إيلاف من الرباط: يضع المغرب دول الاتحاد الأوروبي في مرحلة ترقب حذرة بخصوص طلب تجديد اتفاقية الصيد البحري، إذ كشفت مصادر حكومية لـ “إيلاف” أن الاجتماع الأخير للجنة العليا المغربية-الإسبانية في مدريد ناقش مستقبل الشراكة البحرية بين الرباط والاتحاد الأوروبي في ضوء التحولات الاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها المملكة.

وتشير المصادر ذاتها إلى أن "مغرب اليوم، ليس هو مغرب الأمس. وأن المملكة أصبحت تملك رؤية واضحة لتدبير ملف الصيد البحري، ضمن سياق دولي واقتصادي مضطرب يفرض إعادة تقييم طبيعة الشراكات وجدواها وطرق هيكلتها".

وفي هذا الإطار شدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام أوروبية الأحد، على أن أي نقاش حول الصيد البحري ينبغي أن ينطلق من الثوابت الوطنية، وفي مقدمتها السيادة المغربية على أراضيه ومياهه الإقليمية، باعتبارها أساساً غير قابل لأي تنازل أو تفاوض.

وأكد بوريطة أن المغرب يعتمد استراتيجية وطنية مستقلة لتطوير قطاع الصيد البحري، تشكل فيها اليابان وروسيا وشركاء آخرون ركائز مهمة، موضحا أن المملكة "لم يسبق لها أن أعلنت أنها تريد اتفاقا للصيد البحري"، وذلك ردا على المقترح الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية لفتح مفاوضات جديدة.

وكان مفوض الاتحاد الأوروبي المكلف الصيد البحري، كوستاس كاديس، قد أعلن أن المفوضية صادقت على طلب إطلاق مفاوضات مع المغرب بشأن اتفاق جديد، غير أن الرباط لم تقدّم جوابها بعد،حسب بوريطة، لأن "الملف يحتاج إلى دراسة دقيقة في إطار تقييم شامل لطبيعة العلاقة البحرية بين الطرفين".

وحذّر الوزير بوريطة من أن الاتفاقات السابقة، المبنية على السماح بالصيد في المياه المغربية مقابل تمويل أوروبي، لم تعد تعكس واقع المغرب اليوم ولا تتلاءم مع طبيعة الشراكة التي تسعى إليها الرباط، وأضاف إن "المملكة المغربية تتجه نحو صيغ تقوم على الاستثمار والقيمة المضافة بدل منطق الموارد مقابل التعويض المالي".

وشدّد بوريطة على أن أي اتفاق جديد يجب أن يحترم الوحدة الترابية للمملكة، بما يشمل مياه الأقاليم الجنوبية، التي تعد جزءا لا يتجزأ من المجال البحري المغربي، ولا يمكن التفاوض بشأنها خارج هذا الإطار القانوني والسيادي الواضح.

وأوضح أن تقييم المغرب لأي اتفاق مستقبلي سيعتمد على ثلاثة محاور رئيسية وهي: تحديد طبيعة الشراكة، بما يضمن قيمة اقتصادية مضافة للمغرب. وانسجام الاتفاق مع استراتيجية "أليوتيس" الوطنية لتطوير قطاع الصيد، والالتزام بالدراسات العلمية والبيولوجية لضمان استدامة الثروة السمكية.
كما أكد بوريطة أن المغرب سيواصل التشاور مع إسبانيا في هذا الملف بالنظر إلى كونها شريك وجار وحليف داخل الاتحاد الأوروبي، ما يعكس الوزن المركزي لمدريد في هندسة أي صيغة جديدة للتعاون البحري.
وتبرز تصريحات بوريطة تحولا استراتيجيا واضحا في مقاربة الرباط لملف الصيد البحري، يقوم على تثبيت السيادة الوطنية، وإعادة تعريف الشراكات وفق معايير اقتصادية متقدمة، وتوسيع شبكة التعاون الدولي، وتحصين الموارد البحرية، واعتماد رؤية وطنية مستقلة عن أي إملاءات خارجية.
كما تحمل هذه الرسائل إشارة صريحة لبروكسل بأن مستقبل الشراكة البحرية لن يكون إلا وفق شروط مغربية خالصة تعكس قوة الدولة ورؤية المغرب الجديدة لمصالحه البحرية والاقتصادية.