واشنطن - جميس زغبي

ان المقصود من انشاء قناة الحرة التي تمولها الحكومة الاميركية ان تكون عنصرا اساسيا في جهودنا لكسب العقول والقلوب في العالم العربي. لقد كانت فكرة سيئة لدى اطلاقها عام 2004 وفشلت ولكنها مستمرة.
لقد وافق مجلسا الشيوخ والنواب الاميركيان قبل اسبوعين على تخصيص 112 مليون دولار اخرى لتمويل الحرة خلال عام 2010، الامر الذي رفع كلفة هذا المشروع على دافع الضرائب الاميركي الى 650 مليون دولار حتى نهاية عام 2010.
لقد زارني مؤسس قناة الحرة قبل عام على انطلاقها، ليقنعني بقيمة الفكرة، واستمعت له مطولا، بيد انني لم اقتنع بها لعدة اسباب.
وفي حين ان الرجل كان يفهم الاعلام الاميركي جيدا، الا ان من الواضح ايضا انه لا يعرف الكثير عن المشهد العربي.
فالعالم العربي لم يكن خلف laquo;ستار حديديraquo; يحرم فيه الناس من الاطلاع على المعلومات عن العالم الخارجي. صحيح ان هناك نواقص في ما يتلقاه المواطن العربي عبر الاعلام، الا ان احدا لا ينكر وجود التنوع والانفتاح الذي يشهده العالم العربي، بما في ذلك القدرة على استقبال معظم القنوات الاميركية الاخبارية والرياضية والترفيهية.
لقد عملت مع ثلاث شبكات تلفزيونية عربية مختلفة هي: laquo;ام. بي. سيraquo; وlaquo;ايه. آر. تيraquo; وlaquo;ابوظبيraquo;، وكلها كانت تبث برامج تنتجها شبكات اميركية، وكلها كانت تسعى باستمرار (ونجحت احيانا) الى شراكة وتعاون مع شبكات اميركية. وفي ظل مثل هذا الوضع، فان اطلاق قنوات منافسة برعاية الحكومة الاميركية، يمثل كما اعتقد آنذاك هدرا لا داعي له، لاموال دافع الضرائب الاميركي.

الحرة ليست الــlaquo;بي. بي. سيraquo;


وكانت لدي نقطتا قلق اخريان، الاولى انه لا يوجد محطة اميركية رديفة لــlaquo;بي. بي. سيraquo; البريطانية التي تحظى باحترام عالمي لما تتمتع به من مصداقية واحترافية في العمل، وبالتالي كان من الاسهل على laquo;بي. بي. سيraquo; اطلاق محطة عربية وان تلقى قبولا. ولكن ليس للولايات المتحدة مثل هذه المؤسسة، وبالتالي سيكون عليها البدء بمشروع جديد تماما، وسوف ينظر اليها - دون شك - على انها جهد دعائي، لانها اقيمت من اجل ذلك بكل بساطة.
وبالاضافة الى ذلك، كانت ثمة مشكلة المنتج نفسه، فشعبية الحكومة الاميركية في المنطقة هي في ادنى مستوياتها،
وبالتالي، فإن ذراعها الدعائي سيواجه مشكلة ولن ينظر اليه كمصدر موضوعي موثوق فيه. وفي الوقت ذاته، فإن شعبية laquo;التلفزة الأميركيةraquo; وlaquo;الشعب الأميركيraquo; مرتفعة في العالم العربي بأكثر من خمسة أضعاف مما تحظى به الحكومة الأميركية من شعبية، تجعل من غير المنطقي اطلاق شبكة تابعة للحكومة الاميركية لتنافس بعض افضل مخرجاتنا الاعلامية!
وقد حدث ان استدعيت إلى مجلس الشيوخ للادلاء بشهادتي بشأن اطلاق وتمويل هذه laquo;الفكرة السيئةraquo;، فقلت انني اعتقد انه من الافضل انفاق المائة مليون دولار (التي ننفقها على قناة الحرة) سنويا لانشاء صندوق لتشجيع الانتاج المشترك على المستويين العام والخاص بين القنوات العربية والأميركية ومنح الفرص لصحافيين عرب للعمل مع نظرائهم الأميركيين.
وأشرت إلى ان ذلك سيكون أقل كلفة وأكثر منفعة.
أما الآن، وقد اتخذ قرار تمويل الحرة لسنة أخرى، فإن أحدا لم يستدعني للادلاء بشهادتي.
ولكن هذه القناة أثبتت فشلها للسنة السادسة على التوالي وهو ما يقر به الكثير من المعنيين على نطاق واسع، ومع ذلك، زادت مخصصات هذه القناة وزاد عدد موظفيها من 167 شخصا إلى 650.
وبينما تزعم laquo;الحرةraquo; انها تحظى بـ 9 في المائة من المشاهدين، فان استطلاعاتنا تظهر أن نسبة مشاهديها لا تتعدى الـ 2 في المائة في شتى أرجاء المنطقة. كما ان سمعة القناة لم تتحسن ربما بسبب نوعية برامجها وعدم التوفيق في بعض قراراتها.
يتولى رئاسة قطاع الأخبار فيها زعيم احدى المجموعات اليمينية اللبنانية، كما ان احد برامجها الاسبوعية يستضيف مسؤولا بارزا في احد مراكز البحث الموالية لإسرائيل. وباختصار، فإن laquo;الحرةraquo; تظل فكرة سيئة فشلت ومع ذلك، فإنها ستعمر لسنة أخرى على الأقل.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن