منسّقة بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009 : هدفنا تنمية مستدامة


ليلى بركات: هدفنا تنمية ثقافيّة مستدامة


بيروت - رؤى الحجيري

15/05/2009


بإعلانها عاصمة عالمية للكتاب 2009، كُرمت بيروت رغم واقع شعبها الذي أصابه الانقسام الأهلي. والمتابع اليوم، يلاحظ الكرنفال الذي يصاحب هذا الإعلان لتبدو العاصمة وكأنها تلمّ شمل أبنائها وتمدّ يديها إلى الآخر، تأكيداً على أنها كلما كَبَت عادت من موتها، مجترحة لنفسها موقعاً بارزاً بين مثيلاتها من العواصم الثقافية.

في هذا السياق أعلن وزير الثقافة اللبنانية تمام سلام أخيراً أن نشاطات بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009 ستخرج عن نطاق العاصمة لتمتد إلى المناطق اللبنانية كافة، وهو أمر يتم للمرة الأولى في مجال تسمية المدن عواصم عالمية للكتاب. أمّا السبب فأرجعه الوزير إلى أن لبنان كله يحتضن الكتاب وليس بيروت فحسب، ولأن بيروت تحتضن في قلبها لبنان كله.

للاطلاع على تفاصيل laquo;بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009raquo; ومدى فاعليته، التقت laquo;الجريدةraquo; المنسقة العامة للمشروع الباحثة د. ليلى بركات.

bull; كيف تمّ اختيار laquo;اليونسكوraquo; بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009؟

- في الثالث من يوليو (تموز) 2007، أعلن المدير العام لمنظمة laquo;اليونسكوraquo; كونشيرو ماتسورا اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب لعام 2009، ذلك تقديراً لالتزامها التنوع الثقافي والحوار والتسامح، فضلاً عن تنوع برنامجها وطابعه المتحرّك.

جاء الاعلان إثر اجتماع في مقر laquo;اليونسكوraquo; في باريس عقدته أبرز ثلاث جمعيات دولية محترفة في عالم الكتاب هي: الاتحاد الدولي للناشرين، الفدرالية الدولية للمكتبات، الفدرالية الدولية لجمعيات ومؤسسات أصحاب المكتبات.

منذ 2001، تختار laquo;اليونسكوraquo; كل عام عاصمة عالمية للكتاب. بيروت هي المدينة التاسعة بعد مدريد (2001)، الإسكندرية (2002)، نيودلهي (2003)، وأنفير (2004)، مونتريال (2005)، تورينو (2006)، بوغوتا (2007)، أمستردام (2008).


bull; اجتزتم شوطاً كبيراً في إطلاق المشروع، وهذا ما يبدو جلياً من خلال المشاريع الثقافية التي تقام يومياً في المدينة وخارجها. هل تعتبرين أنكم كقيمين نجحتم في تحقيق الأهداف إلى الآن؟

- نعم، نجحنا. لدينا 220 مشروعاً ثقافياً إلى الآن، انطلق بعض منها، والبقية تنطلق تباعاً ضمن إطار المشروع الزمني الذي يستمر إلى 23 أبريل (نيسان) 2010. هذا ما يؤكد أننا دخلنا سنة ثقافية لم تقبل عليها بيروت سابقاً، لا سيما أننا اعتمدنا نهج الشراكة، ساعين إلى جذب أكبر عدد ممكن من الشركاء: جمعيات ثقافية، منظمات غير حكومية، بلديات، مثقفون...

أذكر في هذا المجال أن استراتيجية المشروع وضعت في ديسمبر (كانون الأول) 2008، وأطلقها وزير الثقافة تمام سلام. تتضمن الاستراتيجية مقاربة مفادها أن وزارة الثقافة تعمل كهيئة تنطيمية للأنشطة الثقافية، أي أنها لا تنظم حدثاً، بل تستنهض مؤسسات المجتمع المدني كافة وتحفّز المنظمات الثقافية. باختصار، تعمل على تشكيل دينامية ثقافية على المستوى الوطني.

bull; على أي أساس تقبلون المشاريع؟

- خلافاً للتقليد في اختيار المشاريع وافقت، وستوافق وزارة الثقافة بصورة استثنائية على المشاريع كافة المتعلقة بسنة بيروت عاصمة عالمية للكاتب، وستقترح تعديلات رئيسة تتعلّق بأهداف المشروع الثلاثة التالية:

-1 تدعيم قطاع الكتاب في لبنان في مراحله المختلفة من تأليف وإنتاج وتوزيع، من خلال إعطاء الأفضلية للإبداع، تشجيع الابتكار، رفع مستوى الطباعة والنشر بالوسائل المختلفة لبلوغ معايير مهنية رفيعة، ناهيك عن توزيع الكتب في السوق اللبنانية من خلال شبكة المكتبات العامة ونشر الكتاب في الخارج من خلال المشاركة في المعارض والمناسبات الثقافية. وستحظى كتب الأطفال والشباب باهتمام خاص لما لها من تأثير على رفع نسبة القراءة والتوسّع في صناعة الكتاب وتسويقه. 

-2 تشجيع المطالعة في أماكن عامة محددة، مثل مكتبات المدارس والمكتبات العامة للترويج للكتاب ومؤلفيه، إدخاله إلى كل بيت، تذوّق متعة القراءة، ارتياد المكتبات بسلوكية منتظمة، ما يؤدي إلى وضع الكتاب في متناول أكبر عدد ممكن من القرّاء من شرائح عمرية مختلفة، إعطاء الأفضلية للنشاطات المتعلقة بالكتاب في أماكن لا يتوافر فيها عادة كالحدائق والساحات العامة والشوارع. 

-3 تبنّي مقاربة متنوعة نحو الثقافة من خلال التعريف بالإرث الثقافي، ورعاية أحداث ومناسبات أدبية وفكرية تعبّر عن الانفتاح على الحضارات العالمية. 

bull; والتمويل؟

- قبل إقرار التمويل، نساعد على تصويب المشاريع المقترحة، كي تتناسب أهدافها مع أهداف المشروع وكي تتوافق مع ملحق الجودة الخاص به. عندما يتوافر هذان المعياران في المشروع يعزز الأخير فرصه في التمويل.

وتتضمن لائحة الأولويات الشروط التالية: ألا تتعدّى موازنة المشروع الـ 15000 دولار، مشاركته في تحقيق التنمية المستدامة، استهدافه كتب الأطفال والأولاد والشباب التي تؤثر بالتالي على رفع نسبة القرّاء، تعزيزه صورة بيروت موقع للتبادل الثقافي والحوار، تمثيله نوعاً جديداً، تقديمه وتقييمه قبل آخر ديسمبر 2009.

أمّا آلية تأمين الحدّ الأدنى من الجودة فتتضمن: تعبئة استمارة الطلب كاملة، أن يتوافق المشروع مع أهداف laquo;بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009raquo; الثلاثة، مرونة تصحيحه، أن تكون موازنته معقولة، تقاسم التكاليف مع الوزارة.

bull; هل تتعاونون مع وزارات أخرى؟

- عقدنا اجتماعين مع وزارة التربية وخرجنا بتعميم مفاده، تدعيم قطاع الكتاب في بيروت من تأليف وإنتاج وتوزيع، وإعطاء الأولوية للإبداع وتشجيع الابتكار ورفع مستوى الطباعة والنشر بالوسائل المحليّة. كذلك تشجيع المطالعة، خصوصاً في المدارس والحدائق العامة والساحات ووسائل النقل، بالإضافة إلى التعريف بإرث بيروت الثقافي، مثلاً رعاية مناسبات ثقافيّة تعبّر عن الانفتاح على الحضارات العالمية، تحفيز التلامذة على المطالعة بزيارة إلى مكتبة المدرسة لانتقاء الكتاب الذي يريدون بأنفسهم، مزج متعة المطالعة بالمنهج الدراسي، الإعلان عن مسابقات ضمن المدرسة هدفها تشجيع الطلاب على تناول الكتاب، استقبال روائيين وشعراء ورسامين وغيرهم في المدارس، إقامة معارض للرسم، إعطاء شهادات تقديرية للأساتذة.

كذلك تدعم وزارة السياحة الكتب التي تعزز السياحة في لبنان مادياً. ناهيك عن دعم وزارة الإعلام في الاهتمام بالمشروع إعلامياً. وما زلنا على اتصال مع الوزارات الأخرى للتعزيز التعاون.

bull; المؤسسات الثقافية العربية، هل تساهم في مشاريع بيروت عاصمة للكتاب؟

- طبعاً، وأبرزها laquo;مؤسسة الفكر العربيraquo; التي تنظّم مشروع laquo;مؤتمر حول حركة التأليف والنشر في العالم العربي}. وتشارك في المؤتمر مجموعة من أبرز المفكرين والمثقفين العرب، إضافة إلى ممثلي الفاعليات والمؤسسات المعنية بهذه القضايا، وفي مقدمها laquo;اتحاد الكتّاب والأدباء العربraquo; و{اتحاد الناشرين العربraquo;. ومن المتوقع أن تصدر عن المؤتمر، إضافة إلى التوصيات، آليات عمل جديّة من شأنها تنشيط حركة التأليف والنشر في العالم العربي.

كذلك تنظم laquo;مؤسسة الدراسات الفلسطينيةraquo; بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية، مؤتمراً دولياً حول دور بيروت في الانفتاج الأدبي والفكري في موضوع الصراع العربي ndash; الإسرائيلي. ويهدف المؤتمر إلى إظهار مدى اهتمام الكتاب والمؤلفين في العالم بهذا الصراع، بالإضافة إلى الإضاءة على أهمية بيروت في الإنتاج الأدبي الذي يقع ضمن الإطار نفسه.

bull; أخبرينا عن النشاطات العربية التي يرعاها المشروع.

- ينظم laquo;ديوان أهل القلمraquo; بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية laquo;لقاء الأديبات العربيات مع بيروتraquo; (10-12 أكتوبر المقبل)، الذي يهدف إلى التعريف بنتاج المرأة العربية (أدبية، روائية، شاعرة)، عبر تحفيز الطالبات اللبنانيات على القراءة والاطلاع على نتاج المرأة العربية الأدبي.

يرتكز المشروع على استضافة 10 أديبات عربيات وتنظيم ندوات لهن في بعض الثانويات الرسمية، بالإضافة إلى احتفال ثقافي في قصر اليونسكو. أما المدعوات فهن: الشاعرة جميلة الماجري (رئيسة اتحاد الكتّاب التونسيين)، الأديبة كوليت خوري (المستشارة الأدبية في القصر الرئاسي- دمشق)، الأديبة والباجثة فاطمة العلي (الكويت)، الروائية بثينة مكّي (رئيسة رابطة الأديبات السودانيات)، الكاتبة إقبال بركة (مصر)، الأديبة المجاهدة زهور ونيسي (عضو المكتب الوطني- الجزائر)، الأديبة هدى النعيمي (قطر)، الكاتبة سحر خليفة (فلسطين).

وإنطلاقاً من دور لبنان الريادي في عالم صناعة الكتاب، تستضيف بيروت laquo;المؤتمر العربي لصناعة الكتاب وتقنيات الطباعة والنشرraquo; (13-14-15 مايو الجاري). أصرّ المنظمون: laquo;دار النهضة العربيةraquo; (بيروت) و{مؤسسة بيت الحكمةraquo; (بغداد) بالتعاون مع laquo;منظمة التنمية الإداريةraquo; في جامعة الدول العربية، على تنظيم هذا الحدث الفريد من نوعه في العالم العربي في بيروت لتكريس دورها المميز في صناعة الكتاب.

كذلك يتطرّق المؤتمر إلى الكتاب وطرق صناعته في العالم العربي، وما توصّلت إليه هذه الصناعة على مستوى التقنيات الحديثة في مجالات الصناعات الورقية والطباعة ومراحل الإنتاج بصورة عملية ونظرية، من خلال الاستعانة بخبرات ذوي الاختصاص التقني الحديث وبمشاركة المؤسسات اللبنانية الرائدة في المجال.

bull; ما هي الصعوبات التي ما زالت تواجهكم إلى الآن؟

- الاستمرار بتلقي المشاريع إلى الآن وقدماً يشكّل ضغطاً هائلاً علينا، لا سيما في ظل العمل على المشاريع المقترحة. عموماً، أعتقد أننا نواجه تحديات وليس صعوبات، وأبرزها أنه ليس بالأمر السهل أن ندعم قطاع النشر خلال سنة واحدة، لأن الهدف الأكبر يتمثّل في تحريك مسار التنمية الثقافية المستدامة وألا يقتصر هذا الحدث على الترويج والتسويق. بمعنى آخر الحفاظ على ما حققه المشروع وتطويره.

bull; رصدت الحكومة اللبنانية مبلغ 8 ملايين دولار للمشروع، هل تستطيعون إتمام المشاريع المقترحة كافة به؟

- لا، بالطبع، لكن كل ليرة نضعها في خدمة قطاع الثقافة في لبنان، يحظى المشروع بأضعافها من مؤسسات القطاع الخاص، والسفارات والمؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية، ما يؤكد على نجاح هدف laquo;بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009raquo; المتمثّل في استنهاض الشراكة.

bull; من شعارات المشروع laquo;بيروت تنافس مدن أخرى وبيروت تتنافس مع ماضيها عينهraquo;... هل تستطيع بيروت منافسة دبي مثلاً، لا سيما أن الأخيرة تحظى اليوم بدور نشر كثيرة، بالإضافة إلى اهتمامها الواسع بالقطاع الثقافي؟

- بيروت تتمتع بخاصيّة لا تتوافر في البلدان العربية كافة، وهي مساحة الحرية الواسعة، ما يؤدي إلى تنوع ثقافي وحضاري فيها. وتؤدي هذه المدينة بالنسبة إلى كتّاب وشعراء كثيرين دور الملهمة التي تحثّهم على المضي في الإبداع بلا قيود تمنعهم من التصريح بهذا الرأي أو ذاك، وتكبّل قلمهم عن البوح بما يختزنه من آراء حول مختلف المواضيع الثقافية والسياسية والاجتماعية...

bull; من ساهم من المثقفين اللبنانيين بإطلاق المشروع؟

كان د. ألكسندر نجار أحد أبرز الفاعلين في إطلاق laquo;بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009raquo;، فبعد أن قدّمت وزارة الثقافة وبلدية بيروت المشروع صاغ د. نجار الملف الخاص بالأخير على أكمل وجه.

بركات في سطور:

تحمل شهادتي دكتوراه، الأولى في السياسة الثقافية الفرانكوفونية نالتها من جامعة السوربون الجديدة في باريس، والثانية في إدارة القطاع العام من جامعة باريس 2 ndash; بانتيون أساس. كذلك عملت كمستشارة لعدد من الوزراء ورؤساء المؤسسات العامة في مختلف القطاعات لمدة تسع سنوات، وكأستاذة جامعية، ثم كخبيرة دولية في مشاريع ممولة من الإتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وتتولى الآن منصب المنسقة العامة لبيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009.

نشرت روايات ودراسات عدة