ولادة متأزمة لاتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي

عبدالله صادق دحلان

24/05/2009


يرة نتيجة اختلاف النظم السياسية والاقتصادية المرتبطة إما بنظم سياسية قديمة أو نظم اقتصادية مرتبطة بأنظمة حكم قديمة مستمدة من نظم اقتصادية وسياسية عالمية انتهت في بلاد الجذور وتركها ساستها وما زال بعض أتباعها يتمسكون بها . هذا بالإضافة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية ترتبط ارتباطا قوياً بالعلاقات السياسية بينهم، والعلاقات السياسية عادة ما تكون جيدة في الظاهر ومضطربة في الباطن. ودون الدخول في التفاصيل السياسية التي لا أجيد الحوار فيها إلا أنني أطرح اليوم نموذجاً لأحد الآثار السلبية في العلاقات غير الاقتصادية على الأهداف والخطط الاقتصادية التي تسعى لها دول الخليج ورغم الخبرة الطويلة والجهد الكبير اللذين يبذلهما مجلس التعاون الخليجي سواء من جهة الأمانة العامة أو الهيئات الاستشارية أو القيادات الخليجية الوزارية المتخصصة ، إلا أنه وكما بدا لنا مؤخراً أن مجلس التعاون الخليجي بكل نجاحاته في بعض الأمور المشتركة بين دول الخليج إلا أنه لم يوفق بعد في توحيد وجهات النظر في القضايا الأساسية ولم ينجح في ترسيخ مبادئ الفصل بين الأهداف الأساسية لدول الخليج والمصالح الخاصة لكل دولة ، أو الفصل بين الأمور الشكلية والأمور الأساسية. وهذا ما يدفعني للمطالبة من مجلس التعاون الخليجي بضرورة العمل على وضع قائمة يعتمدها قادة دول الخليج العربي توضح طريقة التعامل مع القضايا الأساسية والقضايا الشكلية، وأجزم بأن هناك اتفاقيات وقواعد ونظماً ولوائح توضح هذه العلاقات إلا أنه أحياناً يتم تجاوزها أو تجاهلها أو تناسي هذه الاتفاقيات أو القواعد والنظم، أو أن هناك تفسيرات مختلفة لكل بند أو اتفاق عند اختلاف وجهات النظر. والحقيقة أشعر اليوم بخيبة أمل كبيرة نتيجة قرار انسحاب دولة الإمارات من اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي بسبب عدم اختيارها مقراً للبنك المركزي الخليجي وهو سبب في وجهة نظري الشخصية وكرجل أعمال خليجي غير مبرر ولا يعتمد على أسس اقتصادية للهدف الرئيسي وهو إنشاء وحدة نقدية خليجية. فالحوار والنقاش حول إنشاء الاتحاد النقدي الخليجي قد تم خلال أكثر من عشر سنوات وبموافقة جميع دول الخليج ثم تلاه انسحاب دولة عُمان لأسباب وجيهة ترتبط بعدم جاهزية النظام المالي والاقتصادي في دولة عُمان للانضمام لمثل هذا الاتحاد النقدي. وقد تفهمنا الأسباب جيداً وأعطينا لعمان العذر وقد تنضم إلى الوحدة إذا زالت الأسباب في يوم من الأيام . أما عذر الإمارات بالانسحاب لعدم اختيار دولة الإمارات مقراً للبنك المركزي فهو عذر غير مُقنع من حيث البعد الاقتصادي للاتحاد النقدي، وقد يكون له بعده السياسي لو لم يكن الاختيار قد وقع على إحدى العواصم أو المدن الخليجية الأخرى. وهنا أتساءل مع اختلاف أوجه الشبه ماذا لو تم اختيار المقر في دولة الإمارات العربية وقرر اتحاد دولة الإمارات أن يكون في إمارة أبو ظبي رغم مطالبة إمارة دبي بأن يكون المقر بها؟ وهل ستنسحب إمارة دبي من الاتحاد أو من التعاون مع الاتحاد النقدي الخليجي بسبب عدم اختيار إمارة دبي مقراً للاتحاد النقدي؟ والإجابة من وجهة نظري من المؤكد لا، وحيث إنني شخصياً أعتبر نفسي خليجياً وكل عاصمة أو مدينة خليجية هي مدينتي وأشعر بأنني من المعنيين بهموم وقضايا الخليج، ولهذا أطالب صناع القرار بضرورة العمل لتحقيق الأهداف الرئيسية المتفق عليها وتجاوز الشكليات ورغم أحقية دولة الإمارات وهي دولة صاحبة ثقل سياسي واقتصادي وتنموي في أن تحتضن إحدى المنظمات المنبثقة من مجلس التعاون الخليجي إلا أنني أتمنى عليها في نفس الوقت ألا يكون عدم تحقيق ذلك مدعاة للانسحاب من أهم اتفاقية عربية خليجية اقتصادية وهي اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي. وأجزم أن مضمون الاتفاقية وأبعادها وأهدافها وإيجابياتها أهم وأكبر من قضية بلد المقر التي كان التصويت عليها ديموقراطياً وبالأغلبية. ورغم أنه من الممكن عملياً ونظرياً قيام الاتحاد النقدي بأربع أو ثلاث دول خليجية إلا أن الإمارات كما أسلفت لها ثقل اقتصادي مهم جداً وهي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عربي وخليجي ووجودها يعطي للاتحاد النقدي الخليجي قوة ومتانة.
إن أصحاب الأعمال في دول الخليج وأنا منهم، يتطلعون إلى قياداتهم الخليجية بأن تكون قدوة لاتحاداتهم الاقتصادية في التضامن ووحدة الأهداف مهما اختلفت الآراء وإن الاختلاف على الشكليات دون التركيز على الأساسيات يعطينا صورة غير متفائلة لمجلس التعاون الخليجي فهل عمق العلاقات الثنائية بين القيادات الخليجية وقوة الروابط السياسية وتميز الدبلوماسية الخليجية تستطيع أن تتجاوز أزمة المقر؟ وعلى وجه الخصوص بعد الاتفاق على بنود الاتفاقية الأساسية؟ وهل الاقتراح بإعطاء الأولوية لتعيين رئيس الاتحاد النقدي أو البنك المركزي للعملة الخليجية من دولة الإمارات كبديل للمقر مقبول لدى دولة الإمارات؟ وهل الاقتراح الخاص بنقل مقر إحدى المنظمات الخليجية إلى دولة الإمارات من الممكن تحقيقه ؟ أو قد يكون مقترح إنشاء البرلمان الخليجي مستقبلاً في دولة الإمارات مقبول من القيادات الخليجية. والاقتراحات عديدة والأهم منها وحدة الصف الخليجي في جميع القضايا الأساسية وعلى وجه الخصوص القضايا الاقتصادية. وأنا متفائل جداً بتجاوز هذه الأزمة.