معضلة أمريكا مع طهـران


محمد كريشـان




تياران يتجاذبان حاليا الطبقة السياسية الأمريكية بخصوص الوضع في إيران ربما يكون أفضل من عبر عنهما مسؤولان أمريكيان سابقان في نفس البرنامج التلفزيوني على شبكة 'سي أن أن' الإخبارية، فقد قال مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بول ولفوفيتز إن 'على الأمريكيين مساعدة الشعب الإيراني وأنا أتفهم أن علينا أن لا نتصرف بطريقة يفهم منها أن المعارضة الإيرانية تحركها أدوات أمريكية، ولكن المعارضة الإيرانية تريد دعماً من العالم، وعلى الرئيس الأمريكي مساعدة المعارضة وأن يلمح لمير حسين موسوي أنه مستعد للاتصال به إذا أراد هو ذلك'.
أما ميشيل سشاوير مدير وكالة المخابرات الأمريكية السابق فقال إن ولفوفيتز وأمثاله يريدون إسقاط النظام الإيراني وهم مهتمون بهذا الأمر ويريدون من الشباب الإيراني أن يخرج إلى الشوارع وينشر كل ما يحدث على الإنترنت، مضيفا أن على بلاده ألا تتدخل بالشأن الإيراني خاصة وأن الرئيس أوباما لم ينبس ببنت شفة عند العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، خالصا في النهاية إلى القول إن 'الولايات المتحدة لا ينقصها مزيد من الحروب، وعلينا عدم التدخل في الشأن الإيراني، ومن الجنون نشر مبادئنا هناك لأن ذلك سيؤدي إلى خراب إيران'.
بين هذين الرأيين يتحرك أوباما بحذر شديد إذ اعتبر البيت الأبيض في آخر مواقفه الاثنين تجاه ما يجري في إيران عن أسفه لما وصفه بالطريقة غير العادلة التي يتم التعامل بها مع الشعب الإيراني، وذلك بعد الدعوة التي وجهها الرئيس أوباما السبت الى حكومة طهران' لكي تضع حدا للعنف والظلم'.
ومع أن المتحدث الأمريكي لم تفته الإشارة إلى ما وصفه بتأثر الرئيس بشجاعة المتظاهرين لا سيما النساء منهم، إلا أن ذلك لم يوضح بشكل حاسم الموقف الذي قد يكون استقرت عليه الإدارة الأمريكية بعد أيام طويلة وثقيلة من الحذر الشديد في الحكم على ما يجري في الشوارع الإيرانية.
واشنطن ما زالت محتفظة بدعوتها للحوار مع طهران ولذلك فهي لا تريد أن يؤدي أي موقف منها إلى التحجج به لرفض ما سمي بيد أمريكا الممدودة إليها ولكن في ذات الوقت لا يمكن لواشنطن أن تتسامح كثيرا في وصف ما يجري في إيران حتى لا تتهم بمنافقة قادة طهران ثمنا لحوار لم يبدأ بعد وغير مضمون النتائج.
الخيط الرفيع للغاية الذي يسير عليه أوباما حاليا في متابعة أحداث إيران هو أهون الأشرار ولكن لا ضمان لاستمرار هكذا موقف سوى أن تتوقف المصادمات في أقرب وقت ممكن. أما استمرارها أو تصاعدها المحتملان فسيجعلان واشنطن في موقف محرج للغاية تضطر معه للميل لأحد خيارين: فإما الوقوف بقوة مع الحركة الاحتجاجية مع ما يعنيه ذلك من قطع شعرة معاوية مع الحكم في طهران مع إلصاق شبهة الولاء لأمريكا للمحتجين وإما المحافظة على برود ما في المتابعة مع ما يعنيه ذلك أيضا في نظر البعض من خيانة للتواقين للتغيير في إيران ومن خسارة هؤلاء إذا ما تطورت الأحداث لاحقا وصارت لهم الغلبة بشكل أو بآخر.
خيار صعب أمام واشنطن وهي تعمل الآن قدر الإمكان على موصلة اللعب بالكلمات الموزونة بدقة متناهية لتجنب الحسم المؤلم، أو الذي لم يحن أوانه بعد، مما يجعل أوباما ربما الأكثر إبتهالا إلى الله لانتهاء أحداث إيران، ربما أكثر من مرشد الثورة نفسه!


23/06/2009