القاهرة - القدس العربي

فجر البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية مفاجأة كبيرة حيث أعلن تأييده التام لتولي جمال مبارك رئاسة مصر خلفا لوالده حسني مبارك الذي يتولى مقاليد الحكم للعام الثامن والعشرين على التوالي.وقد خرج شنودة والوهن على وجهه ينصح المعارضين لمبارك وابنه بأنه ليس في المكان أبدع مما كان وأن جمال هو الكفؤ لتولي مقاليد الأمور خلال المرحلة المقبلة ملقيا بعدد من الأسئلة على المواطنين الذين ينتمون لقوى المعارضة..هل هناك إسم آخر بوسعه أن يرأس مصر؟
وقد جدد البابا بيعته لجمال أمس في حلقة من برنامج 'مانشيت' على قناة أون تي في التي يمتلكها الملياردير القبطي نجيب ساويرس ويقدم البرنامج جابر القرموطي، وقال إن الديمقراطية تسمح لناس كثيرين أن يرشحوا أنفسهم، ولكن في مصر لا يمكن أن تكون الولاية العامة في غير يد الأغلبية، معلقا على ترشح قبطي لرئاسة الجمهورية، بأن هؤلاء الأقباط الذين يرشحون أنفسهم هل لهم الفوز في أن يكونوا مجرد نواب لدائرة، هذا أمر مستحيل.
وأضاف البابا أنه مؤيد لجمال مبارك عند ترشيحه للرئاسة وأنه لا يتراجع في رأيه، مهما كانت الأسباب أو أعتراض المعارضين. وقال المعركة ستكون بين جمال مبارك والمجهول لأنه بصراحة لا يوجد بديل سواه.
وصرح البابا بأن الخلافات مع محافظ الإسكندرية ومحافظ المنيا ما زالت قائمة، مؤكدا أن الأمور تتوقف على طبيعة القائم على الأمر ورغبته في الحل أو إرجاع الحل لإجراءات روتينية معقدة، مؤكدا أنه بإمكان المحافظ أن يحل كل شيء دون إجراءات.
وبالنسبة لعلاقته بشيخ الأزهر قال البابا إن علاقته مع فضيلة شيخ الأزهر هي علاقة مودة وحب، وأنه استقبل فضيلة الإمام الأكبر لتهنئته بالوصول، من المستحيل أن يكون بينهما خلاف، ولكن مسألة إلغاء الموائد ترجع لأسباب صحية فيجب تجنب الاجتماعات الكبيرة.
وأوضح البابا علاقته بالشيخ محمد متولي الشعراوي قائلا، إن الشيخ الشعراوي كان دائما يهاجم الكنائس في التليفزيون والإذاعات، وفي مرة مرض وسافر إلى إنكلترا لتلقي العلاج فأرسل له قداسة البابا أسقفا وكاهنا وبطاقة شخصية منه تدعو له بالشفاء، وعندما عاد الشيخ الشعراوي من الخارج قال له: أولادك في لندن طوقوا عنقي بجميل لا أنساه، وقدم البابا له هدية والشيخ الشعراوي وقدم للبابا هدية، ومن هنا بدأت بينهم علاقة مودة وصداقة.
وعن رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية قال البابا كانت رحلة رعوية وعلاجية ولم تتم مناقشة الأمور السياسية. وأضاف أن أقباط الخارج قدموا لي طلبات ومسائل خاصة بالكنائس في المهجر، وأنه أقام سمينار من الآباء الكهنة وكان هناك حوالى 198 كاهنا و14 أسقفا، ولكن إجمالي الآباء الكهنة في المهجر 256 كاهنا اللقاء، موضحا أن لم يكن السمينار سياسيا على الإطلاق بل كان لأمور رعوية فقط.
وكانت تصريحات البابا قد قوبلت باستياء بالغ بين المعارضين للكنيسة وعلى رأسهم العلمانيون الأقباط. وصرح جمال أسعد عبد الملاك عضو البرلمان السابق لـ'القدس العربي' ان البابا بمبايعته لجمال يفقد قدرا كبيرا من شعبيته في الشارع وذلك لأن المصريين يكرهون ذلك النظام الذي خرج من رحمه جمال لأنه جوعهم وأفقرهم.
جدير بالذكر أن الإسم الحقيقي للبابا شنودة هونظير جيد، وبدأ مشواره الكنسي خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة وطالبا بمدارس الأحد ثم خادما بكنيسة الانبا انطونيوس بشبرا في منتصف الأربعينات.
وعقب انتهاء ولاية الأنبا كيرلس أجريت انتخابات البابا الجديد في الأربعاء 13 تشرين الأول (أكتوبر). ثم جاء حفل تتويج البابا (شنودة) للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14تشرين الأول (نوفمبر) 1971 وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة.
في عهده تمت تسمية أكثر من 100 أسقف وأسقف عام؛ بما في ذلك أول أسقف للشباب، أكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر.
أولى اهتماما خاصا لخدمة المرأة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ويقش ثلاثة أيام أسبوعيا في الدير، وحبه لحياة الرهبنة أدى إلى انتعاشها في الكنيسة القبطية حيث تم في عهده سيامة المئات من الرهبان والراهبات.. وكان أول بطريرك يقوم بإنشاء العديد من الأديرة القبطية خارج جمهورية مصر العربية وأعاد تعمير عدد كبير من الأديرة التي إندثرت.
كما زادت الابارشيات في عهده و تم إنشاء عدد كبير من الكنائس سواء داخل أو خارج جمهورية مصر.
وعلى عكس العلاقة الطيبة التي تربط شنودة بالرئيس مبارك كانت علاقته بالرئيس الراحل أنور السادات شديدة السوء خاصة بعد أن أعلن قد رفضه لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وأكد ذلك بأن قرر عدم الذهاب مع الرئيس 'السادات' في زيارته إلى إسرائيل عام 1977، هذا بطبيعة الحال صنع حالة عدائية 'ساداتية' تجاه البابا لأنه لم يتصور أن يناطحه أحد في قراراته بعد الحرب فما بالك إذا كان هذا 'الأحد' هو القيادة الكبرى لكل الأرثوذكس الذين يشكلون أغلبية المسيحيين في مصر؟!
عقب ذلك وقع الصدام بينهما..خاصةعندما قام الرئيس 'السادات' بزيارة لأمريكا حيث نظم الأقباط في أمريكا مظاهرة مناهضة لـ'السادات' رفعوا فيها لافتات تصف ما يحدث للأقباط في مصر بأنه اضطهاد وهو بالقطع ما أضر بصورة 'السادات' كثيرا فطلب من معاونيه أن يتصلوا بالبابا ليرسل من يوقف هذه المظاهرات، وعندما حدث هذا فعلا متأخرا بعض الشيء ظن 'السادات' بأن البابا 'شنودة' يتحداه، فكان أن أصدرت أجهزة الأمن قرارا للبابا بأن يتوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي, الأمر الذي رفضه البابا ثم قرر تصعيد الأمر بأن أصدر قرارا بدوره بعدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وعدم استقبال المسؤولين الرسميين الذين يوفدون من قبل الدولة عادة للتهنئة.
بل وصل الأمر إلى ذروته عندما كتب في رسالته التي طافت بكل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد أن هذه القرارات جاءت 'احتجاجا على اضطهاد الأقباط في مصر' وكانت هذه المرة الوحيدة التي يقر فيها البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط في مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقا.. وأصبحت القطيعة بين 'السادات' والبابا 'شنودة' هي عنوان المشهد، ولذا كان من المنطقي أن يطول العقاب البابا في أيام 'السادات' الأخيرة عندما أصدر في أيلول (سبتمبر) عام 1981 قراره بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة، لم يكن مصير البابا الاعتقال وإنما كان تحديد الإقامة في الدير بوادي النطرون، ولعل 'السادات' فعل ذلك درءا لرد فعل مضاد من قبل الأقباط.
وكان الرئيس حسني مبارك قد قام في 1985 بالافراج عن المعتقلين الذين اعتقلهم السادات وكان 'البابا شنودة متحفظا عليه وقررمبارك منحه كامل الحرية ومنذ تلك الفترة وشنودة يكن لمبارك وعائلته تقديرا بالغا ولا يترك فرصة إلا ويقوم بالثناء على جمال ويدعو لدعم مساعيه لخلافة والده وطوال فترة حكم الرئيس مبارك لم ينتقد النظام أو الدولة ولا حتى أي من ممثليه كوزراء أو مسؤولين حكوميين، كما ظل يتحلى بالصبر والهدوء والثناء على مؤسسة الرئاسة حتى حينما كان الأمر متعلقا بالخلاف على بناء كنيسة أو هروب مسيحيات مع مسلمين أو الحديث عن التنصير أو الإجبار على الإسلام.