رندة تقي الدين

الاعصار الذي ضرب الساحة المالية الأميركية، مع افلاس مؤسسة laquo;ليمان براذرزraquo; المالية والمصاعب المرتقبة لمؤسسة التأمين العملاقة laquo;AIGraquo;، يحمل على استخلاص كل مستثمر أو متعامل في الاسواق المالية لدرس مفاده ان كل دولار يتم اقتراضه، يفرض على المستثمر معرفة كيفية تسديده.
فالولايات المتحدة عاشت حتى الآن بالدين، الذي فاق قدراتها، وثقافة الدين والاقتراض كانت سائدة في كل بيت.
والاقتراض كان يتم إما عبر بطاقات الاعتماد، أو شراء المنازل والسيارات وغيرها عبر الديون والقروض.
والإعصار الذي يجتاح المؤسسات المالية الأميركية يظهر أولاً ان مؤسسات ضخمة مثل laquo;ليمان براذرزraquo; ضخمت أصولها واسهمها.
وتردد في الأوساط المالية ان صناديق سيادية ومستثمرين كوريين عرضوا منذ حوالي شهرين على laquo;ليمانraquo; شراء أسهمها بسعر 25 دولاراً للسهم، لكنها رفضت على اساس ان سعر سهمها هو 40 دولاراً. وجاءت النتيجة بعد شهرين، إذ وصلت الى الإفلاس في حين انه كان بإمكانها انقاذ أوضاعها.
والنتيجة التي ستترتب على ما يحصل في الولايات المتحدة هي ارتفاع كلفة الاقتراض وتشديد شروط الحصول عليه.
فكارثة القروض العقارية لم تكن سوى الظاهرة الأولى لكل ما يحدث على الساحة المالية الأميركية. وهناك الآن مؤسسات تأمين مثل laquo;AIGraquo; التي تقدر قيمتها بأكثر من حوالي أربعة أضعاف قيمة laquo;ليمان براذرزraquo; ولجميع الشركات الأميركية علاقات مصرفية معها وهي تواجه صعوبات كبرى.
فالولايات المتحدة ضخت الكثير من الدولارات لإنقاذ عملاقي القروض العقارية laquo;فاني ميraquo; و laquo;تريدي ماكraquo; فاستلزم الأمر 200 بليون دولار لوضعها تحت وصايتها، ما يعني ان حرية السوق المقدسة لدى الأميركيين لم تكن فاعلة في مواجهة مثل هذه الكوارث.
والإعصار الذي اجتاح السوق المالية الأميركية قد يؤثر ايضاً على العالم، وهناك دروس ينبغي على بعض الدول الخليجية استخلاصها، خصوصاً في المجال العقاري.
فكبار المصرفيين في بعض هذه الدول قلقون جداً من المضاربات العقارية في بعض الدول الخليجية.
إضافة الى ذلك، هناك دول خليجية استثمرت في عدد من المصارف الأميركية الكبرى، والحذر مطلوب من قبل هذه الدول ومنها خصوصاً الكويت والإمارات وقطر التي لديها تقليد في مجال الاستثمار والتجارة بالأسهم في الأسواق الخارجية، وعلى رغم السيولة المتوافرة لدى هذه الدولة نتيجة عائدات النفط وأوضاعها الاقتصادية المنتعشة، فإن ما يحصل على الساحة الأميركية ينبغي أن يدق ناقوس الخطر على صعيد الاستثمارات والمضاربات.
أما أوروبا فإنها قد تعاني ايضاً ما يحدث في الولايات المتحدة، لأن الإعصار الذي اصاب laquo;وول ستريتraquo; سيؤدي إلى ركود حقيقي في الولايات المتحدة، نظراً إلى ضخ كل هذه الدولارات لإنقاذ مؤسسات مالية، لكنه سيؤثر سلباً في الاقتصاد الأوروبي المرتبط بالاقتصاد الأميركي.
فعلى رغم أن شروط الاقتراض في أوروبا أكثر تشدداً والمصارف في أوروبا أكثر حذراً من الولايات المتحدة، فإن أزمة الاقتراض العقاري انتقلت إلى بريطانيا. صحيح أن الأزمة في بريطانيا لم تكن بحجم الأزمة في الولايات المتحدة، لكنها خفضت سعر العقارات في بريطانيا. وكان وزير المال البريطاني صرح بأن بلاده تدخل في ركود لم تشهد مثله منذ 60 عاماً.
فالظروف العالمية صعبة واتجاه سعر صرف الدولار مجهول، على رغم أن المنطق يقول إنه عندما يكون هناك ركود فإن قيمة الدولار ستنخفض على المدى الطويل. لكنه سبق لليابان أن عاشت ركوداً وبقيت قيمة الين مرتفعة.
وضعف اقتصاد أوروبا قد يستمر في اضعاف قيمة اليورو، ما يرفع قيمة الدولار. لكن التوقعات في هذا الشأن مجرد تكهن على غرار التوقعات بالنسبة إلى ارتفاع أو هبوط اسعار النفط.