أحمد أميري


ربما تلاشى تماماً حلم إحياء الخلافة الإسلامية إثر الإعلان عن أحدث خريطة لتوزيع المسلمين على مستوى العالم، على الأقل تلاشى لدى الحالمين العرب، لأن 13 بالمئة من رعايا دولة الخلافة سيكونون إندونيسيين، و11 بالمئة باكستانيين، و10 بالمئة هنود، و9 بالمئة بنغال، و5 بالمئة نيجيريين، ولن يكون للعرب ناقة في الخلافة ولا جمل.


فبحسب الخريطة أن 20 بالمئة من المسلمين يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجميع الدول العربية تقع ضمن هذه المنطقة باستثناء الصومال وجيبوتي وجزر القمر. لكن هذه النسبة ليست خالصة للعرب، فإيران وتركيا تعدان من دول الشرق الأوسط، والإيرانيون يشكّلون 5 بالمئة، والأتراك 5 بالمئة.

وسيكتشف العرب أنهم فرّطوا في الكثير في مقابل دغدغة مشاعرهم الدينية لبعض الوقت، وربما تحرير فلسطين، لبعض الوقت، فلا يُستبعد أن يستوطن فيها فقراء آسيا وإفريقيا، وربما الدخول في نادي الدول العظمى، لبعض الوقت طبعاً، لأن الجهاديين لن يغمض لهم جفن إلا بعد أن يمحوا الشرك والكفر ويرثوا الأرض!

لذلك، على الحالمين العرب أن يسألوا أنفسهم: من سيكون الخليفة؟ وأي قومية ستكون لها الكلمة العليا في ظل حقيقة أنه في كل عصور الخلافة كانت هناك عناصر معينة تستأثر بالخير وتنفرد بالسلطة؟ وبالطبع لن تؤول الأمور إلى العرب، ففوق أنهم أقلية، فإن ما بينهم من تنافس وتناحر سيجعل اتفاقهم مستحيلاً، خصوصاً أن الخلافات العربية ما عادت على مستوى الأنظمة فقط.

ولو قيل إن السيادة أصلاً ستكون للشرع لا للبشر. فالحقيقة أن الشرع لا يسود إلا من خلال أجهزة يديرها بشر، ومن ثم تصبح السيادة فعلياً لهم لا للشرع. ولو قيل إن السلطة ستكون للأمة التي تختار الحاكم من خلال صناديق الاقتراع، فعلى العرب، وفي ظل ضآلة نسبتهم، أن يستعدوا لأن يتسلّط غيرهم على رقابهم، ويسعى إلى طمس هويتهم، وإلغاء ثقافتهم، كما حصل لنحو ألف عام منذ أن آلت الخلافة إلى غيرهم.

وإذا تجاوز المسلمون هذه الإشكاليات، فأي نظام سيتبنونه: النظام الطالباني، أم ولاية الفقيه، أم نظام شورى quot;الإخوانquot;، أم نسخة محدثة عن الخلافة التي يخاطب فيها الخليفة السحاب قائلاً: quot;امطري حيث شئت فإن خراجك سوف يأتينيquot;؟ لكن الخراج لن يأتي هذه المرة إلى بغداد، وإنما إلى جاكرتا أو روالبندي ومن ثم يعاد توزيعه على الأمصار، وقد يتكدس هناك ويخطب الخليفة قائلاً: quot;إنما أنا سلطان الله في أرضه، وخازنه على فيئه، أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله عليه قفلاً، إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلنيquot;.

وما هو مذهب الدولة الرسمي؟ بالطبع لن يقول أحد إنه الإسلام وكفى، فأي إسلام هو: إسلام quot;طالبانquot; التي تجلد غير الملتحين، أم إسلام quot;شبابquot; الصومال الذين يجلدون النساء لأنهن يرتدين حمّالات الصدر، أم إسلام إيران التي تسيّس حتى فريضة الحج؟ وإذا كان لعاب دعاة الخلافة يسيل وهم يرون التجربة الماليزية أو التركية، فعليهم أن يستعدوا لمضاعفة فشلهم بانضمام الفاشلين الآخرين معهم، فأغلبية الدول الإسلامية دول فقيرة ينخر فيها الفساد.

ولو قيل إن الحالمين يدركون بأن الأوضاع الحالية لا تساعد على إحياء الخلافة، ولا بد من عودة المسلمين إلى دينهم أولاً. فإن هذا الطرح يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، لأن كل مذهب أو مدرسة أو عرق أو حتى جماعة تفهم الإسلام بطريقتها وبما يتوافق مع حضارتها وثقافتها، ومن ثم تصبح عودة الخلافة أقرب إلى الخيال منها إلى الحلم المشروع.