الغموض يحيط بمستقبل قلم رصاص

القاهرة -سعيد إبراهيم

19/05/2009

يبقي الإعلامي حمدي قنديل ظاهرة متفردة يندر تكرارها، كونه صاحب بريق وحضور قلما تأتى للآخرين من الإعلاميين، إلى جانب سياسة واضحة ومعروفة وثابتة، وجرأة في طرح قضايا الأمة العربية بشكل تسبب له في مضايقات عديدة، تمثلت في محاربة برنامجه الرائع وذائع الصيت quot;قلم رصاصquot;. ورغم أنه استطاع طوال الأعوام الماضية أن يحافظ علي بث البرنامج, ولكن ذلك كان على حساب أعصابه، لاعتبارات كثيرة تتعلق بالقناة التي تبثه علي شاشتها، خاصة أنه يصر على نفس مساحة الحرية والرأي والأفكار, التي كثيرا ما تصطدم مع توجهات وسياسات القنوات ودخولها في لعبة حسابات معقدة. وكان قنديل اختار قبل فترة قليلة قناة quot;الليبيةquot; الفضائية رغم العروض الكثيرة التي انهالت عليه بعد إيقاف البرنامج على قناة quot;دبيquot; في شهر ديسمبر الماضي، ليطل من خلالها على جمهوره العربي، عارضا له قضاياه ومشاكله وهمومه وأوجاعه، ورغم القمع المعروف عن ليبيا لحرية الصحافة، إلا أنه حصل على وعد بالمحافظة على سقف الحرية الذي ينشده.
وجاءت الصدمة الكبرى التي لم يتوقعها قنديل، وإن تنبأ بها العالمون ببواطن الأمور بإيقاف البرنامج بعد تقديمه ثلاث حلقات، ولم يطل الوقف برنامجه فقط بل امتد إلى وقف إرسال الفضائية على القمر الصناعي المصري quot;نايل ساتquot; ثم استعادته فيما بعد. وفي الوقت الذي ترددت فيه أنباء أن الرئيس الليبي معمر القذافي كان وراء إيقاف البرنامج بسبب تأميمه القناة، ترددت أنباء أخرى تؤكد أن استياء مصريا رسميا كان وراء ما حدث، خاصة بعد تناول قنديل في حلقته الأخيرة من البرنامج للتوتّر بين مصر وحزب الله. وبعد أن فوجئ قنديل بالقرار أكد في تقارير صحفية من مقر إقامته في الفترة الماضية في لندن، أنْ لا أحد في العالم العربي بات صدره متسعاً لحرية الرأي والتعبير، مشيرا إلى أنه لن يتوقف عن محاولة بث البرنامج من أي مكان أو قناة أخرى، ولفت إلى أنه حاول الاتصال مراراً بإدارة القناة ولم يحصل على أية إجابة تؤكد استمرارية البرنامج.
وفي الوقت الذي تضاربت فيه الأقوال حول الوجهة الجديدة التي سيتجه إليها قنديل بقلمه الرصاص، لم ينف قنديل أن مدير عام قناة quot;المنارquot; الناطقة بلسان حال حزب الله اللبناني عرض عليه تقديم البرنامج في القناة عقب الأزمة، ثم جدد العرض لاحقا خلال لقاء تم بينهما خلال مشاركتهما في فعاليات مؤتمر الإذاعات العربية في بيروت، وأنه أي quot;قنديلquot; أوضح أن قبول هذا العرض سابق لأوانه، نظرا لاستمرار تعاقده مع quot;الليبيةquot; المملوكة لسيف الإسلام معمر القذافي، وأكد أنه ينتظر أن تهدأ الأمور الداخلية في قناة quot;الليبيةquot; وانطلاقها في لندن، مؤكدا في الوقت نفسه على أنه لن يتنازل عن تقديم برنامجه باسمه ومحتواه.
يذكر أن حمدي قنديل كان رفض الالتحاق بقناة الجزيرة القطرية لعدم ثقته في سياسة الدوحة وهو ما صرح به في بداية عمله في quot;الليبيةquot;، وكانت الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي في لبنان أصدرت بيان تضامن مع برنامج quot;قلم رصاصquot;. وأوضح البيان أن الموضوع الذي تم طرحه ليس قضية ليبية داخلية بل هو قضية عربية مرتبطة بحرية الرأي والتعبير والقواعد الديموقراطية. وطالب البيان العقيد معمر القذافى بالتعويض المادي والمعنوي لقنديل، وفي موازاة ذلك كونت مجموعات من الشباب العربي مجموعات على الموقع الإلكتروني quot;فيس بوكquot; تناصر قنديل وتتعجب من ملاحقته بصورة وصفوها بالصبيانية، وأن حرية التعبير يجب أن تكون مكفولة للجميع وعلى المتلقي التقييم والتقدير، وأنه تناول بجرأة وشجاعة الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحاول من خلال صوته إيصال هموم كل المستضعفين والمقهورين من أبناء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وأشادوا بنقده الشجاع ومناهضته للسياسة الأمريكية العرجاء في الشرق الأوسط، كما أفاض عدد من أساتذة الإعلام في الحديث عن وقف البرنامج ومنهم الدكتور صفوت العالم الذي أكد أن الإعلامي في الدول العربية يتماشى مع النظام السياسي، مشيرا إلى أن المشكلة لا تنحصر في قنديل وحده فربما نجح قنديل في العثور على قناة للتعبير عن وجهة نظره ومواقفه السياسية، لكن هناك إعلاميين آخرين لا يجدون أي متنفس إعلامي، في حين أشار الإعلامي حمدي الكنيسي إلى أن حمدي قنديل إعلامي ناجح وذو خبرة كبيرة quot;لكن يبدو أن آراءه وإصراره على التمسك بوجهة نظره غالباً ما تقابل بالهجوم وسط الأجواء التي يعمل معها وتحكم عمله كإعلامي يؤدي دوره في عرض الحقائق بأمانة شديدةquot;.
وكان حمدي قنديل التحق بقسم الصحافة في كلية آداب القاهرة، وعمل في سوريا في بعض الصحف، حتى حصل على ليسانس الآداب عام 1960 ليعمل بعدد من الصحف في مصر منها دار quot;أخبار اليومquot; وquot;دار التحريرquot;، ليواصل بعد ذلك عمله الإعلامي كمعد ومقدم للبرامج السياسية في التلفزيون المصري منذ بدايته عام 1960 ومقدماً لنشرات الأخبار ومراسلاً عسكرياً، وقدم عددا من البرامج المتميزة منها quot;أقوال الصحفquot; الذي أذيع في الستينيات من القرن الماضي وحقق شعبية كبيرة، وعمل خلال رحلته مستشاراً إعلاميا للتلفزيون الأردني، والتلفزيون المغربي أيضا، وكذلك فضائيات MBC، وART الذي قدم به برنامجه rlm;بعنوان quot;مع حمدي قنديلquot;، وفضائية دريم2، حيث قدم على شاشتها برنامج quot;رئيس التحريرquot; الذي كان يذاع من قبل على التلفزيون المصري لكنه توقف لمضايقات رقابية، وهو ما أرجعه حمدي وقتها إلى قلة الحرية وحذف الكثير من مقدمة وخاتمة البرنامج مما كان يخل بالمضمون الذي يريد أن يقدمه، كما شغل قنديل منصب مستشار وزارة الإعلام بسلطنة عمان، ويعيش قنديل حاليا مع زوجته الفنانة نجلاء فتحي التي تزوجها عام 1992، حيث تعرف عليها عندما كان يجري حوارا معها عام 1991 وقت تغطيته لفعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.