أحمد البغدادي

الشعب الكويتي يشارك في جريمة وأد الديمقراطية لانه ليس جاداً في قضية الحريات

أكثر من محاضرة عن عدم دستورية قانون المطبوعات والنشر, لم يحضرها سوى عدد قليل جدا من الكتاب والمثقفين وأساتذة الجامعة والنواب والوزراء المحسوبين على الليبراليين.
دعوتان عن الدور السلبي للرقابة الحكومية على الكتب الفكرية, ولم يحضرها سوى عدد قليل أيضا من المثقفين والكتاب وأساتذة الجامعة والنواب.
ما من دعوة إلى حضور موضوع يتعلق بالديمقراطية والحريات الفكرية, إلا وترى عدم الاهتمام بها, مقارنة بالندوات الدينية وتفسير الأحلام وفك المربوط.
كثير من عضوية لجان المجلس جاءت بالتزكية!
مؤشرات اجتماعية كثيرة تدل على أن الديمقراطية والحريات الفكرية قد أصبحتا من المنبوذات في المجتمع الكويتي, بل تدل هذه المؤشرات على أن قضية إسقاط القروض أهم من الحريات الفكرية. نحن الآن أمام واقع جديد نابذ للديمقراطية والحرية الفكرية.
للعلم, الديمقراطية مثل النبتة الزراعية التي تحتاج إلى بيئة مناسبة, فكما أن النخل لا ينمو في الاسكيمو, كذلك الأمر مع نبتة الديمقراطية التي لا تنمو و لا تترسخ جذورها إلا في البيئة المناسبة, وقد فشلت الديمقراطية كأسلوب حكم في العالم العربي والإسلامي لسبب بسيط, وهو أن quot; التربة quot; العربية والإسلامية لا تصلح لنمو نبتة الديمقراطية. فالناس في هذه الدول لم تؤمن إلى الآن بالديمقراطية كأسلوب حياة, أو أن الحريات الفكرية من مقومات الحياة الديمقراطية السليمة, والشعب الكويتي ليس استثناء من هذه القاعدة. ولا بد من الاعتراف أن الكويتيين ما عادوا مهتمين بالديمقراطية لأنهم يرون بعيونهم الخراب الذي أحدثه النواب القبليون والإسلاميون في المجتمع الكويتي, وتقاعس الحكومة عن التحرك لمواجهة هذا التخريب للديمقراطية, بل وليتها تتقاعس فقط وتتوقف عند هذا الحد, لكنها تسعى وتتحالف مع هؤلاء لإحداث المزيد من التدمير للديمقراطية, كما حدث مع قرار إغلاق المقاهي, والامتناع عن المشاركة في انتخابات اللجان البرلمانية الأخيرة لتضمن عودة الإسلاميين إلى لجنة الظواهر السلبية ولجنة حقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر.
وما كان لهؤلاء النواب وتواطؤ الحكومة معهم أن يتمكنوا من ذلك لولا الإجماع الصامت للشعب الكويتي, والذي يعلن تخلي الشعب عن الإيمان بالديمقراطية كأسلوب حياة. فالشعب الكويتي ليس مستعداً للتضحية بكسله, والقابل بفضيلة قبض المعاش آخر الشهر, من أجل الديمقراطية, ولو ألغت الحكومة غدا الدستور لما تحرك الشعب الكويتي عن كرسي المقهى وهو يدخن أرجيلته. المهم أن المعاش لا ينقطع.
السبب وراء ذلك كله هو عدم الإيمان بالديمقراطية. فالمؤمن بقضية ما لا يمكن أن يسمح للآخرين التلاعب بها, فما بالك بالعمل على تدميرها? لقد نجح أعضاء البرلمان سواء من الإسلاميين أو القبليين أو حتى من أشباه الليبراليين في إقناع الشعب الكويتي أن لا فائدة من ديمقراطية توقف المشاريع التنموية, وتقيد الحريات الشخصية, وتسمح للإسلاميين بالتحكم بالشارع. فلماذا نتمسك بمثل هذا النوع من الديمقراطية المؤذية?
لقد أثبتت الدراسات السياسية عن الديمقراطية أن الديمقراطية العربية تتميز بهشاشة غريبة, حيث يمكن إيقافها أو التلاعب بها بسهولة, في وجود ضمان عدم رد فعل شعبي حاسم في مواجهة هذه المحاولات. بل توجد مجتمعات عربية مثل الكويت, لا يمانع شعبها في المشاركة عبر اختيار نواب البرلمان بالرشوة ( بيع الأصوات ), أو الاختيار بالاعتماد على عنصر ظاهري مثل التدين, حتى وإن كان كاذبا ( كما هي حالة النائب السلفي الذي يتاجر بالخمور وبيع لحم الخنزير, أو زميله الذي قبض شيكا بخمسين ألف دينار من دون سبب واضح ). الشعب الكويتي يشارك في جريمة وأد الديمقراطية حين يختار أمثال هؤلاء.
كل هذا يحدث لأن الشعب الكويتي ليس جادا في قضية الديمقراطية والحريات الفكرية وحقوق الإنسان. ربما يعتقد أن الديمقراطية مجرد لعبة, لكنها ليست كذلك, بل أن الحد الفاصل بالإيمان بالديمقراطية كأسلوب حياة من عدمه هو مدى الإيمان بالديمقراطية. والشعب الكويتي اليوم ما عاد يؤمن بهذه الديمقراطية. وبالتالي تظهر لنا الحقيقة وهي: أن هناك شعوبا لا تستحق الديمقراطية...مثل الشعوب العربية قاطبة.