إعداد: محمد هاني عطوي


تخيل انك اضطررت فجأة للعيش من دون كهرباء لمدة يوم واحد فماذا ستفعل؟ لا شك أنك سوف تتدبر أمرك بانتظار عودة التيار الكهربي، ولكن ماذا لو استمر انقطاع التيار الكهربي، ففي هذه الحالة سوف تضطر للعيش بطريقة أشبه بتلك التي عاشها الإنسان في العصور القديمة من دون كهرباء معتمداً فقط على المواد الأولية إذ لا يمكنك تشغيل التلفزيون أو الراديو أو الكمبيوتر أو التلفون أو حتى جهاز التدفئة أو مكواة الملابس أو الآلة الحاسبة أو الثلاجة أو الغسالة وحتى السيارة ووسائل النقل الحديثة. إن هذا الوضع هو الذي تحدثه القنبلة الكهرومغناطيسية التي يؤدي تفجيرها إلى تعطيل وإفساد كافة الدوائر الإلكترونية في جميع الأجهزة الكهربية التي تعمل من خلال الدوائر الكهربية المكونة من أشباه الموصلات. واستخدام هذه القنابل في المعارك الحربية تسهل محاصرة العدو وهزيمته بسهولة لا سيما إذا اعتمد الخصم في معركته على الأسلحة التقليدية. فما هي هذه القنبلة التي هددت الولايات المتحدة باستخدامها في عدوانها على العراق.

تعتمد فكرة عمل القنبلة الكهرومغناطيسية أو سلاح النبضة الكهرومعناطيسية على دوائر كهربية تؤدي إلى إنتاج مجال كهرومغناطيسي كبير.
والمجال الكهرومعناطيسي ليس بالشيء الجديد فالشعاع الكهرومغناطيسي هو أشعة الراديو التي تبث عليها المحطات ترددات مثل ال AM وال FM وهي كذلك أشعة إكس واشعة الضوء العادي الذي نرى بواسطته الأشياء.

ومن المعلوم ان التيار الكهربي المتردد ينتج مجالاً مغناطيسياً، وتغير المجال المغناطيسي ينتج تياراً كهربياً متردداً أيضا، وكما يعمل مرسل إشارات الراديو الذي يولد مجالاً مغناطيسياً من خلال مرور تيار كهربي في الدائرة الكهربية فإن هذا المجال المغناطيسي ينتج تياراً متردداً في دائرة كهربية أخرى وهي دائرة الاستقبال من خلال الهوائي. والمعروف أيضا أن إشارة الراديو الضعيفة، تنتج تياراً كهربياً كافياً ليمر في الدائرة الكهربية للمستقبل، ولكن الزيادة الهائلة في شدة أشعة الراديو ستؤدي إلى توليد تيار كهربي كبير. ومن الممكن لهذا التيار الكهربي القوي أن يتداخل مع دوائر الأجهزة الإلكترونية ويحرق الدوائر الإلكترونية المتكاملة المبنية من مواد أشباه الموصلات.

ويؤدي التقاط إشارات الراديو ذات الشدة العالية إلى توليد مجال مغناطيسي كبير يؤدي بدوره إلى توليد تيار كهربي في أي جسم موصل للكهرباء فمثلاً خطوط التلفون وخطوط نقل الكهرباء والأنابيب المعدنية كلها تعمل مثل الهوائي فهي تلتقط هذه التيارات الكهربية على شكل نبضات كهربية عالية الشدة وتنقلها إلى الأجهزة المتصلة بها مثل شبكات الكمبيوتر المتصلة بخطوط الهاتف الأمر الذي يؤدي إلى حرق مكوناتها الإلكترونية وتذويب الأسلاك وإفساد البطاريات وحرق المولدات الكهربية.

ولكن كيف يمكن إنتاج مثل هذه المجالات المغناطيسية العالية؟

الواقع أن فكرة القنبلة الكهرومغناطيسية شاعت كثيراً في الأخبار في الفترة السابقة، ولكن قصتها الحقيقية بدأت عندما لاحظ العسكريون والعلماء أن ذبذبات الموجات القصيرة تؤثر في عمل الأجهزة الإلكترونية وتعطلها، وهو أمر يمكن أن نلاحظه في بيوتنا، إذ إن وجود جهاز هاتف محمول بقرب جهاز تلفزيون يمكن أن يعطل عمل جهاز التحكّم في التلفزيون، وهو المبدأ نفسه الذي حدث في عام 1958م، ففي تلك السنة أُجريت تجربة للقنبلة الهيدروجينية فوق المحيط الهادي أدّت إلى تفجيرات في إشعاعات غاما، والتي ما إن اصطدمت بالأوكسجين والنتروجين في الجو حتى أطلقت إلكترونيات انتشرت لمئات الأميال، وكانت النتيجة المباشرة لذلك، أن انطفأت الأنوار في جميع شوارع هاواي وتعطّلت الاتصالات البحرية، وصولاً إلى استراليا لمدة 18 ساعة، ومنذ ذلك التاريخ ظهرت فكرة السلاح الكهرومغناطيسي.

وقد استنتج العلماء أن الاضطراب الكهربي الذي حدث قد نتج عن ظاهرة فيزيائية تسمى تأثير كمبتون Compton Effect والتي اكتشفها العالم آرثر كمبتون في 1925 وتدرس هذه الظاهرة تفاعل الفوتون الضوئي مع إلكترونات المادة، فعندما يصطدم فوتون كهرومغناطيسي ذو طاقة عالية مثل أشعة جاما مع الغلاف الجوي المكون من الأكسجين والنيتروجين، يؤدي ذلك إلى تحرر إلكترونات من ذرات الأكسجين والنيتروجين، وتتفاعل هذه الإلكترونات المحررة مع المجال المغناطيسي للكرة الأرضية الأمر الذي ينتج عنه تيار كهربي متردد يولد بدوره مجالاً مغناطيسياً قويا وتكون النتيجة إنتاج نبضة كهرومغناطيسية شديدة تنتشر في المواد الموصلة على مساحة واسعة.
وقد خشيت الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي أن تقوم روسيا بتفجير قنبلة نووية على ارتفاع شاهق يصل إلى 50 كيلومتراً في سماء الولايات المتحدة وتحدث الأثر السابق نفسه، الأمر الذي من شأنه تعطيل وإفساد كل الأجهزة الكهربية في الولايات المتحدة، لكن هذه المخاوف ما لبثت أن تبددت بعد ما تبين من خلال الأبحاث التي قام بها علماء أمريكيون، أن تأثير هذه القنبلة عملياً يكون فقط على مناطق محددة.


تشبه فرن الميكروويف

تعد فكرة عمل القنبلة الكهرومغناطيسية من الأسرار الحربية ولم يتم الكشف عنها بالتفصيل ولكن من المحتمل حسب آراء الباحثين، أن تكون فكرة عمل هذه القنابل أشبه بفكرة عمل فرن الميكروويف ذي الطاقة العالية جداً وأشعته الموجهة بشكل محدد. وعليه فإن الأمر لا يقصد به قنابل كهرومغناطيسية بالمعنى المعروف للقنبلة ولكن بالأحرى أجهزة تولد أشعة كهرومغناطيسية بطاقة عالية جداً وهذه الأجهزة التي تنتج النبضات الكهرومغناطيسية تكون مثبتة على رؤوس صواريخ كروز تطلق على الأهداف من الجو.
وفي سبتمبر/ أيلول 2001 نشرت إحدى المجلات العلمية المعروفة Popular Machine مقالاً حول إنتاج قنبلة ضغط الفيض المغناطيسي flux compression generator bombs وهذه المقالة كتبها المحلل العسكري Carlo Kopp وهي متوفرة للجميع ولكن لا يمكن التعويل على هذه المعلومات لإنتاج تلك القنبلة بل هناك العديد من الأسرار التي لم تكشف بعد. ووفقا لذلك المقال، تتكون القنبلة من أسطوانة معدنية armature cylinder محاطة بملف موصل stator winding. وتملأ الاسطوانة بمواد شديدة الانفجار ويكون بين الأسطوانة والملف فراغ، ويغطي كلاً من الاسطوانة والملف جدار عازل. ويوصل الملف بمصدر تغذية كهربية بواسطة مفتاح كهربي ويتكون مصدر التغذية الكهربية من عدد من المكثفات التي تخزن الطاقة الكهربية.


مراحل تفجير القنبلة الكهرومغناطيسية

عندما يتم إغلاق الدائرة الكهربية بين المكثفات والملف تمر نبضة كهربية عالية تعمل على توليد مجال مغناطيسي عالٍ داخل الملف stator winding. على إثر ذلك يتم إشعال المواد شديدة الانفجار من خلال دائرة تفريغ كهربي تعمل على انتشار الانفجار كموجة تنتشر داخل الملف stator winding وداخل الاسطوانة.
وعند انتشار الانفجار داخل الملف يصبح الملف متصلاً مع الاسطوانة التي كانت معزولة وتصبح الاسطوانة والملف دائرة مغلقة تعمل على فصل الملف عن المكثفات الكهربية. تعمل الدائرة المعلقة التي تنتشر في اتجاه الانفجار داخل الاسطوانة على توجيه المجال المغناطيسي وتحديده لتنتج نبضة مغناطيسية.

آثار التفجير

لا تعد القنبلة الكهرومغناطيسية من أسلحة الدمار الشامل فهي لا تؤثر في الحياة البشرية اذا لم توجه بشكل مباشر على أهداف محددة ولكن تؤثر في الأجهزة وتجعل الخصم المزود بأسلحة تقليدية أو أجهزة التكنولوجية الحديثة عاجزا تماما ! ويتركز خطرها وفقا لشدة النبضة الكهرومغناطيسية، فإذا كانت شدة النبضة منخفضة، فإنها تعطل الأجهزة الإلكترونية بشكل مؤقت، أما إذا ارتفعت شدة هذه النبضة الكهرومغناطيسية فإنها تدمر كل البيانات المخزنة في الكمبيوترات، وإذا ما بلغت النبضة شدة عالية فإنها تفسد الأجهزة الإلكترونية وتعطلها بصورة دائمة.
وفي المعارك الحربية تعمل هذه القنبلة على تعطيل المركبات الحربية وقاذفات الصواريخ الأرضية وأنظمة الاتصالات وأنظمة التوجيه والتحكم وأجهزة الرصد والتتبع.
وتقوم القوات الامريكية باستخدام هذه القنابل في عدوانها لصعوبة الوصول إلى المواقع المخفية تحت الأرض بالصواريخ العادية. وتنتج هذه القنابل نبضات كهرومغناطيسية قادرة على اختراق سطح الأرض لتصل إلى كافة الأجهزة حتى الأبواب الكهربية وتفسد عملها.


تسميات عدة والقنبلة واحدة

يطلق البعض عليها القنبلة الإلكترونية (E-bomb) وهي التسمية المستخدمة لعدة مصطلحات تصبّ في المعنى نفسه، مثل: القنبلة الخفيّة، والقنبلة القذرة، وقنبلة الفقراء، والمعنى في النهاية هو ldquo;القنبلة الكهرومغناطيسيةrdquo;، والتي يُقال إنها لم تستخدم بعد في أرض أية معركة، ولكن لا أحد يستطيع الجزم بذلك، لأنها قنبلة تعمل من دون صوت، ولا دخان، ولا رائحة، ولا تخلف أي أثر من الآثار التي تنجم عن أنواع القنابل الأخرى، وهي لم تعد من ضروب الخيال العلمي، بل صارت حقيقة، حتى إن الولايات المتحدة الأمريكية تملك قنابل من هذا النوع مركبة على صواريخ وعلى طائرات بطيار ومن دون طيار. وتجري فرنسا تجارب حول هذه القنابل بمساعدة المختبرات الجامعية (ليموج- ليل)، ومعاهد الهندسة، ولكنها لم تقر بعد برامج التصنيع والتطوير عليها.. وفي أغسطس/ آب 2002م لمح وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) بإمكانية استخدام القنابل e-bomb في الحرب على العراق، علماً بأن القيادة الأمريكية لم تخف وجود ميزانية خاصة لتطوير القنابل الكهرومغناطيسية، ولكن من دون ذكر أي تفاصيل. وفي عام 1996م قامت القوات الجوية الأمريكية بإجراء تجربة حيّة في كاليفورنيا باستخدام قنبلة كهرومغناطيسية ضد حوّامة متطورة، فتم تعطيل معظم الأجهزة الإلكترونية والكهربائية في الحوّامة.
وهكذا يقف العالم على عتبات ظهور سلاح جديد يتمثّل في القنبلة الكهرومغناطيسية، أو القنبلة الإلكترونية بحسب تسمية آخرين لها.


لا تقتل.. ولكن!

أما السيناريو الذي يمكن تخيله في حال استخدام مثل هذا السلاح، فيبدأ على هيئة صوت انفجار يشبه صوت الرعد، وخلال سرعة قياسية جداً يعم الظلام في المنطقة المستهدفة، حيث تنطفئ كل الأجهزة والأدوات الكهربائية والإلكترونية وتتعطّل الكمبيوترات وتختفي كل المعلومات المخزنة فيها، وتتوقف الخطوط الهاتفية، والأجهزة الخليوية تتجمّد وتفرغ بطارياتها، وبالتالي لا محركات تعمل، ولا سيارات تسير، ولا محطات للطاقة، ولا مولدات للكهرباء، ولا مصانع، ولا مستشفيات، ويمتلئ الجو برائحة حريق البلاستيك من ذوبان كابلات الكهرباء وأسلاك الهاتف.
ويحدث الأمر نفسه إذا ما أُلقيت القنبلة الكهرومغناطيسية على منطقة عسكرية، إذ تتوقف في السرعة القياسية ذاتها، الرادارات والكمبيوترات التي تتحكم بالأسلحة، وتتحوّل كل أنواع الأسلحة إلى مجرد هياكل وخردة، لأنها غير قادرة على العمل، وبالتالي تصبح المنطقة العسكرية بكل محتوياتها هدفاً أقل من سهل يمكن تدميره وبسهولة غير مسبوقة. ويحدث ذلك لأن القنبلة الكهرومغناطيسية عبارة عن رأس حربي من شحنات إلكترومغناطيسية عالية جداً، ترسل عندما تنفجر زخات من الطاقة الكهربائية، قوتها مليار واط في أجزاء من الثانية، فتعطل كل ما يعمل في مدى مئات الأميال. ويحمل هذه القنبلة صاروخ كروز، أو قذيفة مدفع من عيار 155 ملم، أو قاذفة صواريخ، وعندما تبلغ هدفها يتفكك غلافها ليحدث الانفجار الإلكترومغناطيسي وترسل شحنات عالية من الطاقة بالمكرويف، وفوراً تتحول كل تيارات الطاقة والهوائيات والمحركات إلى لاقطات لإشعاعات من هذه الطاقة، ويمكن ضبط مجال القنبلة من عدة عشرات الأمتار إلى دائرة قطرها كيلومتران.
ضمن هذه المعطيات نستطيع القول إن القنبلة الكهرومغناطيسية تختلف عن القنبلة التقليدية بأن قوة الدفع فيها تعتمد على موجات تنطلق من خلال مولد حراري أو ضوئي، وليس على تفاعل كيميائي نتيجة احتراق البارود، وبينما تصل أقصى سرعة للقذيفة العادية 30 ألف كم-ث، فإن سرعة الموجة تصل إلى (300) ألف كم-ث، أي سرعة الضوء.


مكونات القنبلة الكهرومغناطيسية

يقول الباحثون إن مكونات هذه القنبلة بسيطة من الناحيتين التقنية والعلمية، بحيث يمكن إنتاج شكل مبسّط منها من قِبَل أي معمل صغير للأسلحة، وتتألّف هذه المكونات كما يلي: 1- مولّدات ضاغطة للمجال عن طريق ضخ المتفجرات Generators Explosively Pumped Compression، وهي مولدات تستطيع إنتاج طاقة كهربائية تقدر بعشرات الملايين من (الجول) خلال زمن يتراوح بين عشرات ومئات الميكروثانية في حزمة مدمجة، وينتج عن ذلك أن تصل القيمة القصوى للقدرة إلى عشرات التيرواط (التيرواط يساوي 12810 واط)، وتتراوح شدة التيار الناتج عن هذه المولّدات (100) ضعف التيار الناتج عن البرق أو الصاعقة. وتتركز الفكرة الأساسية في هذه التقنية على استخدام متفجرات تقوم بضغط المجال المغناطيسي، ويتم إنشاء المجال المغناطيسي المبدئي قبل بداية تشغيل المتفجرات بواسطة تيار البدء، الذي يمكن الحصول عليه من مصدر خارجي، مثل: مجموعة مكثّفات جهد عالي، أو مولّد مغنطة ديناميكية، أو أي جهاز قادر على إنتاج نبضة تيار في حدود ملايين من الأمبيرات. ويبدأ الجهاز عمله بإشعال المتفجرات عندما يصل تيار البدء إلى أعلى قيمة له، ومن ثم ينتشر التفجير عبر المتفجرات الموجودة في حافظة تتحول إلى شكل مخروطي، مما يؤدي إلى ضغط المجال المغناطيسي المتولد، والنتيجة تكون نبضة كهربائية تصل إلى قيمتها القصوى قبل تدمير الجهاز.

2- مولّد المغنطة الديناميكية الهيدروليكية ذات الدفع من المتفجرات Explosive and prepellant driven MHD Generators، ولا يزال تصميم هذه المولدات في مراحل بدائية والأبحاث العسكرية التطويرية تدور حول تطوير هذه المولدات، والفكرة الأساسية في عمل هذه المولدات تتلخص في أنه عند تحرّك موصل معدني في مجال مغناطيسي تتولّد قوة دافعة كهربائية، وبالتالي تيار في اتجاه عمودي على اتجاه الحركة وعلى اتجاه المجال المغناطيسي، وفي هذا النوع يكون الموصل المعدني هو البلازما، أي الحالة الرابعة للمادة الناتجة عن اللهب المتأين للمتفجرات أوغاز الوقود النفّاث، والتي تنتشر عبر تيار المجال المغناطيسي الذي سيتم تجميعه بواسطة أقطاب كهربائية تلامس نفاث البلازما.


عوائق كثيرة

تلك هي طريقة القنبلة الكهرومغناطيسية، وهي كما نرى مكونات بسيطة، ومع ذلك، ثمة عوائق كثيرة مازالت قائمة أمام تصنيعها بشكل تام، منها أن المولدات الضاغطة للمجال لها فاعلية تقنية في توليد نبضات كهربائية عالية القدرة، ولكنها بطبيعة تكوينها لا تستطيع أن تنتج هذه النبضات بترددات أكبر من (1) ميكا سيكل-ث، وهي ترددات منخفضة مهما كانت شدتها، ومن ثم فإنها لا تتيح مهاجمة الأهداف التي تتطلب ترددات أعلى من ذلك، وهذه المشكلة يتم العمل على التخلص منها بواسطة تقنيات الميكرويف ذات القدرة العالية hpn وذلك من خلال مولّدات خاصة يتم العمل على تصنيعها في الوقت الراهن، منها المولد ldquo;مذبذب المهبط التخيليrdquo; (Vercator)، حيث تهدف الأبحاث إلى إكساب هذا المولد شعاعاً إلكترونياً ذي تيار عالٍ وبعجلة تسارعية في الحركة من خلال شبكة مصدر، وعند مرور عدد كبير من الإلكترونات لهذا المعبر تتكون خلفه فقّاعة من الشحنات بتردد متناه القصر ldquo;ميكرويفrdquo;، فإذا ما تم وضع هذه الفقاعات من الشحنات في فجوة رنين يتم توليفها بعناية، يمكن استخراج طاقة الميكرويف من هذه القيمة من خلال فجوة الرنين، ونظراً لأن تردد الذبذبة يعتمد كلياً على مدلولات وقيم الشعاع الإلكتروني، فإنه يمكن توليف هذا الجهاز Vercator على تردّد، معين بحيث تساعد فجوة الرنين على تقوية الشكل المناسب للموجة.


المشكلة الكبرى

المعوّق الرئيس لاستخدام القنبلة الكهرومغناطيسية حتى الآن هو احتمال تعرض المهاجمين أنفسهم للضرر إذا كانوا بالقرب من مكان الهجوم، وتعرف هذه الظاهرة في المصطلحات العسكرية ب (السلاح ذي الحدين)، فبسبب القِصَر الشديد لموجات القنابل الكهرومغناطيسية فمن الصعب جداً توفير الحماية ضدها، وخصوصاً أنها تستطيع المرور من أضيق فجوة، كما أن الأثر السريع جداً لهذه القنبلة لا يتيح للطائرة التي تلقيها فرصة الابتعاد عن تأثيرها بعد انفجارها، فالتأثير يحدث بعد الانفجار خلال جزء من الثانية، وسرعة وصوله للطائرة التي رمته أسرع من سرعة الطائرة نفسها مهما كانت سرعتها، وبالتالي لن تستطيع الطائرة الابتعاد.

إنها أكبر مشكلة تواجهها مسألة استخدام القنبلة الكهرومغناطيسية، ولذلك لا يمكن التفكير باستعمالها جدياً إلاّ بعد تأمين وسائل وقاية ودفاع ضدها تؤمن الحماية من الإشعاع الكهرومغناطيسي. وهناك الآن فكرة أساسية تشكل محور الأبحاث في هذا المجال، وهي مأخوذة من مبدأ حماية الطائرات المدنية من الصواعق والبرق، وأحد هذه الأبحاث تدور حول تدريع المعدات، وذلك بإحاطة المكوّنات الحساسة في رباط من مادة موصلة (كمعدن) تؤدي إلى تفريغ المجالات الكهربية والمغناطيسية من شحنتها، وثمة فكرة أخرى تتمثل في استخدام هوائيات تمتص الطاقة بعيداً عن المكونات الحساسة وتفرغها في الأرض. وهذا يعني أنه يجب تدريع جميع الأسلحة، والمعدات، والأجهزة الإلكترونية، والحواسيب، والمحولات، والسيارات، والطائرات المدنية والعسكرية، والهواتف، والمولدات، والمحولات الكهربائية، والرادارات icirc; إلخ، بمواد موصلة، وهو ما يعني إعادة النظر في جميع الأسلحة، والمعدات، والأجهزة الحربية والمدنية الموجودة حالياً لحمايتها قدر الإمكان، أو استخدام أعداد كبيرة وغير محددة من الهوائيات الماصّة للطاقة، وهو أمر شبه مستحيل، بالإضافة إلى الكلفة الخيالية لهذا أو بعضه.


تكلفة بسيطة وقوانين ضعيفة

إن البساطة في تقنية القنبلة الكهرومغناطيسية ورِخَص تكاليفها التي تبلغ (400) دولار للقنبلة الواحدة يعني إمكانية حصول العصابات الإرهابية والإجرامية الصغيرة عليها، بل حتى امتلاكها من قِبَل الأفراد كسلاح فردي، وهو ما سيشكل ورقة رابحة ووسيلة ابتزاز بيد هذه العصابات والأفراد، وفي حال استعمالها من قِبَلهم فإن الكارثة ستكون كبيرة جداً على المنطقة التي استعملت فيها.
ولذا فإن القنبلة الكهرومغناطيسية تلغي بشكل نهائي عامل الردع في الحروب، إذ سيكون هناك طرف يمتلك القنابل الكهرومغناطيسية يستعمله ضد قوات طرف آخر، وبالتالي سيسعى الطرف الثاني إلى امتلاك القنابل نفسها واستعمالها، وهو ما سيجعل الطرفين لا يحسبان حساباً للخسائر البشرية والمادية التي تكون في النهاية عامل ردع للطرفين عن المضيّ في الحرب والبحث عن سبل سلمية للمصالحة ووقف الحرب.

وفي المدى القريب وربما لعقود عديدة ستمتلك الدول الكبيرة مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، القنابل الكهرومغناطيسية، وهو ما سينجم عنه أمران: الأول: سيادة هذه الدول على العالم باعتبارها قادرة على شلّ قوات أي دولة من الدول غير المتقدمة، والأمر الثاني: ظهور حرب باردة من نوع جديد، حيث ستتنافس هذه الدول بقوة حول تطوير هذه القنابل وامتلاك طرز متطورة جداً منها، وهنا يكمن الخطر الحقيقي؛ ففي القنابل الذرية والقنابل الأخرى التقليدية يمكن تحديد الجهة التي استعملت هذه القنبلة أو تلك، ولذلك ظهرت المعاهدات والاتفاقيات التي تحدّ أو تمنع استعمال هذه الأسلحة، أما في القنابل الكهرومغناطيسية فإنه لا يمكن تحديد الجهة التي استعملت القنبلة، كما لا يمكن ضبط عدد وحجم القنابل المسموح لكل دولة بامتلاكها، وبالتالي لا يمكن إخضاع هذه القنابل للقانون الدولي أو لاتفاقيات ومعاهدات دولية.

وكانت صحيفة اللوموند الفرنسية نشرت بتاريخ 12-6-2003م، بحثاً للبروفيسور (برنار فيريه) رئيس معمل تفاعلات الموجات مع المواد بجامعة ldquo;بوردوrdquo; نفى فيه مقولة إن القنبلة الكهرومغناطيسية لا تؤثر سلباً في البشر، بل أثبت بالبراهين العلمية الدقيقة بأن الأجزاء التي تركّز عليها الطاقة الكهرومغناطيسية في الجسم البشري هي المخ، والرقبة، والصدر، والغدد التناسلية، وتكفي جرعة من الإشعاع المستمر في إحداث ميول اكتئابية واضطرابات في الذاكرة وإصابات جلدية، ونزيف في العين، وأمراض سرطانية كثيرة، وهو ما يعني دخول البشر الذين كانوا ضمن محيط تأثير القنبلة الكهرومغناطيسية بسرعة إلى دوّامة مع سلسلة طويلة من الأمراض النفسية والجسدية المؤلمة، والتي تنتهي بهم إلى الموت المؤلم، أي أن تأثير القنبلة الكهرومغناطيسية على البشر يعادل تأثير اليورانيوم المنضّب إن لم يكن أقوى منه.

والخوف الأكبر الذي يبديه العلماء ينبع من قناعتهم بأن النجاح في إيجاد أجيال متطورة من القنبلة الكهرومغناطيسية سيؤدي إلى البدء بتطوير القنبلة الميكروية التي تعمل على مبدأ القنبلة الكهرومغناطيسية نفسه، ولكن الإشعاعات التي تطلقها تؤدي إلى قتل البشر هذه المرة ودون أن يعرف البشر من أين يأتيهم الموت، ومن هذا كله يرون أن القنبلة النووية والذرية وحتى الجرثومية أرحم بكثير من القنبلة الكهرومغناطيسية.

ولكن هل سيأخذون بالتحذيرات والأصوات المناهضة لهذه القنابل؟
الجواب بالتأكيد بالنفي، وعندها يعلم الله وحده أي مصير ينتظر العالم والبشرية.