ناصر الصرامي


متابعة مجلس الأمة الكويتي في دوراتها السابقة والحالية والقادمة، أمر سهل لأن المراقب لا يحتاج لعمر طويل ليشهد حفلات انتخابية بفضل تخصص (التازيم) في أعرق تجربة (ديمغراطية) في المنطقة كما يشاع.

وهي بالتأكيد ديمقراطية حرة لدرجة الفوضى، ولدرجة الكشف عن عيوب شعوب وقبائل المنطقة، كما تداخل ملفات الأحزاب الدينية مع السياسية، وصراع أجنحة، ومجلس وزراء يعاد تشكيله قبل تحريكه.

خارطة واضحة المعالم لكنها غير معلنة لديمقراطية تعكس واقعاً اجتماعياً يحمل في جنباته تجاذبات دينية وحزبية وقبلية وبعض الطائفية، وهذا أمر عادي في النظام الديمقراطي، لكن الحالة الكويتية غريبة عجيبة وصاخبة، و(معطلة).

عناوين الصحافة المحلية تظهر إعلاماً حراً، وهو إعلام غير قادر على تجاوز مساحته الجغرافية الضيقة. حيث يبدو أن الكويت - بالمناسبة - أصبحت في إعلامه (أم الدنيا) باستثناء فصل الصيف الطويل.

عموما النتائج النهائية التي نلحظها، تجعلنا نحمد الله كثيرا جدا، بأن الديمقراطية على الطريقة الكويتية، لم تصل بعد إلى مجتمعنا المحلي، لأن نتائجها قد تكون أسوأ.

الكويت كما نعرف في الخليج - تتعطل مشاريعها، بفعل مجلس الأمة أحيانا، ويتفرغ الناس في ديوانياتهم وهم يقلبون (سبحاتهم) الطويلة، للبحث في تشكيل حكومة أو انتخاب أعضاء مجلس جديد، وفي ظل تجاذبات حزبية غير معلنة - أو بفعل مراكز قوى غير ظاهرة، أو بحكم عشائرية دائمة.

وتلك سمات خليجية بامتياز - أيضا -، وتتكرر بأشكال مختلفة في تجارب عربية تتشبه بالديمقراطية، وتوظف الدستور ومواد القانون لمصالح ضيقة وخاصة، متبعة سياسة الصد والردع لمصالح البلاد الاقتصادية والتنموية وتعطيلها وتأجيلها، من اجل طموح سياسي يفكر في (العرقلة) أكثر من أي شيء آخر.

لو أن الكويت حدت من خلافاتها الدائمة لصالح مشاريع عملاقة، لحققت الكثير المتفوق، لكنها علقت في عملية تنافر متعمد في البلاد، وأسست داخليا لما يعرف بثقافة (التازيم) والاحتقان السياسي الدائم، عكس إنجازاتها في العلاقات الخارجية.

المثير أن الكويت صاحبة تجربة منفتحة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وهي تجربة مبكرة مقارنة بالخليج كله، لكن النتائج التي نراقبها، تجعلنا نتمنى أن لا تتكرر تجربة ديمقراطية الكويت خليجيا. وأن تبقى أنظارنا مركزة على الإنجاز الاقتصادي والتنموي.

ولنحمد الله مع كل أزمة هناك، بأننا لسنا في مدار تجربة الكويت (الديمغراطية)، وأننا أبعد عن تطبيقها، لأنه تؤزم وتعقد وتبرز لظواهر سلبية، وتفضح واقع ممارسات وتجاذبات سياسية ومؤدلجة ضيقة على السطح. وهي ظواهر يفترض بترها، وجزها لا الاحتفاء بها داخل مجلس أمة.

هل تتمنى أن تمر بلادنا بمثل هذه التجربة، تفكر كل مرة في حكومة جديدة، أو تترقب انتخابات، تصحو على مجلس جديد، وتكمل يومك تناقش (التازيم)، وتنام على استجواب!