الرياض - سمر المقرن

في الوقت الذي ترفع فيه المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز، راية السلام والتعايش، وتعقد المؤتمرات والندوات بغية الوصول إلى فتح قنوات الحوار مع الأديان الأخرى، خرج رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية الشيخ صالح اللحيدان بفتوى تجيز قتل ملاك القنوات الفضائية العربية بوصفهم من المفسدين في الأرض.

قال فيها: laquo;إن من يدعون إلى الفتن إذا قدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاء. فالأمر خطير لأن الله جل وعلا لما ذكر قتل النفس قال: (أو فساد في الأرض)، فالإنسان يقتل بالنفس أو بالفساد في الأرض، وإفساد العقائد، وإفساد الأخلاق، والدعوة لذلك نوع من الفساد العريض في الأرضraquo;.

هذه الفتوى التي أعلنها اللحيدان الخميس الماضي الذي يصادف الذكرى السابعة لأحداث 11 سبتمبر (ايلول)، وذلك عبر برنامج نور على الدرب الذي بثته قناة القرآن الكريم السعودية على الهواء مباشرة، وقد اثارت ردود فعل واسعة على مختلف الشرائح الاجتماعية باعتبارها فتوى ضد التوجهات السعودية السلمية، كما أنها جاءت من رجل لا يُعتر عاديا فهو يُمثل السلطة الثالثة في الدولة.

laquo;أوانraquo; استطلعت آراء ورؤى نخبة من أصحاب الرأي في السعودية حول هذه الفتوى ونتائجها..

دعوة صريحة للقتل

وبنبرة متعجبة تساءل الدكتور والأديب تركي الحمد عن قيمة الإنسان، وقال: laquo;هل صار الإنسان بهذا الرخص؟ وهل صار الحكم بالقتل بهذه السهولة، وكأن المقتول دجاجة؟ إن من يُحرض على القتل فهو قاتلraquo;، وطالب الدكتور الحمد بتحجيم التيار الديني المتطرف، وأضاف: laquo;اللحيدان بعد أن فقد الكثير صار يتخبط يمينا وشمالا، وهذه ردة فعل نفسية، لأن الكرسي يهتز من تحتهraquo;. مطالبا بمحاكمته، وألا تقتصر العقوبة على إزالته من منصبه.

وعرج الدكتور الحمد على جهود المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، ودعوته للتعايش مع الآخر، مؤكدا أن اللحيدان ونظرا لانتمائه إلى المؤسسة الرسمية فهو ينسف كل هذه الجهود ويسيء إلى سمعتنا في الخارج بعد أن ألصقت بنا تهمة الإرهاب.

وأوضح الدكتور الحمد أن هذه الفضائيات هي التي أعطتهم فرصة الظهور، وأفردت لهم أوقات الذروة لعرض برامجهم فيما استخدموها وللأسف لنشر الكره والحقد على الملأ.

وعن قراءته لهذه الفتوى أكد أنها دعوة صريحة للقتل، وكأنه يقول للشباب المتحمسين والمغيبين اذهب واقتل وهذا من حقك، مبينا أن الفكر هو الأساس في العمل الإرهابي، وختم الحمد حديثه قائلا.. هذه الفتوى بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

باب الإرهاب

من جهته، أكد الكاتب خالد الغنامي على أن هذا المنطق من الشيخ اللحيدان ليس فيه أي تناقض، بل هذا ما يؤمن به حقا. وقال الغنامي: laquo;إن ما قاله الشيخ جاء في لحظة تجلٍ وصدق مع الذات ومع الناس، لكنه كارثة حقيقية بالنسبة للإنسان المعاصر الذي يؤمن بالسلم الاجتماعي، إذ إن هذا المنطق لا يتناسب أبداً مع كل الجهود التي يبذلها الناس في كل أنحاء الكوكب لتعزيز فكرة (السلام)، بل هو فتح باب عريض للإرهاب والقتلraquo;.

وأضاف الغنامي: laquo;حتى وإن قال الشيخ اللحيدان أنه لا يقصد أن يقوم أي شخص بتطبيق هذه الفتوى على مُلاك القنوات وإنما قصد أن يُطبق حد القتل من قِبل -ولي الأمر- وحده فهذا لن يفيد أمام الإرهابيين الذين سيعودون إليه قائلين (وإن لم يطبق ولي الأمر هذا الحكم، أنترك حدود الله تهدر؟ لا، نحن سنقوم بتطبيقها)، موضحا أن هذا النهج الذي ينهجه الشيخ اللحيدان هو نهج يعكس التيار الذي يقوده الملك عبدالله بدعوته للتسامح وحوار الأديان، وهذه مشكلة كبيرة تحتاج إلى حل جذري.

أزمة فهم الدين

ويؤكد الكاتب الصحافي والناشط الحقوقي الدكتور محمد عودة العنزي على سابقيه، من أن هذه الفتاوى تحرج المملكة، وتعكس انطباعا سيئا عن الإسلام وعن القضاء السعودي.

وأضاف: laquo;إن مثل هذه الفتاوى تزيد من الفكر التكفيري المتشدد وتفتح الباب إلى الفوضى والتخريب، إذ إنه فيما يبدو أن الإرهاب الفكري مازال يعشش بيننا وبكثرة، والكثير مازال يبحث عن الشرارة التي توقد النار فمن المفترض ألا يُعطوا الفرص والمبرراتraquo;.

وقال العنزي: laquo;إن المجتمع السعودي يمر بأزمة فهم للدين الإسلامي، وإن الخطاب الديني المحلي لا يريد أن يطور نفسه أو يتماشى مع متغيرات العصر، ونحن بحاجة إلى تغيير كبير للخطاب الديني، وفهم مختلف وجديد لمقاصد الشريعةraquo;.

المقربون من المشايخ

ووجه الكاتب نبيل المعجل اللوم للمقربين من الشيخ اللحيدان بقوله: laquo;إن مصدر هذه الفتاوى التي تخرج من عباءة الشيخ أساسها من المقربين الذي يصورون له أمورا غير واقعية وغير منطقية وناقصة، فتأتي الفتوى صارخة صادمة للجميع، وتضعه في موقف حرج وبالذات أن الناس أصبحت تستمع لمفتين من خارج البلاد، وتبدأ بالمقارنة بين ما يصدر هنا وهناكraquo;.

وأضاف المعجل: laquo;الشيخ اللحيدان له مجاله في العلم الشرعي وليس لديه الوقت والمقدرة لكبر سنه وصعوبة التقنيات الحديثة على استخدامها لمن هو في سنه لمتابعة التطورات التي تطرأ على المجتمعات ومن ضمنها المجتمع السعودي، وهذه أحسبها من مهمة المقربين منه، ولكنهم وللأسف لايقومون بها، ولا أدري إن كانوا مؤهلين أو لا يريدون ذلكraquo;.

ووجه المعجل حديثه للمقربين من المشايخ قائلا لهم: laquo;انتبهوا على شيوخنا ومكانتهم قبل أن يأتي يوم لا يجدون أحدا يستمع إليهمraquo;.

الفتوى حرية رأي

وهناك من يرى هذه الفتوى من منظور آخر، وعارضت الناشطة الاجتماعية سعاد الشمري كل ما قيل، ودافعت عن الشيخ اللحيدان، واعتبرت فتواه من ضمن حرية الرأي، وقالت: laquo;من معرفتي بالشيخ اللحيدان فهو إنسان عادل ووسطي، وحريص جدا على تصريحاته، خاصة أنه يشغل أعلى منصب قضائيraquo;. وبيّنت الشمري أنه ذكر عبارة (جاز قتلهم قضائيا) خلال سياق حديثه عن نشر الفتنة والفساد لبعض الفضائيات العربية.

وأضافت: laquo;هو تحدث عن الفتنة بشكل عام ولم يفتِ بجواز قتلهم، بل دعاهم للتعقل وحساب السلبيات، خاصة أنه قال (قضائيا) أي بعد محاكمة عادلة.

وذكرت الشمري أن رأي الشيخ واقعي، وقالت: laquo;هذا يدخل ضمن حرية الرأي التي ندعو لها، ولكن قصد إحداث بلبلة وفتنة متعمدة لها أهداف دنيئةraquo;.

فوضى فقهية

وطالب الباحث والمستشار القانوني الدكتور معن الجربا، بحل لهذه (الفوضى الفقهية) على حد قوله، واقترح حصر هذه الفتاوى في مجمع فقهي يضم علماء من كافة أقطار العالم الإسلامي، وتحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي، مؤكدا أن هذا من شأنه إيقاف ما اسماه بـlaquo;التسيب الفقهيraquo; بين هذا العالم أو ذاك الفقيه.

وقال الجربا: laquo;حرمة دم المسلم أعظم من هدم الكعبة المشرفة، والفتنة التي ستحدث من جراء هذا أشد من القتل، وفي الحقيقة أنا متفاجئ من هذه الفتوى، ومتفاجئ أنها تنسب إلى رجل عرف بالرصانة العلميةraquo;، متوقعا أن يكون في هذا الأمر لبس أو ربما فُهم بشكل خاطئ.