية التي كان من بينها: تحمل المسؤولية، الرحمة، التعاطف، النكران، القيام بأكثر من مهمة، الصبر والكرم.

ولفتت ريانون كذلك إلى أن شقيقها لم يكن يخاف، لذا كان يتعين عليها ووالدتها أن تكونا غاية في الحيطة والحذر، فضلاً عن المواقف الصعبة التي كانتا تتعرضان لها عندما تنتاب شقيقها نوبات غضب في الأماكن العامة، حيث كان يحدق الناس فيه ويتبادلون التعليقات فيما بينهم، وأنها دائماً ما كانت تواجه الناس كلما حدث ذلك. 

كما تحدثت عن الصعوبات التي كانت تواجهها فيما يتعلق بانجازها واجباتها المدرسية، لأنها لم تكن تنام بشكل جيد، فضلاً عن أجواء المنزل كانت صاخبة طوال الوقت، الأمر الذي ساعدها على تعلم التركيز مهما كانت الأجواء فوضوية من حولها.

وتابعت ريانون حديثها بالقول إن تلك التجربة التي خاضتها مع شقيقها علمتها الكثير والكثير عن الإنسانية، خصوصاً وأنك تكون مكلفاً برعاية شخص ضعيف، فحينها تكون بحاجة إلى التعاطف، وهي مهارة أساسية عند تكوين شخصيتك الخاصة.

وأوضحت ريانون أنها وبعدما كبرت، بدأت تصارح صديقتها بحقيقة وضعية شقيقها وطبيعة ما يدور في المنزل، وأنها لم تجد منهن غير كل دعم ومساعدة. 

وبعد مضي بعض الوقت، وتقدم شقيقها في السن، أصيب بصرع ولم يعد بمقدور والدتها السيطرة عليه، وقد كان وقتها في مدرسة خاصة، وحينها اضطرت ريانون لترك المنزل، ذلك القرار الذي كان غاية في الصعوبة عليها، حيث ظلت تبكي لأسبوعين، موضحة أن شقيقها يبلغ من العمر الآن 25 عاماً، وأنه يعيش في دار رعاية وأنه سعيد للغاية هناك وأنها تزوره قدر المستطاع لتخرج معه أو ليتناولا سوياً الغذاء.

وأثنت ريانون في الأخير على الدعم الذي يلقوه كأسرة من الحكومة، وأنه لولا ذلك الدعم المميز، لما كانت استطاعت أن تترك المنزل وأن تدخل الجامعة ومن ثم تشق طريقها في حياتها العملية ككاتبة، وعاودت لتؤكد على حقيقة القوة التي اكتسبتها على الصعيد الشخصي من وراء تجربتها الصعبة التي خاضتها مع شقيقها منذ الصغر.

أعدت "إيلاف" المادة نقلا عن هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، الرابط الأصلي أدناه
https://www.bbc.co.uk/news/stories-44876858