عدنان حسين

لم يكن مثيرا للغاية ما حدث أول من أمس مع الرئيس الأميركي جورج بوش في بغداد أثناء مؤتمره الصحافي مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.. المثير والمدهش بحق، هو الاحتفال الصارخ الذي قوبل به الحدث من بعض وسائل الإعلام العربية التي أظهرت الحدث كما لو أن العرب قد انتقموا أخيرا لهزيمتهم الكبرى في يونيو (حزيران) 1967.

ما من مدينة في العالم تخلو من مشهد كهذا: نساء شعبيات، أميّات في الغالب، يتعايرن ويمسك بعضهن بخناق بعض، ويتنابزن بالألقاب.. ورجال، أميون أو متدنيو التعليم ومراهقون في الغالب، يتشاتمون ويتضاربون بالأعواد والكراسي والأحذية وربما بالسكاكين أيضا، وعادة ما يوصفون بأنهم laquo;بلطجيةraquo; أو laquo;شقاواتraquo; مثلما توصف شبيهاتهم من النساء بأنهن laquo;عايقاتraquo; أو laquo;ملسوناتraquo; أو laquo;شراشيحraquo;.

هؤلاء جميعا، رجالا ونساء، ممن يقومون بتصرفات مستهجنة، وترتفع أصواتهم بعبارات مقذعة، ليسوا محل تقدير أو احترام حتى في الأوساط الشعبية التي يعيشون بينها، لأنهم، وان كان البعض منهم على حق في خناقاتهم، يلجؤون إلى وسائل وأساليب متردية المستوى، غير مهذبة، وغير محترمة، وغير حضارية في التعبير عن أنفسهم وعن قضاياهم.

ما فعله الصحافي العراقي برمي فردتي حذائه على الرئيس الاميركي الذي كان واقفا للرد على أسئلة الصحافيين، يندرج في هذا الإطار في الواقع، فهذا الصحافي تصرّف على النحو الذي يتصرف به laquo;البلطجيةraquo; وlaquo;الشقاواتraquo; وlaquo;العايقاتraquo; وlaquo;الشراشيحraquo;.

معارضة السياسة الأميركية في العراق منذ 2003 واستنكارها والاحتجاج عليها يمكن التعبير عنها بالوسائل والأساليب الراقية المهذبة الحضارية لإضفاء طابع الرقي والتهذيب والتحضر على القضية ذاتها. وكثيرون فعلوا هذا ومازالوا، وهم يحظون بالتقدير والاحترام، حتى من مخالفيهم في الرأي، وتلقى أفكارهم ومواقفهم التفهم.

الصحافي العراقي حقق إثارة في عمله.. وكأي إثارة، فإن النسيان سيطويها من دون أي تأثير. كان في إمكان هذا الصحافي أن يسجل هدفا ذهبيا في مرمى الرئيس بوش بطرح أسئلة محرجة عليه من قبيل: كم من ألف عراقي قتلت القوات الأميركية من دون ذنب أو مبرر؟ كم من مئة سجين عراقي عُذّبوا وأهينت كراماتهم في السجون؟ ما صلة نظام الطائفية السياسية الذي مكّنت الولايات المتحدة من إقامته في العراق بالمشروع الأميركي لنشر الديمقراطية عبر العالم؟ أين ذهب وفي جيوب من دخلالمئة مليار دولار الذي أكد الكونغرس الاميركي اخيرا انه أهدر في العراق؟.. وثمة مئات الأسئلة من هذا النوع التي كانت ستترك تأثيرا قويا وعميقا بخلاف الصدى العابر لحادث إلقاء فردتي الحذاء.

لم يخطر هذا في بال الصحافي العراقي laquo;ابو الحذاءraquo; لأنه، فيما يبدو، ليس في مستوى أرفع من مستوى laquo;بلطجيةraquo; وlaquo;شقاواتraquo; و laquo;عايقاتraquo; وlaquo;شراشيحraquo; الأحياء الشعبية المهملة في مدن العالم، مثلما لم يخطر في بال الفضائيات والصحف التي احتفلت بحادث الحذاء وبطله أن تتساءل مع نفسها عما إذا كان العمل الصحافي، والإعلامي عموما، هو في هذا المستوى المتردي، وعما إذا كانت وظيفة الصحافي قد تغيرت من الضرب بالكلمة إلى الضرب بـlaquo;القنادرraquo;!..