أزمة laquo;دبي العالميةraquo; وحتمية التغيير

صالح العمير

تشير البيانات إلى أن 60 في المائة من ديون دبي وشركاتها موجهة إلى القطاع العقاري.

على مدى عامين, وتحديدا منذ منتصف عام 2007 عانت الأسواق المالية الدولية ولا تزال اضطرابات حادة ناشئة عن أزمتين متزامنتين (فقاعة العقارات) و(فقاعة الائتمان)، اللتين انفجرتا الواحدة تلو الأخرى وخلفتا وراءهما جوا من التشاؤم والخوف، وأصابتا المجتمعات الدولية قاطبة بذهول شديد وصدمة عنيفة ومرارة قاسية تجرعها الملايين من العمال الذين فقدوا وظائفهم (مصدر قوتهم اليومي) وعاناهما أصحاب المدخرات البسيطة الذين يستمدون من توظيفها في الأسواق المالية دخلهم المحدود والثابت. هذا الواقع المرير قاد إلى إفلاس عدد كبير من المؤسسات المالية وغيرها من الشركات وإلى انهيار قيمة الأصول لأعداد أخرى من الشركات الكبرى والمتوسطة, حيث انزلق العالم كله في كساد مستحكم. وكان طبيعيا أن يهب المجتمع الدولي بأسره (حكومات ومؤسسات مدنية) ويسارع في تقديم برامج إنقاذ سخية على نحو غير مسبوق تمثلت في مخصصات مالية ضخمة وسياسات نقدية جريئة وحازمة أسهمت مجتمعة في وقف النزيف الحاد. ونتيجة لذلك شهدت الأشهر الأخيرة بوادر انتعاش وشيك يتمثل في تحقيق نتائج إيجابية لعدد من القطاعات الخدمية والصناعية وفي تحسن أقيام الأصول المتداولة في الأسواق المالية الدولية. وتعليقا على حالات التبشير بزوال الأزمة المالية وانحسارها كتبت مقالة في منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي في هذه الصحيفة (أي قبل أقل من ثلاثة أشهر) أتساءل فيها عن الانتعاش ومدى حقيقته وعن أهم المؤشرات الدالة عليه، وهل تم رصد الأخطاء التي قادت إلى الأزمة، وأخذت الاحتياطيات الضرورية لمنع حدوثها مرة أخرى؟ حيث لا يصح إسدال الستارة على الماضي وركوب موجة التفاؤل باستئناف المسيرة من جديد وكأن شيئا لم يكن, بل ينبغي أن يقترن استئناف المسيرة بوعي وبصيرة نافذة لمعرفة ما حدث ولماذا حدث ما حدث؟ وما الذي ينبغي اتخاذه لتفادي تكرار ما حدث؟


تفاؤل مشوب بالحذر

ومع هذا التفاؤل المشوب بالحذر ـ والعالم كله يرقب بوادر الانتعاش فوجئت الأسواق المالية بأزمة دبي ـ حيث أعلنت شركة دبي العالمية عشية يوم العيد أنها تواجه صعوبات بالغة حيال سداد الديون المستحقة عليها، وأنها أبلغت دائنيها عن الحاجة إلى إعادة هيكلتها المالية. وصاحب هذا الإعلان إيضاح من حكومة دبي أكدت فيه أن ''دبي العالمية'' شركة تجارية وأن حكومة دبي من الناحية القانونية ليست مسؤولة عن ديونها وليست لديها نية لإنقاذها. ووفقا للمصدر الذي استقيت منه هذه المعلومة المكتوبة باللغة الإنجليزية hellip; neither willing nor legally bound to bail out DW...

وبعد مضي عدة أيام أصدرت ''دبي العالمية'' بيانا صحافيا أعلنت فيه أن الديون المطلوب إعادة جدولتها تقتصر فقط على القروض المرهونة بأصول عقارية لكل من شركة نخيل وشركة عالم بلا حدود Limitless world المملوكتين لها, وأن الديون المستحق دفعها والمطلوب إعادة جدولتها تقع في حدود 26 مليار دولار.

وإذا كانت الأسواق المالية الإقليمية والدولية قد فوجئت بهذا الإعلان وكان رد الفعل سلبيا ومؤثرا, فإن حقيقة الأمر توحي بأن التوقيت من جانب دبي جاء متأخرا, إذ من غير المعقول إطلاقا أن ''دبي العالمية'' لم تكتشف عجزها عن الوفاء بديونها أو بأجزاء منها إلا قبل أسابيع قليلة فقط من موعد السداد (تشير الوقائع إلى أن شركة نخيل مطالبة بدفع نحو 3.5 مليار دولار خلال كانون الأول (ديسمبر) الحالي, ومن حق المراقبين الماليين أن يتساءلوا عن أسباب عدم مواجهة الحقيقة في وقتها. لماذا أخفت مجموعة دبي العملاقة حقيقة عجزها وانتظرت إلى ما قبل أسابيع من موعد السداد؟ ألم تكن سجلاتها المالية والمحاسبية واضحة في التعبير عن التزاماتها العقدية؟ أم أنها نظام يفتقد الشفافية والمساءلة؟ هل كانت تحلم بأن الانتعاش العالمي سيكون وشيكا، وأن منتجعات شركة نخيل ومراكزها السياحية والترفيهية المتعددة والمتنوعة ستوفر لها أموالا كافية لسداد الديون في وقت استحقاقها؟ ألم تكن على علم ودراية بعمق الأزمة المالية العالمية وقسوتها وتداعياتها؟ ألا تدرك شركة دبي العالمية وقياداتها ومستشاروها أن الانتعاش العالمي المأمول يتطلب صبرا طويل الأمد ربما يمتد إلى بضع سنوات؟ وأن العالم بأسره يرزح تحت نير كساد اقتصادي عميق، وأن شركات كثيرة مفلسة ومستثمرين كبارا فقدوا مقادير ضخمة من ثرواتهم؟ هل كانت مع هذا الواقع المرير تتطلع إلى برامج إنقاذ محلية أو إقليمية على غرار ما قدمته الدول الغنية لشركاتها الوطنية؟ ألا تدرك شركة دبي العالمية ومن يقف خلفها أن الوضع مختلف تماما هذه المرة؟ ألم تكن تعلم أن استثمارات المؤسسات المالية الإقليمية (الحكومية والخاصة) ليست في مأمن من آثار الأزمة وأنها تعرضت كغيرها لخسائر فادحة؟ ثم إن الأمر لا يقتصر فقط على مواجهة الديون الواجبة الدفع التي حددها البيان الصحافي الأخير بمبلغ 26 مليار دولار, حيث تشير البيانات إلى أن ديون شركة دبي العالمية تتجاوز 60 مليار دولار, وذلك إضافة إلى ديون إمارة دبي التي تقدر بنحو 280 مليار دولار حسب إحصائيات عام 2008, وأن قطاع العقارات وحده يستأثر بنحو 60 في المائة من هذه الديون, إضافة إلى أن ''دبي العالمية'' وشركاتها تنفذ أعمالا ومشاريع عقارية في مناطق أخرى في العالم تشمل: إندونيسيا, الهند, ماليزيا, فيتنام, روسيا, وغيرها, وأن هذه الاستثمارات العقارية كغيرها تواجه مصاعب شتى ما يجعل الصورة ضبابية وقاتمة. ومن جانب آخر فإن موقف حكومة دبي وتنصلها من ديون الشركة مثير للدهشة إذا ما تم النظر إليه من خلال حجم الشركة وقيمة أصولها المالية وتكوينها الإداري وارتباطاتها المالية. ويصعب فهم أو تفسير الدوافع وراء هذا التصريح، وهو تصريح معيب لعدة اعتبارات, فإذا سلمنا بأن حكومة دبي ليست طرفا في عقود الشركة, وأنها ليست ضامنة لهذه الديون, فإنها مسؤولة عن النظام المالي واستقراره وحيويته, وعندما تتدخل الحكومات في الأزمات المالية فإنها لا تقصد في الأساس حماية الشركات وإنما لحماية وصون النظام المالي. كان على حكومة دبي أن تبادر إلى دعوة جميع الأطراف إلى الدخول في مفاوضات جادة تحت رعايتها بغية التوصل إلى حلول عملية.


علاقة البنوك بالأزمة

وفي المقابل فإن البنوك الدائنة, وبالأخص البنوك الدولية الكبرى, تعد طرفا أساسيا في أزمة دبي ومسؤولة بالدرجة نفسها عن التقصير وعدم المبادرة في مواجهة الأوضاع في حينها قبل استفحالها وتراكمها. أليست مسؤولة عن متابعة المدينين والمطالبة بتقارير دورية منتظمة عن أوضاعهم المالية وفحصها والتأكد من سلامتها؟ أليس من واجبها ومسؤوليتها عقد لقاءات مشتركة مع مسؤولي ''دبي العالمية'' للاطمئنان على برامجها والتأكد من انتظام وتيرتها لتفادي المفاجآت ومعالجة وطرح الحلول الملائمة في وقتها؟ ما الأسس والعوامل المالية والاقتصادية التي استخدمتها البنوك في تحليلها واعتمدت عليها في قرارات التمويل؟ ألا توجد لديها ضمانات وتحوطات حيال هذه القروض؟ أم أنها اكتفت فقط بوعود شفوية بدلا من الضمانات الحقيقية؟ هل كانت البنوك المقرضة هي الأخرى واقعة تحت تأثير وهم خاطئ بأن دول الخليج العربية أو حكومة أبو ظبي بالذات ستسارع لمكافأتها على إخفاقها في أخذ مزيد من الحيطة والحذر عند إبرام عقود التمويل؟

هذه المواقف السلبية التي وقعت فيها كل من ''دبي العالمية'' والبنوك الدائنة من حيث تجاهل الأوضاع وإهمال المتابعة وتركها تتراكم إلى درجة الانفجار ما هي إلا تكرار للأخطاء القاتلة نفسها التي أدت إلى الأزمة المالية الدولية وإلى الكساد العميق الذي تعانينه الاقتصادات العالمية, فأزمة دبي ما هي إلى إحدى بؤر المأساة الدولية، ما يؤكد أن المحاذير والمخاوف التي صدرت عن كثير من المراقبين الماليين عن هشاشة الانتعاش المزعوم وعن وجود بؤر أخرى قابلة للانفجار في أي وقت, حيث إن خطط الإنقاذ والمعالجة الدولية اقتصرت على بعض جوانب المشكلة وتركت مجالات ومناطق أخرى خارج نطاق المعالجة. فـأزمة دبي (وإن كانت حالة خاصة) فإنها ليست استثناء, فما هي إلا امتداد للأزمة العالمية, فهي نتاج فقاعة العقارات التي قادت إلى فقاعة الائتمان المالية. وربما لا تقتصر هذه الحالة على دبي فقط ndash; بل قد تنتقل إلى بؤر متفجرة أخرى في أوروبا وغيرها مثل اليونان وأيرلندا ورومانيا.


نتائج وتوقعات

في ظل الأوضاع السائدة إقليميا ودوليا وأمام حقائق الوضع المالي لأزمة دبي يمكن أن ينتهي الأمر إلى النتائج والتوقعات التالية:

1- حيث إن المشكلة ائتمانية بالدرجة الأولى فإن المتضرر الأكبر هي المؤسسات المقرضة وليس أمامها إلا المبادرة نحو إجراء مفاوضات جادة لجدولة الديون المستحقة التي أعلنتها ''دبي العالمية''.

2- بسبب ضخامة مقدار الديون على استثمارات دبي المتعددة, حيث يقدر معدل الدين إلى رأس المال بـ 80 في المائة، فإنه لا مناص من إجراء بحث مستفيض لمعالجة بقية الديون الأخرى وإجراء مزيد من إعادة الهيكلة لجميع الشركات الأخرى.

3- من المحتمل جدا التحول في منطقة الخليج في تمويل الاستثمارات الجديدة عن طريق رفع رأس المال (أسهم جديدة) وانحسار دور أدوات الدين بالسندات وما ماثلها.

4- من المتوقع أن تكون الأسواق الأكثر أمانا في كل من السعودية وقطر أكثر جاذبية للاستثمارات الجديدة.

5 - وقف أو تجميد الاستثمارات العقارية والترفيهية في إمارة دبي, وبمعنى آخر قد تشهد دبي في المستقبل تحولا واضحا في نهجها التنموي, حيث تتخلى عن التركيز على قطاع العقارات وبناء المدن والجزر السياحية والترفيهية والعمارات الشاهقة والأسواق التجارية الفارهة, وأن تتجه نحو تعزيز مركزها التجاري الإقليمي وتطوير خدمات إعادة التصدير وإنشاء مراكز لتجميع الصناعات الخفيفة وأجهزة التقنية الحديثة, هذا ما ستتطرق إليه الفقرة التالية. وفى ختام هذه المقالة يحسن الحديث بشكل موجز عن مسيرة دبي ومحاولاتها الجريئة نحو خلق مجتمع حديث وتنمية مستدامة. ولكن (قبل الشروع في ذلك أود أن أدون بشكل واضح وصريح أن هذه الفقرة لا تعد قراءة لأحداث دبي أو تحليلا لواقعها واستراتيجيتها وإنما مجرد ملاحظات عابرة وانطباعات عامة). من المعلوم أن إمارة دبي لا تملك إلا أقل القليل من المعادن الطبيعية, إذ ليست لديها ثروة نفطية توفر لها دخلا منتظما يساعدها على مواجهة مستلزمات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها صغيرة المساحة وعدد سكانها محدود. وإدراكا لهذه الحقائق انخرط سكان دبي سواء أثناء فترة الحماية الأجنبية أو بعد تكوين دولة الإمارات العربية المتحدة في العمل التجاري وتطوير خدمات النقل البحري, وتفوقت هذه الامارة على بقية الإمارات الأخرى المجاورة في هذا الجانب واتسعت دائرة صلاتها بالعالم الخارجي وعلى الأخص الهند والدول المجاورة لها وشكلت خدمات الوساطة التجارية (الاستيراد والتصدير) وخدمات النقل البحري وإصلاح السفن محور أنشطة سكان هذه المدينة, وأصبحت دبي مركز استقطاب وأنشأت مركزا متقدما في منطقة جبل علي وفرت فيه كل الإمكانات اللازمة من مخازن ومستودعات وطرق ورافعات وأرصفة تفريغ وتحميل على نحو تميزت فيه دبي على سائر دول الخليج العربية, حيث تعد منطقة جبل علي أكبر وأهم منطقة حرة لإعادة التصدير في الخليج. وحققت دبي من خلال هذه المنظومة المتكاملة شهرة فائقة وجنت من خلالها عوائد مالية ضخمة مقارنة بغيرها من المرافق المماثلة.

ولكن حكام دبي ورجالاتها لم يجدوا في هذا النشاط المتخصص والمحدود نسبيا ما يشفى غليلهم ويرضي طموحهم وتطلعاتهم نحو خلق مصادر أكثر فاعلية في تحقيق مداخيل عالية وفي المشاركة في الجاه والثراء أسوة بجارتهم الكبرى أبو ظبي. هذه التطلعات قادت حكام دبي ورجالاتها إلى نهج جديد في ميدان الخدمات الصناعية أو صناعة الخدمات والانفتاح على العالم دون حدود أو قيود شملت خدمات السياحة والترفيه وتشجيع إقامة المعارض الدولية والمؤتمرات والندوات وتوفير المناخ الملائم لإقامة مراكز للنشاط الإعلامي والثقافي الواسع, وتسامحت كثيرا في هذا المجال وشيدت مركزا ماليا متطورا وسهلت إجراءات تسجيل الشركات الأجنبية ومنحها حق ممارسة النشاط المالي بأقل القيود. إلا أن أكثر ما يلفت النظر في نهضة دبي الحديثة هو الاندفاع نحو إقامة المدن والجزر السياحية والترفيهية وتوفير المرافق والبيئة الملائمة والجاذبة لها.

هذا التطلع والاندفاع نحو آفاق واسعة في عالم الخدمات السياحية والترفيهية والإعلامية واستقطاب الاستثمارات وفتح الأبواب لاستقدام القوى العاملة من كل حدب وصوب, خاصة من الدول الآسيوية فرضت على دبي هوية دولية جديدة تختلف تماما عن هويتها السابقة المحلية والإقليمية. حيث تحولت دبي من مدينة وادعة متواضعة المساحة والسكان تمتد على ساحل الخليج بطول لا يتجاوز أربعة كيلو مترات إلى مدينة صاخبة مكتظة بالمباني الشاهقة والأبراج العالية الفاخرة وعلى امتداد طولي يتجاوز 30 كيلو متراً. وارتفع عدد القاطنين بها إلى أكثر من مليون نسمة. وكحقيقة فإن دبي وإن كانت لا تملك إلا أقل القليل من الثروات الطبيعية فقد قدمت كثيرا في سبيل نهضتها الحديثة يفوق ما قدمه غيرها. وساعدها على ذلك أنها اجتذبت واعتمدت على نخبة متميزة من المهنيين وذوي الاختصاص في مختلف الميادين العقارية والسياحية والترفيهية والإعلامية والتمويل.


محاكاة سنغافورة وهونج كونج

ويبدو أن إمارة دبي في سعيها الحثيث إلى تكوين هذا الشموخ الطاغي كانت تحاول محاكاة (سنغافورة) و(هونج كونج), وهما نموذجان نجح كل منهما في إقامة كيان قوي متعدد النشاطات كفيل بتحقيق دخول منتظمة ومتصاعدة وتوفير مصادر يعتمد عليها في خلق مجالات العمل والتوظيف. إذا كان ذلك فعلا هو الهاجس الذي دفع حكام دبي ورجالاتها إلى انفتاح من دون حدود واندفاع في استثمارات متوازنة وغير متوازنة فإنهم حقيقة أخفقوا في قراءة هذين النموذجين لعدة اعتبارات من أهمها التكوين السكاني سواء من الناحية العددية أو المستوى التعليمي والمعرفي والتقني والانضباط المتميز للعنصر الممثل لأغلبية سكان هاتين المدينتين (الدولة والمقاطعة), وإلى جانب ذلك الموقع الجغرافي المتاخم لأضخم تجمع بشري في العالم (الصين والهند), ما يوفر لهما أسواقا متنامية يعتمد عليها. لذلك كله فإن هاتين المدينتين (الدولة والمقاطعة) وإن كانتا (مثل دبي) تفتقران إلى الموارد الطبيعية فقد أدركتا منذ البداية أهمية تطوير خدمات إعادة التصدير وإقامة صناعات اعتمدت في البداية على إعادة تركيب الأجزاء المصنعة ثم انتقلت إلى أجهزة ومعدات التقنية الحديثة, كما أقامت كل منهما مركزا ماليا متطورا تدعمه بمهنيين واختصاصيين مؤهلين في مراكز تعليمية متطورة. ومن حيث العدد السكاني فإن سكان سنغافورة يتجاوز خمسة ملايين نسمة في حين يقطن في هونج كونج نحو سبعة ملايين. ومن حيث التعليم فإن هونج كونج تتمتع بثاني أحسن نظام تعليمي على مستوى العالم. ويصنف التعليم الجامعي والتقني في سنغافورة ضمن أفضل الأنظمة التعليمية في العالم, كما توجد في سنغافورة (المدينة) خمس جامعات حكومية متخصصة Polytechnics. ومن اللافت للنظر الاهتمام المتزايد من عديد من الجامعات الرائدة في العالم (جامعة شيكاغو ومعهد إنسياد Insead الأوروبي) التي أقامت لها فروعا متقدمة للدراسات العليا المتخصصة في سنغافورة ويعكس مستوى التعليم والتدريب في سنغافورة بالذات أن نسبة البطالة لا تتجاوز 1.7 في المائة, كما أنها تقع في المرتبة الخامسة عالميا من حيث معدل دخل الفرد في السنة.

من المسلم به أن التقنيات الحديثة والتواصل الاجتماعي أسهما في جعل العالم كله في متناول بعضه البعض وفى اقتباس ومحاكاة تجارب الآخرين وتطوير النماذج المستخدمة بما يتلاءم مع المناخ والبيئة الجديدة. إلا أن ما حدث في دبي كان اندفاعا واسع الانتشار وعلى جبهات متعددة ومتباينة وفى فترة زمنية وجيزة نسبيا حيث لم تعتمد أسلوب المراحل المتلاحقة ولم تكن مصحوبة بمقاييس أو معايير أو مناظير للرؤية تسمح بإدخال التعديلات الملائمة عند الحاجة. لذلك كله كانت عرضة وضحية للأزمات الدولية. كان طموحها اللا محدود أكبر من إمكاناتها المحدودة جدا, بل ربما يفوق إمكانات منطقة الخليج بأسرها. لم تكتف دبي بأن تكون مركزا إقليميا لمنطقة الخليج أو حتى المشرق العربي, بل كانت تتطلع إلى ما هو أبعد - إلى آسيا الكبرى وربما أوسع من ذلك. على هذا فإن الخطأ ليس في النموذج الذي حاولت دبي اقتباسه وإنما في خطط وحجم ومراحل التنفيذ.