عائشة المري
quot;لا إيران، ولا الشارقة ستتخلّى عن المطالبة بأبوموسى، ولن تعترف أي منهما بمطالب الأخرىquot;... تلك كانت مقدمة وثيقة الترتيبات الموقعة بين إمارة الشارقة وإيران في نوفمبر 1971، وبذلك تُعتبر أبوموسى جزيرة ذات سيادة مشتركة بين إيران والشارقة، جرى الاتفاق على وضعها عند توقيع وثائق استقلال دولة الإمارات، بحيث يتم بموجبها تقاسم البلدين عائدات نفطها، ويدخلها ويعمل فيها مواطنو البلدين، حيث تم الاتفاق على 6 بنود أساسية هي:
1- ستصل قوات إيرانية إلى quot;أبوموسىquot;، وتحتل مناطق ضمن الحدود المتفق عليها في الخريطة المرفقة بهذه المذكرة.
2-أ- تكون لإيران ضمن المناطق المتفق عليها والمحتلة من القوات الإيرانية صلاحيات كاملة، ويرفرف عليها العلم الإيراني.
2-ب- تمارس الشارقة صلاحيات كاملة على بقية أنحاء الجزيرة، ويظلّ علم الشارقة مرفوعاً باستمرار فوق مخفر شرطة الشارقة، على الأسس نفسها التي يُرفع بموجبها العلم الإيراني على الثكنة العسكرية الإيرانية.
3- تقر إيران والشارقة بامتداد المياه الإقليمية في الجزيرة إلى مسافة (12) ميلاً بحرياً.
4- تباشر شركة quot;باتس جاز أند أويل كومبنيquot; استغلال موارد بترولية لـquot;أبوموسىquot;، وقاع البحر، وما تحت قاع البحر في مياهها الإقليمية بموجب الاتفاقية القائمة، التي يجب أن تحظى بقبول إيران، وتدفع الشركة نصف العائدات النفطية الحكومية الناجمة عن هذه الاتفاقية، نتيجة الاستغلال المذكور مباشرة إلى إيران، وتدفع النصف الثاني إلى الشارقة.
5- يتمتع مواطنو إيران والشارقة بحقوق متساوية للصيد في المياه الإقليمية لـquot;أبوموسىquot;.
6- يتم توقيع اتفاقية مساعدة مالية بين إيران والشارقةquot;.
وقد استمرت تلك الترتيبات دون شكاوى علنية معروفة حتى قامت إيران في أبريل 1992 بطرد مجموعة من العمال الأجانب والمدرسين العرب من جزيرة أبوموسى، وكانت حجة إيران في طرد هؤلاء أنهم غير حاصلين على تأشيرات دخول إيرانية، وأنها تريد تنظيم أمور السيادة المزدوجة على الجزيرة، وأن الإيرانيين ومواطني الإمارات وحدهم لهم الحق في العيش هناك، ومن هنا بدأت دولة الإمارات في التحرك، فعلى المستوى الداخلي قرر المجلس الأعلى في اجتماعه بتاريخ 11 مايو 1992 اعتبار الاتفاقات المعقودة بين أية إمارة من الإمارات السبع، وبين الدول الأخرى هي اتفاقات بين اتحاد دولة الإمارات وهذه الدول. أي أن المجلس الأعلى اعتبر الاتفاق الذي سبق وأن أبرمته إمارة الشارقة عام 1971 مع إيران، اتفاقاً مع الدولة نفسها. وبدأت الإمارات حملة احتجاج عربية ودولية واسعة على السياسة الإيرانية، مطالبة بعودة سيادتها على الجزر الثلاث، وليس على نصف جزيرة أبوموسى وحدها. واعتبرت الإمارات أن الجزر الثلاث مغتصبة. لكن ولفرادة هذا الموضوع وخصوصيته الإماراتية-الإيرانية، لم تشأ دول الخليج أن يكون لها في بادئ الأمر رأي في هذه الأزمة. واستطاعت الإمارات الحصول على دعم خليجي وعربي صريح لما تعتبره حقها المشروع في السيادة على الجزر، كذلك تمكنت من الحصول على تأييد وتعاطف دوليين لموقفها الداعي إلى حل النزاع عبر محكمة العدل الدولية.
استمرت إيران طوال عقد التسعينيات في تعزيز مواقعها داخل جزيرة أبوموسى دون الالتفات للاحتجاجات الإماراتية المتتالية والمطالبة بعودة الترتيبات المتفق عليها، وتصاعد التوتر من جديد حول الجزيرة، حين أذاع التلفزيون الإيراني الرسمي خبر إنشاء مكتبين للإنقاذ البحري وتسجيل السفن، حيث استدعت وزارة الخارجية الإماراتية، يوم الخميس 14-8-2008، القائم بأعمال السفارة الإيرانية في أبوظبي، وسلمته احتجاجاً على القرار، وسارعت دول مجلس التعاون، وعلى لسان أمينها العام عبد الرحمن بن حمد العطية، بإدانة الخطوة الإيرانية، داعياً طهران إلى الاستجابة للمطالب الإماراتية لحل قضية الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى عن طريق المفاوضات المباشرة، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتسوية هذه المسألة. فيما طالب المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، طهران بإزالة الإنشاءات التي أقامتها على الجزيرة. من جهتها سارعت إيران وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية للتأكيد على أن جزيرة أبوموسى جزء لا يتجزأ من إيران، موضحاً أن سوء الفهم حول هذه الجزيرة، يمكن تسويته في إطار الحوار الثنائي ومذكرة تفاهم عام 1971.
كان هذا سرداً مختصراً لتطورات الأوضاع في جزيرة أبوموسى، لكن ما الجديد في التحركات أو التصريحات الإيرانية الأخيرة؟ ليس جديداً على إيران هذا التهور السياسي ولا التلاعب بالتصريحات بين تأكيد ونفي، ولكن الجديد ارتفاع نبرتها خاصة، وأنها تواجه تحديات كبرى تهدد وجود النظام الإيراني وأمنه القومي بسبب الإصرار الإيراني على المضي قدماً في تطوير برنامجها النووي وممارستها لسياسات خارجية متطرفة، فكان تصدير الأزمات خياراً استراتيجياً للنظام الإيراني وإشعال المخاوف الداخلية.
الموقف الإيراني الأخير- إضافة إلى التهديدات التي سبقته للأنظمة الخليجية وتهديدها الشهير بإغلاق مضيق هرمز- يجب أن يُؤخذ من قبل دولة الإمارات ومعها دول مجلس التعاون على محمل الجد، وألا تمر كغيرها من جعجعة إيرانية اعتادت طهران على تكرارها.
العمل على مواجهة تلك التصريحات، لا يعني إشعال نيران الحرب ضد إيران بقدر ما يعني الحذر والحذر الشديد من السياسات الإيرانية الرامية الى زعزعة مجتمعات الخليج من الداخل عن طريق: أولاً مراقبة الجاليات الإيرانية الوافدة والمقيمة. ثانياً تحديد نسبة للاستثمارات العقارية الإيرانية في المشاريع العقارية، خاصة أن معظم المستثمرين الجدد في هذه المشاريع في دول الخليج خاصة دولة الإمارات من الجنسية الإيرانية، فحفظ الأمن أولوية وطنية وخط أحمر، لا يمكن تجاوزه بأي حجج اقتصادية أو تجارية. ثالثاً الاستفادة من تجربة التدخل الإيراني في الشؤون العراقية عن طريق المؤسسات الإنسانية والخيرية الإيرانية، وحتى الثقافية، وهي وسائل تقليدية ومعروفة، لكن التنبيه والتشديد عليها مطلب شعبي قبل أن يكون سياسة رسمية للدولة.
الأطماع الإيرانية ليست جديدة على المنطقة، لكن سياسات المهادنة أثبتت فشلها واحتواء المشكلات السياسية لا يكون بالسكوت عنها، فهي إن لم تتفاقم لن تحل تلقائياً.