قليل من التحولات السياسية يمكن أن تضاهي الشهر الماضي في السنغال.

منذ ما يزيد قليلاً عن أسبوعين، كان "باسيرو ديوماي فاي" زعيماً معارضاً غير معروف يقبع في السجن، محتجزاً دون محاكمة بتهم من بينها "التحريض على التمرد"، ولم يشغل أي منصب منتخب قط.

لكن قبل أسبوع واحد، هزم مرشح الحزب الحاكم "أمادو با" في الانتخابات الرئاسية في البلاد، حيث حصل على 54% من الأصوات في الجولة الأولى.

ومن المقرر أن يؤدي اليمين الدستورية الثلاثاء ليصبح الرئيس الخامس للسنغال، ويصبح أصغر رئيس دولة منتخب في أفريقيا. وفي منطقة غالبية سكانها تحت سن الثلاثين، فإن فوزه يقدم الأمل لهؤلاء الشباب المحبطين بسبب الافتقار إلى الفرص الاقتصادية، مع تشبث النخب القديمة بالسلطة.

الصعود المذهل لـ"فاي" يعد بمثابة تذكير قوي بأن الانتخابات لا تزال تمثل أفضل وسيلة لإزالة حكومة فاشلة بالنسبة للعديد من المواطنين في أفريقيا.

ولم يقتصر فوزه على إزاحة حكومة لا تحظى بالشعبية من السلطة فحسب، بل إنه عزز المؤسسات الديمقراطية في البلاد وأعاد تنشيط الثقة الشعبية في الديمقراطية في وقت أدت الانقلابات في دول أخرى في غرب أفريقيا إلى العكس.

"عملية استثنائية"

إن قصة انتصار الرجل البالغ من العمر 44 عاماً سوف تلهم القادة الآخرين في جميع أنحاء القارة، الذين شهدوا سنوات من القمع والترهيب.

ووفقاً لزعيم المعارضة الأوغندية منذ فترة طويلة، كيزا بيسيجي، الذي عمل مؤخراً مع نظيره الأصغر سناً بوبي واين في حملة من أجل الديمقراطية في بلاده، فإن "العملية الانتخابية غير العادية في السنغال أظهرت مرة أخرى أنه مع تعبئة جيدة ومرنة وحسنة النية، بقيادة السكان، من الممكن تحقيق التحول الديمقراطي المنشود في أفريقيا دون عنف".

إن التأثير الملهم لنجاح فاي سوف يتضخم لأنه في الحقيقة لم يتحقق بسهولة.

قبل الانتخابات، اتخذت حكومة الرئيس ماكي سال عدداً من الخطوات غير الديمقراطية فيما اعتبر محاولة للاحتفاظ بالسلطة على خلفية السخط الشعبي المتزايد.

وشمل ذلك الاضطهاد المستمر لزعماء المعارضة والأصوات الناقدة ومحاولات اللحظة الأخيرة لتأخير الانتخابات في محاولة لتجنب الهزيمة، الأمر الذي دفع بعض المعلقين إلى التساؤل عما إذا كنا نشهد وفاة الديمقراطية السنغالية.

وكان العديد من هذه التدابير يهدف إلى تقويض الزخم وراء حزب المعارضة الأكثر شعبية، حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة (باستيف).

زعيم المعارضة السنغالية عثمان سونكو والرئيس السنغالي الجديد باسيرو ديوماي فاي
سيتعين على فاي (يسار) وعثمان سونكو (يمين) العمل معاً للوفاء بوعد الانتخابات

وشمل ذلك اعتقال الزعيم الشعبي للحزب عثمان سونكو وفاي، الذي كان الأمين العام لحزب باستيف، كان هناك أيضاً تخويف واسع النطاق لأنصار الحزب.

وأثار سجن سونكو - بتهمة التصرف بشكل غير أخلاقي تجاه شخص يقل عمره عن 21 عاماً بعد ادعاءات من قبل معالج تدليك - إلى جانب عدد من التحركات التحريضية، بعضاً من أكبر الاحتجاجات التي شهدتها السنغال في السنوات الأخيرة. وفي المقابل، أدى الرد العنيف من قبل قوات الأمن إلى سقوط العديد من القتلى.

ووصف سونكو الاتهامات بأنها ملفقة وتهدف إلى منعه من الترشح للرئاسة.

وتم حل جمعية باستيف نفسها من قبل السلطات العام الماضي بعد أن اتهمت بإذكاء العنف في البلاد، لكن قيادتها استمرت في العمل.

وتطلب الأمر شجاعة لا تصدق وعملاً شاقاً من قادة المعارضة وجماعات المجتمع المدني والصحفيين والعاملين في بعض المؤسسات الديمقراطية في البلاد لضمان انتهاء هذا الوضع في انتخابات كان فاي في وضع يسمح له بالفوز بها.

وضمن أعضاء المجلس الدستوري، ومنهم المحكمة العليا في السنغال، إجراء الانتخابات كما كان مقرراً عندما وقفوا في وجه الرئيس وحكموا بأن محاولته تغيير التاريخ كانت غير قانونية.

كما لعبت قيادة باستيف أيضاً دوراً مهماً، حيث وقفت بثبات في مواجهة الترهيب الكبير.

أنصار عثمان سونكو
جاء أنصار عثمان سونكو لتحيته عندما ذهب للتصويت في يوم الاقتراع

وعلى الرغم من سمعته المثيرة للجدل، أثبت سونكو أيضاً أنه على استعداد للتحلي بالمرونة ووضع طموحاته الرئاسية الشخصية جانباً لمنح زميله أكبر فرصة للنجاح.

في الواقع، بدون ذلك لم يكن فاي ليظهرعلى بطاقة الاقتراع.

وتوقع سونكو أن يُمنع من الترشح بسبب إدانته، وقد رفض المجلس الدستوري بعد ذلك طلبه للترشح على أساس أنه "غير مكتمل". وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإعادة اسمه إلى صناديق الاقتراع، توصل زعماء باستيف إلى استنتاج مفاده أنه من غير المرجح أن يُسمح له بالترشح.

وقد أوضح هذا الإدراك أن اختيار فاي، الذي لم يُقدم للمحاكمة فعليًا، كان خيارًا أكثر أمانًا - على الرغم من أنه يعني أنّ سونكو، الرئيس الصوري للحزب، سيحتل المقعد الخلفي.

ولعبت جماعات المجتمع المدني والصحفيون دوراً هاماً، حيث واصلوا الإبلاغ عن القمع الحكومي وانتهاكات حقوق الإنسان، على الرغم من تعرضهم للاعتداء والاعتقال وإطلاق الغاز المسيل للدموع.

ومن خلال عملهم، تأكدوا من أن المواطنين السنغاليين وبقية العالم يعرفون ما يحدث في بلادهم، مما زاد الضغط على الرئيس سال للتراجع.

وفي النهاية، أدت هذه الجهود، وثقل التقاليد الديمقراطية في السنغال، إلى قيام سال بإطلاق سراح فاي وسونكو من السجن في نهاية المطاف - وإن كان ذلك كجزء من صفقة عفو أوسع يقول النقاد إنها مصممة بالفعل لمنح الحصانة لقادة الحكومة، لما ارتكبوه من انتهاكات خلال فترة الاضطرابات السياسية.

أنصار مرشح المعارضة للرئاسة
عمت الاحتفالات شوارع السنغال عندما فاز فاي، ولكن كانت التوقعات مرتفعة بشأن التغييرات التي يمكن أن يُجريها

ولم يكن من الممكن أن يأتي انتصار فاي في وقت أفضل بالنسبة لسياسيي المعارضة في جميع أنحاء القارة.

ففي نفس عطلة نهاية الأسبوع التي جرت فيها الانتخابات، التقت شخصيات معارضة بارزة من دول مثل أنغولا وأوغندا وزيمبابوي في كيب تاون لمناقشة "المد المتصاعد من الاستبداد والديكتاتوريات العسكرية والديمقراطيات الجوفاء حيث يتم إساءة استخدام الانتخابات للحفاظ على السلطة".

ووسط الإحباط المتزايد إزاء الاستراتيجيات العنيفة المتزايدة المستخدمة لقمع الأصوات الناقدة، تم الاحتفاء بأخبار التحول الديمقراطي في السنغال، مما رفع الروح المعنوية وأعاد التأكيد على أهمية استراتيجيات المقاومة اللاعنفية.

وكما قال الدكتور بيسيجي، فإن الأحداث في السنغال كانت بمثابة تذكير مهم بأن التحولات الديمقراطية تفيد البلد بأكمله، في حين أن الانقلابات "لا تؤدي إلاّ إلى إعادة خلق شكل جديد من القيادة الاستبدادية".

لكنّ هذا لا يعني أنه سيكون من السهل تكرار التجربة السنغالية في بلدان أخرى.

وفي ظل تاريخ حافل بالسياسات الأكثر ليبرالية وتنافسية، بما في ذلك التحول الديمقراطي للسلطة والمؤسسة العسكرية التي تجنبت التدخل في السياسة، فلا يزال من الممكن تأمين السلطة عن طريق صناديق الاقتراع في السنغال.

وفي دول مثل أوغندا وزيمبابوي، يكون هذا الأمر أكثر صعوبة لأن اللجان الانتخابية أقل استقلالية، والسلطة القضائية أكثر عرضة للخطر، وقوات الأمن أكثر قمعاً.

التحدي الذي يواجه الرئيس الجديد

إنّ إرث صعود فاي غير المتوقع إلى السلطة سوف يعتمد أيضاً على ما سيفعله قادة باستيف من الآن فصاعداً.

من السهل أن ننسى أنه عندما وصل الرئيس سال إلى السلطة في عام 2012، تم الإعلان عن فوزه باعتباره انتصاراً ديمقراطياً.

ولكن من خلال انحرافه عن المبادئ والوعود التي دفعت الناس إلى دعمه، ضمن الرئيس المنتهية ولايته أنه سيُذكر الآن كزعيم آخر أفسدته السلطة.

ولتجنب هذا المصير، يحتاج كلاً من فاي وسونكو إلى التركيز على إعادة بناء بلادهم وإعادة توحيدها.

ولن يحدث هذا إلا إذا تجنبوا الانشغال بالمنافع الشخصية المترتبة على وجودهم في السلطة، وزعزعة استقرار الحكومة من خلال التنافس فيما بينهم على السيطرة الشاملة.

إن الشيء الأكثر فعالية الذي تستطيع أحزاب المعارضة القيام به لتعزيز الديمقراطية هو الحكم الشامل وإثبات أن احترام الحقوق السياسية والحريات المدنية هو أفضل وسيلة لضمان التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي.

ليونارد مبول-نزيغي هو باحث دكتوراه في جامعة كيب تاون ومستشار أول في كونشيرتو؛ نيك تشيزمان هو مدير مركز الانتخابات والديمقراطية والمساءلة والتمثيل في جامعة برمنغهام.