رداً على استراتيجية التقارب الأمريكي - الإيراني

أحمد المرشد

23/05/2009

اجتهدت كثيراً لكي أتوصل إلى أسباب امتعاض الموقف الإيراني من لهجة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية رداً على احتمال حدوث تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، عندما قال: ldquo;سنتجاوب إذا تغيرت مواقف طهران ونطالب بدور عربي في ترتيبات حوارها مع واشنطنrdquo; . فدول مجلس التعاون الخليجي الست رفضت أن يكون التقارب بين واشنطن وطهران على حساب مصالحها، وعبّر العطية عن هذا الموقف الصارم والصريح عقب القمة التشاورية الحادية عشرة التي عقدت في الرياض مؤخراً رداً على سؤال حول موقف دول الخليج من التقارب، فقال: ldquo;نحن نؤمن بالحوار، إلا أننا نأمل ألا يكون أي حوار بين الدول على (حساب) مصالح دول المجلسrdquo; . وطبيعي أن يعترض الخليجيون على أي برنامج نووي خارج نطاق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأن هذا يشكل من دون شك تهديداً استراتيجياً وتهديداً عسكرياً لدول المنطقة .

هذا الموقف الخليجي اقترب منه تماماً وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، عندما طالب بضرورة مشاركة الدول العربية في أية ترتيبات أمنية أو سياسية مستقبلية، في حال نجاح الحوار الأمريكي - الإيراني، مؤكداً ldquo;أن الدول العربية على استعداد للتجاوب مع تغير في الموقف الإيرانيrdquo; . وكان أبو الغيط صريحاً عندما وصف الأداء الإيراني في المنطقة بأنه ldquo;مزعجrdquo; .

إذاً . . نحن كخليجيين على وجه الخصوص، وكعرب على وجه العموم، لسنا ضد مبدأ التقارب الأمريكي - الإيراني مقابل إعطاء إيران دوراً إقليمياً وإقناعها بالتخلي عن الشق العسكري في الملف النووي، فإيران دولة مهمة ومؤثرة، خصوصاً في منطقة الخليج العربي، ولكنها للأسف تحاول استغلال القضية الفلسطينية وقضايا أخرى لتكريس المصالح الإيرانية على حساب المصالح العربية، بل إضعاف الموقف العربي، رغم علم طهران أن العرب قادرون على الدفاع عن المنطقة العربية وعن مصالحهم فيما لو اتحدت رؤاهم . ويبدو أن المخاوف التي أعرب عنها العطية وأبو الغيط لامست فكر الإدارة الأمريكية، ووجدنا رسالة روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي إلى المنطقة من خلال زيارته إلى القاهرة والرياض، بأن واشنطن ليست لديها نية عقد صفقة سرية مع طهران على حساب دول المنطقة والعراق والتضحية بالعلاقات التقليدية بين الطرفين .

لقد أصابت رسالة جيتس الهدف وحملت تطمينات لدول المنطقة وبددت مخاوفهم نوعاً ما، خصوصاً عندما كشف عن أن أي حوار سيتطور ببطء على الأرجح إذا حدث أصلاً، مع ترجيحه عدم التوصل إلى رد إيجابي من جانب طهران، وهذا وفقاً لرؤيته الخاصة وخبرته الطويلة كمدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعمله في قضايا الأمن القومي الأمريكي منذ الستينات، ويكفيه أنه لاحظ -حسب تصريحاته في السعودية - أنه سبق وجرت تجربة تلك المساعي من قبل ولكن بلا طائل .

ورغم تأكيد جيتس أنه ليس هناك ما يدعو لقلق حلفاء الولايات المتحدة من أي تقارب مع إيران، الذي وعد بأن تكون واشنطن ldquo;واقعية مع طهرانrdquo; إذا رفضت مبادراتها، إلا أن ثمة بعض القضايا الخلافية بين دول الخليج وإيران، ليس أقلها أن امتلاك إيران للسلاح النووي يمثل تهديداً لأمن الخليج، رغم معارضة الخليجيين لفكرة توجيه ضربات عسكرية لإيران من جانب الولايات المتحدة أو ldquo;إسرائيلrdquo; بمشاركة حلف الأطلسي . فالمخاوف الخليجية ليست وليدة اللحظة، فخبرة دول المنطقة تسترجع إلى الذاكرة تطلعات إيران وطموحاتها الإقليمية في أن تكون الدولة الأكبر في المنطقة وصاحبة النفوذ الأقوى، وأمامنا تجربة الشاه ماثلة في الأذهان عندما أراد أن يكون شرطي المنطقة . وتكرر إيران في الوقت الراهن سياسات مشابهة لتلك التجربة الشاهنشاهية بإطلاق تهديدات متلاحقة عند أي مشكلة مع الغرب، بإغلاق مضيق هرمز والتلويح بضرب أهداف خليجية والقواعد الأمريكية في دول مجلس التعاون، من دون النظر لتداعيات هذه التهديدات على دول الخليج .

وللأسف الشديد، فعندما يتأسس الموقف الخليجي حيال إيران على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتبادل المصالح المشتركة، بما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي وحل أي مشكلات أو أزمات تهدد هذا الاستقرار، ترد إيران بالاعتراض على هذا الموقف التعاوني السلمي، بنظرة استعلاء مستمدة من تذبذب موقف الغرب منها، والذي يشبه أحياناً كمن يتعامل مع طفل ويخشى من رد فعله ويقوم بتدليله زيادة عن اللزوم تجنباً لإثارة غضبه وانفعاله .

هذا الطرح المتشائم لنا كخليجيين وعرب من نية الولايات المتحدة تدشين حوار سياسي مع إيران، له ما يبرره بالرغم من التغير الذي تشهده العلاقات الأمريكية - الإيرانية في بدايات عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خاصة مع تغييب لغة الحرب وعسكرة الأزمة، لتحل سياسة جديدة تتأسس على مبدأ الحوار كما سبق ونادت دول الخليج . فالتجارب تعلمنا عدم الركون إلى مواقف الدول الكبرى المعلنة وتصريحات مسؤوليها عندما تطأ أقدامهم عواصمنا .

وتأسيساً على ما سبق، فإن هواجس دول الخليج ليست بجديدة، وإن تسارعت مؤشراتها في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجية للتعامل مع تلك المعطيات الجديدة، وبلورة مشروع خليجي للأمن الإقليمي يتجاوز التباينات في رؤى دول المجلس بشأن الأمن، وبما يتسق مع خصوصية المنطقة وطموحاتها وليس بما يتوافق مع مصالح أية أطراف أخرى في ظل تعدد المشروعات الواردة من خارج المنطقة، والتي قد تطرح مستقبلاً، ومنها استعادة تجربة ldquo;إيران الشاهنشاهيةrdquo; .