15/06/2009

المغرب: حزب الملك يستنسخ تجربة 26 سنة بطلاها البصري وبوعبيد

الرباط ـ القدس العربي

استنسخ المغرب في انتخابات بلدية جرت يوم الجمعة تجربة انتخابية عرفها قبل 26 عاما بالتمام والكمال، حيث احتل حزب وليد المرتبة الاولى بعدد المقاعد التي فاز بها والاصوات التي حصل عليها.
وحسب النتائج النهائية لاقتراع يوم الجمعة فاز حزب الاصالة والمعاصرة الذي يتزعمه فؤاد عالي الهمة الوزير السابق في الداخلية وصديق الملك محمد السادس بـ6015 مقعدا من بين 27 ألفا و795 مستشارا جماعيا بنسبة 21.7 بالمئة، منحه لها مليون و155 ألفاً و247 ناخبا من 6.8 مليون شاركوا في الاقتراع أي بنسبة 18.7 بالمئة.
ويوصف حزب الأصالة والمعاصرة شعبيا بالمغرب بأنه 'حزب الملك'.
واذا كانت هذه النتيجة اثارت قلق الاحزاب والاوساط السياسية من عودة الحياة السياسية المغربية الى ما كان يشوب حكم الملك الحسن الثاني، قبل توافقه مع الاحزاب الوطنية، من الهيمنة على المؤسسات المنتخبة عبر احزاب تصنعها السلطة وتتدخل لتصدرها هذه المؤسسات، فإن النتيجة هذه لم تكن مفاجئة، وكانت متوقعة منذ الاعلان عن تأسيس الهمة لحزبه في آب/اغسطس 2008.
ودفع ادريس البصري وزير الداخلية القوي في عهد الحسن الثاني، رئيس الحكومة آنذاك المعطي بوعبيد لتشكيل حزب الاتحاد الدستوري في نيسان/ابريل 1983 وخوض الانتخابات البلدية في 13 حزيران/يونيو من نفس السنة والفوز بالمرتبة الاولى من حيث المقاعد والاصوات التي حصل عليها.
الا ان استنساخ المشهد عرف تغييرات كثيرة لا زالت تبحث عن تفسير لمسبباتها، من بينها رعاية وزارة الداخلية لحزب المعطي بوعبيد من الفكرة والترويج لها الى الفوز بتزوير في النتائج، مقابل حرب معلنة بين الهمة والداخلية منذ بدء الاستعدادات للانتخابات اوصلت السيناريو الى اعلان الهمة قبيل بدء الحملة الانتخابية لانسحابه من صفوف الاغلبية الى مقاعد المعارضة.

رهانات الداخلية

رهانات وزارة الداخلية في عهد شكيب بن موسى تمحورت حول نسبة مرتفعة من المشاركة بعد عزوف الناخبين في تشريعيات 2007 وتأكيد مصداقيتها وحيادها وسير العملية الانتخابية من الحملة الى اعلان النتائج بدون اختراقات امنية وهو ما ابرزه بن موسى مساء يوم السبت في ندوة اعلان النتائج واعتبر أن نسبة المشاركة في الانتخابات والتي بلغت على الصعيد الوطني 52.4 في المئة، تعتبر ' مشجعة جدا'.
واعتبر أن هذه النسبة التي تمثل 7 ملايين وخمسة آلاف وخمسين ناخبا من أصل 13 مليونا و360 ألف مسجل في اللوائح الانتخابية، تعد 'جد مشجعة'، فيما ناهزت نسبة الأوراق الملغاة ناهزت 11 بالمئة وهي بالنسبة للمسؤول المغربي ضعيفة جدا مقارنة مع المسجلة خلال تشريعيات 2007 (37 بالمئة) وتوازي المسجلة في بلديات 2003.
وأبرز الوزير المغربي المكانة التي احتلتها المرأة في هذا الاستحقاق مقارنة مع استحقاق 2003، حيث تمكنت من الفوز بـ3406 مقاعد على الصعيد الوطني، أي بنسبة 12.3 في المئة مقابل 127 مستشارة خلال الانتداب الحالي.
وأضاف أن الشريحة التي لا يتجاوز عمرها 35 سنة حظيت بأعلى نسبة تمثيلية داخل فئة النساء (50 في المئة)، مبرزا الحضور المتميز للمنتخبات اللواتي تتوفرن على تعليم ثانوي أو عال (71 في المئة).
وأشار بن موسى إلى أن 10 آلاف و779 مرشحا أعيد انتخابهم (أزيد من 61 في المئة)، والى أن 18 في المئة من المنتخبين تقل أعمارهم عن 35 سنة، فيما يتوفر 51 في المئة من المنتخبين على مستوى تعليمي ثانوي أو عال. وقال الوزير إن العاملين في قطاع الفلاحة احتلوا مركز الصدارة بنسبة 29 في المئة، تليهم فئة الأجراء (18 في المئة)، والتجار (11 في المئة)، ورجال التعليم وموظفو القطاع العام (8 في المئة لكل من الفئتين).
كما تم تسجيل ارتفاع في نسبة الشباب، الذين تقل أعمارهم عن 35 حيث انتقلت من 16 في المئة في انتخابات 2003 إلى 18 في المئة خلال اقتراع 2009، مشيرا إلى أن هذا الارتفاع سجل في نسبة المنتخبين المتوفرين على مستوى تعليمي ثانوي أو عال، إذ ارتفعت من 46 في المئة سنة 2003 إلى 51 في المئة سنة 2009.
وأعلن الوزير بن موسى أن العدد الاجمالي للشكايات المتوصل بها خلال هذه الانتخابات بلغ 1767 شكاية، أي بمعدل ثماني شكايات لكل مئة دائرة انتخابية قررت النيابة العامة حفظ 1149 شكاية والمتابعة في 144 حالة وإرجاء المتابعات إلى ما بعد الإعلان عن النتائج في 33 حالة.
وأضاف أن نسبة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية مسألة تهم عمليا جميع بلدان العالم، وتستدعي مزيدا من التحليل والدراسة من قبل جميع الأطراف المعنية من أجل الخروج برؤية واضحة تهدف إلى تحسين هذه النسبة في المدن الكبرى.
وأضاف الوزير أن هذه الانتخابات عرفت مشاركة 30 حزبا سياسيا وتحالف سياسي واحد إضافة إلى مرشحين مستقلين، وأن أكثر من 130 ألف مرشح، بزيادة 7 بالمئة مقارنة مع استحقاق 2003، خاضوا غمار هذا الاقتراع للتباري على ما يقارب 28 ألف مقعد في مجموع التراب الوطني.
وحصلت ثماني هيئات سياسية على 89.3 في المئة من عدد المقاعد المتنافس عليها، كما نالت 84 في المئة من الأصوات المعبر عنها واحتل حزب الأصالة والمعاصرة المرتبة الاولى بـ6015 مقعدا (21.69 بالمئة)، مليون و155 ألفا و247 صوتا (18.7 بالمئة)، متبوعا بحزب الاستقلال بـ5292 مقعدا (19 بالمئة)، مليون و22 ألفا و662 صوتا (16.57 بالمئة)، ثم التجمع الوطني للأحرار بـ4112 مقعدا (14.8 بالمئة)، 802 ألف و631 صوتا (13 بالمئة) والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصل على 3226 مقعدا (11.63 بالمئة)، 667 ألفا و986 صوتا (10.82 بالمئة)، بينما حازت الحركة الشعبية على 2213 مقعدا (7.98 بالمئة)، 488 ألفا و814 صوتا (7.92 بالمئة)، وحزب العدالة والتنمية على 1513 مقعدا (5.45 في المئة)، 460 ألفا و774 صوتا (47.7 بالمئة)، والاتحاد الدستوري 1307 مقاعد (7. 4 بالمئة) 317 ألفا و509 صوتا (5.14 بالمئة) وحزب التقدم والاشتراكية على 1102 مقعد (3.97 بالمئة) 261 ألفا و778 صوتا (4.24 بالمئة).
واكد محمد الشيخ بيد الله الأمين العام لحزب الأصالة المعاصرة أن النتائج التي حصل عليها الحزب 'تعكس الواقعية التي اعتمدها في حملته الانتخابية'.
وقال بيد الله 'نحن الحزب الأول على الصعيد الوطني في ما يتعلق بالأصوات وعدد المقاعد وهذه المعطيات تبين بأننا تعاملنا مع الحملة الانتخابية بشيء من الواقعية'.
وأضاف أن الحزب قدم رجالا ونساء من الذين لهم إشعاع محلي واكتسبوا ثقة المواطنين، ومن بين مجموعة المرشحين الذي تقدموا باسم الحزب هناك 9000 مرشح ومرشحة جدد، 80 في المئة منهم يتقدمون للانتخابات لأول مرة.
وسجل حزب الاستقلال 'بارتياح التطور الملحوظ' في عدد المقاعد التي حصل عليها لأن من شأن ذلك تعزيز مكانة الحزب في الخريطة الجماعية.
وقالت اللجنة التنفيذية للحزب، في بلاغ أن هذه الاستحقاقات لن تنتهي إلا بتشكيل مكاتب المجالس المنتخبة، مؤكدة أن الحزب يتطلع الى أن تفرز هذه العملية مجالس محلية قادرة على الارتقاء بالتدبير المحلي.
واعتبر عباس الفاسي الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة أن النتائج التي حصل عليها حزبه 'نتائج مهمة'، والأهم هو 'انتصار الديمقراطية' إن الحزب قدم 'مرشحين شبابا ووجوها جديدة، دون أن يفرط في الوطنيين القدامى'. ووصف مصطفى المنصوري رئيس التجمع الوطني للاحرار النتائج التي حصل عليها حزبه بأنها'إيجابية جدا' وقال إن 'هذه النتائج الطيبة تعد ثمرة العمل الجاد للحزب والجهود التي بذلها التجمعيون منذ شهور استعدادا لهذا الاقتراع'.
وسجل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تقدما في الانتخابات قياسا مع تشريعيات 2007 التي اصيب بها بنكسة قوية الا ان عبد الواحد الراضي الامين الاول للحزب قال أنه على الرغم من 'كون نتائج الاستحقاقات الجماعية إجمالية، فإنه يتعين التوفر على التفاصيل ودراستها، لكي يتم الخروج بتصور متكامل' حول هذه الانتخابات. وأعرب الامين العام للحركة الشعبية عن ارتياح 'نسبي ' للنتائج التي حصل عليها حزبه خلال الانتخابات. وقال محند العنصر 'نحن مرتاحون نسبيا' للنتائج التي حصلت عليها الحركة الشعبية ، 'نظرا لكوننا استطعنا تحسين ترتيبنا بفضل نسبة التغطية التي قام بها الحزب على صعيد التراب الوطني'.

استباق النتائج

واستبق حزب العدالة والتنمية اعلان النتائج ببلاغ عن خروقات جسيمة قال انها شابت العمليات الانتخابية، مؤكدا أن عددا من المناضلين لاحظوا وتابعوا وضبطوا خروقات بالجملة كانت السمة البارزة في هذه الاستحقاقات، ومنها: اللجوء المكثف إلى استخدام المال لشراء أصوات الناخبين بالعديد من الدوائر، اللجوء لاستخدام العنف ضد مناضلي العدالة والتنمية، منع بعض المناضلين والمتعاطفين من الالتحاق بمراكز الاقتراع، استخدام وسائل النقل الجماعية لنقل الناخبين وتوجيه تصويتهم، التضييق على ممثلي لوائح الحزب، تدخل بعض أعوان السلطة لفائدة مرشحين آخرين، قيام بعض المرشحين بالدعاية لأنفسهم يوم الاقتراع على مرأى ومسمع من السلطات المحلية، امتناع السلطات المحلية عن تلقي شكايات المواطنين بشأن الخروقات الانتخابية... كما حمل الحزب كامل المسؤولية للسلطات عن أي اختلال يطعن في مصداقية الانتخابات.
ووصف عبد الاله بن كيران الأمين العام للحزب نتائج الانتخابات بـ'العادية'، وقال إن حزب العدالة والتنمية احتل المرتبة السادسة من حيث النتائج التي تم الإعلان عنها رسميا اليوم، 'لأنه اختار تغطية ثلث الدوائر الانتخابية فقط' وأضاف أن الحزب حافظ على مكانته في المدن التي كان قد حقق فيها نتائج جيدة في الانتخابات الجماعية 2003.
وقال بن موسى ان حزب العدالة والتنمية احتل المرتبة الاولى في التنافس القائم على اللائحة اي في البلديات التي يفوق فيها عدد السكان 25 الف نسمة.
ويحتل حزب العدالة والتنمية الاصولي المعتدل المرتبة الثانية في مجلس النواب كما حصل في تشريعيات 2007 على المرتبة الاولى من حيث الاصوات المحصل عليها.
وأعرب حزب التقدم والاشتراكية عن عدم رضاه عن النتائج التي حصل عليها وقال اسماعيل العلوي الامين العام للحزب إن الموقع الذي احتله الحزب 'لا يرضينا'، وأن ما حصل خلال هذه الاستحقاقات لا يختلف عن سابقتها.
وأشار العلوي إلى أن ثلثي المواطنين (نحو 7 ملايين) ساهموا في العملية الانتخابية من أصل 13 مليونا مسجلين في اللوائح الانتخابية فيما فضل الباقون 'البقاء في موقع المتفرج' مشيرا إلى أن عملية الدمقرطة لها 'عدوان اثنان هما الجهل والفقر'.
واعتبر العلوي أن هذا الموقف 'يهدد المسار الديمقراطي فيه نوع من التخاذل لأنه يتعين على المواطن المشاركة في الانتخابات إذا كان يرغب في التغيير'.
ووصفت جماعة العدل والاحسان اقوى الجماعات الاصولية المغربية الانتخابات في البلاد بالعملية العبثية وان نبرة وزير الداخلية في اعلان نسبة المشاركة 'نبرة يكاد المريب فيها أن يقول خذوني'.
وقال فتح الله رسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة شبه المحظورة والتي تدعو لمقاطعة الانتخابات 'لن ندخل في مناقشة حقيقة هذه النسبة، ولا سياق الوتيرة غير الطبيعية لارتفاعها والتي جاءت متعارضة تماما مع الضعف الشديد في الإقبال على الصناديق'.
واوضح رسلان ان 'النسبة المعلنة تم احتسابها فقط من المسجلين في اللوائح الانتخابية الذين وصلوا، حسب التصريح الرسمي إلى 13 مليونا مسجلين، وهذا فيه تجاهل مقصود لكل الكتلة الناخبة التي تقدر بـ20 مليون ناخب. وبهذا يكون الذين قاطعوا الانتخابات حقيقة حوالي 13 مليون مواطن وليس فقط 6 ملايين مما يجعل النسبة الفعلية 33 بالمئة وإذا أضفنا نسبة الأصوات الملغاة فلن تصل إلى 30 بالمئة في أحسن الأحوال.
وقال 'وقف الجميع على مستوى التردي، غير المسبوق، الذي وصلت إليه الممارسات المشينة للعدد الهائل من المرشحين، وتجلى ذلك في ارتفاع نسبة الجرأة في شراء الأصوات واستغلال حاجة الناس والاستعمال الواسع للعنف ومحاولة سرقة الصناديق.
وهي نفس الأجواء التي انطلقت بعد بداية الفرز حيث نشطت حركة شراء الفائزين واحتجاز البعض الآخر مخافة شرائه.'
وقال الناطق باسم الجماعة في اشارة الى انتخابات تكوين مجالس الجماعات المنتخبة 'بعد هذا مباشرة سيبدأ المسلسل المعتاد في جني الأرباح، لأن من اشترى الأصوات لن يكون له من هم إلا استرداد ما استثمر والزيادة عليه بالأضعاف المضاعفة، والتي لن تكون إلا كما كانت من المال العام ومن جيوب الشعب وعلى حساب مصالحه. والحصيلة مزيد من التردي والبؤس والاحتقان.'
وقال 'هذا هو العبث الذي قاطعناه وقاطعته غالبية الشعب المغربي، ولا نملك مرة أخرى إلا أن نتساءل: ألا يشكل هذا درسا مرا إضافيا كافيا للتراجع عن هذا العبث ووقف النزيف.'
وبدأت منذ اعلان النتائج معركة انتخاب مكاتب المجالس بحكم أنها ستحدد الفرق التي ستتكفل بالتسيير الفعلي واليومي لشؤون المواطنين وهي معركة اشد شراسة وتلعب فيها التدخلات والاموال والنفوذ الدور الاساسي كما اتخذت الاحزاب قرارا بالتحالف الاقليمي دون شرط الالتزام بالتحالفات السياسية المركزية.
وعبر بن موسى عن الأمل في أن تمر المرحلة المقبلة في نفس الاجواء التي طبعت اقتراع الجمعة، وأن تسفر عن 'أغلبيات منسجمة وعن قدرات وكفاءات قادرة على تشكيل السند لبناء جماعة الغد قصد الاستجابة لتطلعات وانتظارات المواطنين'.