06/08/2009

إيران: من جمهورية إسلامية إلى ديكتاتورية عسكرية

هدى الحسيني



ثبّت المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي رسميا فوز محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية، قائلاً: laquo;أنا أقر رئاسة هذا الرجل الشجاع المجتهد الحكيم لجمهورية إيران الإسلاميةraquo;. لكنه قال أيضا: laquo;هناك المنافسون الغاضبون المجروحون الذين سيتصدون في السنوات الأربع المقبلة للحكومة، وهناك من لديهم مواقف منتقدة لكنهم ليسوا أعداء للرئيس ويجب أخذ وجهات نظرهم في الاعتبارraquo;.

رغم شعوره الحتمي بالأمان بسبب دعم خامنئي له، إلا أن أحمدي نجاد سيواجه الكثير من المشاكل، وبدأ التحدي له في الأسبوع الأخير قبل تثبيته. فقد أراد أن يُظهر أنه ليس مجرد منفذ لأوامر المرشد، وبالتالي لا يتردد في القضاء حتى على حلفائه ليثبت ذلك. وكان خامنئي شعر بالخطر من قوة فعل المظاهرات المستمرة، وبدأ يعدل من موقفه تجاه جنوح أحمدي نجاد، وكان أول موقف سلبي من خيارات الأخير، عندما طلب منه المرشد إقالة اصفنديار رحيم مشائي.

في القيادة كثيرون لا يستسيغون أحمدي نجاد، فالتقطوا طلب المرشد هذا كي يشنوا الهجوم على أحمدي نجاد الذي دعته إحدى الصحف إلى laquo;التحكم بأعصابكraquo;، عندما طرد وزير الأمن غلام حسين محسني، وتلا ذلك استقالة وزير الثقافة محمد حسني سفر هارندي.

وحسب مصدر إيراني مطلع، فقد طرد أحمدي نجاد وزير الأمن بعد مشادة بينهما في اجتماع لمجلس الوزراء بسبب تعيينه لمشائي كنائب للرئيس. ويبدو أن هناك أسبابا أخرى للتوتر بين الوزير والرئيس، إذ على الرغم من أن وزير الأمن من المحافظين المتشددين، إلا أنه كان يعارض بث اعترافات المعتقلين من المتظاهرين على الهواء، بينما أحمدي نجاد هو من قرر هذا الأمر.

ويضيف المصدر، أنه خلال جلسة أخرى للوزراء، تحاجج أحمدي نجاد مع وزير الثقافة سفرهارندي أيضا بسبب تعيين مشائي، ووصلت الأمور إلى حدها بينهما، فغادر أحمدي نجاد الاجتماع طالباً من مشائي رئاسته. أثار هذا غضب عدد من الوزراء الذين رأوا في هذا التصرف إهانة لهم، فخرجوا بدورهم من الاجتماع. وفي الجلسة التالية، قيل لوزير الثقافة بأنه ممنوع من حضور أي جلسة للوزراء بوجود أحمدي نجاد، فقدم استقالته فوراً.

ظل أحمدي نجاد يقاوم طلب المرشد بإقالة مشائي مدة سبعة أيام. مع الاستقالة والإقالة، أرسل 250 نائبا رسالة إلى خامنئي عبروا فيها عن رفضهم لأساليب أحمدي نجاد، الذي عاد واستغنى عن مشائي.

فوجئ كثيرون بهذا التحدي غير المسبوق، خصوصا أنه احتاج لسبعة أيام للاعتراف بسلطة المرشد الأعلى، إلى درجة أن صحيفة laquo;كيهانraquo; المتطرفة، وكانت دائما تدعم أحمدي نجاد، خرجت وعلى صفحاتها هجوم قاس عليه.

يمكن تسمية هذا التطور laquo;اهتزازات ما بعد الهزةraquo;، وسيسبب شرخا إضافيا في النظام، خصوصا بين المتشددين. أيضا لم يأمر خامنئي، أحمدي نجاد بإبعاد مشائي فقط بسبب تصريحه حول إسرائيل، بل لأن رجال دين كثيرين يرفضون مشائي، وعلى الرغم من أن خامنئي يحاول تقليص سلطات رجال الدين، غير أنه يختار معاركه معهم بدقة، وأدرك أن إثارة رجال الدين بسبب مشائي لا تصب في مصالحه، مع قلقه من أن علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مصلحة تشخيص النظام يتطلع إلى زيادة التصدع في إدارة خامنئي، وهو لا يريد توفير فرصة التشفي به لغريمه.

إن إيران لن تبقى كما كانت قبل الانتخابات، إنما ليس معروفا اتجاهها. قبل سنتين، وخصوصا بعد الحرب في أفغانستان والعراق، كانت إيران موجودة وتضج في كل المنطقة. الانتخابات التي جرت فيها، أصابت ارتداداتها النظام نفسه، ففاجأته وأضعفت دوره في المنطقة.

ولأن إيران تشعر بهذا الضعف وبأن شرعية النظام أصيبت أيضا، فقد لا تكون مستعدة للحوار مع الغرب وتشعر بأن ما ينقذ النظام الآن هو حصوله على السلاح النووي.

يقول لي ديبلوماسي غربي، إن هناك خيارات محددة أمام الإدارة الأميركية والغرب: الشروع في التفاوض الديبلوماسي بمساعدة الصين وروسيا لدفع إيران إلى التخلي عن البرنامج النووي، عدم سحب الخيار العسكري عن الطاولة رغم نتائجه السيئة جدا، أو التفكير إذا لم يستطيعوا وقف إيران عن ذلك البرنامج، بكيفية إدارة إيران نووية.

ويعترف محدثي، بأن النظام ارتكب خطأ جسيما بتزوير الانتخابات والإسراع في إعلان النتائج، لقد ألغى كل ادعاءاته السابقة بأنه دائما يترك منفذا للديموقراطية، وهذا على المدى البعيد نوعاً ما، سيضعفه حتى لو استمر في حملة المطاردات والقمع. laquo;باختصار لم تعد إيران القوة التي لا يمكن الوقوف في وجهها بالمنطقةraquo;.

وعلى هذا يرد المصدر الإيراني: laquo;إن على الغرب الآن أن يراقب من سيختار أحمدي نجاد كوزير للخارجية، فإذا أبقى على منوشهر متقي، سيعني ذلك أن الرئيس سيلتفت إلى الشأن الداخلي لأنه لا يشعر بتهديد تجاه سياسته الخارجية. إن بقاء متقي في وزارة الخارجية تثبيت لبقاء الوضع الراهنraquo;.

ويضيف: laquo;أما إذا ذهب متقي وجاء مكانه سعيد جليلي، المكلف حاليا بالملف النووي الإيراني، فعلى الغرب أن يتوقع مرحلة متوترة جدا من العلاقات مع إيران، وينسحب هذا أيضا على موجتبا هاشمي ساماري الذي يعمل المساعد الأول لأحمدي نجاد. الاثنان من المتشددين الرافضين لأي تسوية تتوصل إليها إيران مع الغرب.

يقول لي مصدري الإيراني: laquo;على أحمدي نجاد عدم الاستخفاف بدور المجلس، فهذا تعب من عادة طرده للوزراء (11 وزيرا من أصل 21)، وقد يعمل على رفض بعض من سيعينهم في الحكومة المقبلةraquo;. ويضيف: laquo;الأهم في هذا ألا يأخذ دعم المرشد الأعلى له، كتحصيل حاصل، فهو تلقى دعم خامنئي، لكنه لا يتمتع بالسلطة القصوى، فإذا استمر بسياسته المنفردة والتقسيمية، يمكن عندها للمرشد إقالتهraquo;.

عند تثبيت أحمدي نجاد، أظهر التلفزيون الإيراني الرسمي كيف أن المرشد منع، وعن قصد، الرئيس من تقبيل يده كدليل على الولاء ، فانتهى أحمدي نجاد وبطريقة غير المستعد لذلك، بتقبيل ثوب خامنئي عند الكتف.

وأسأل محدثي الإيراني: إذن، هل سيبقى أحمدي نجاد رئيس بعد سنة من الآن؟ يجيب: laquo;من الصعب معرفة ذلك، فالمشاكل التي واجهها في الأيام الأخيرة ستؤدي حتما إلى مواجهته مشاكل أكثر عند تشكيل حكومته، وكونه تسبب بكثير من المشاكل لإيران مع الخارج والآن في الداخل، فمن المحتمل أن يواجه مشاكل مع النواب فيطالبون بإعادة الانتخابات الرئاسية، وعندها قد يقبل المرشد، خصوصا أن المجلس يسيطر عيه المتشددونraquo;.

لقد عاد القمع والإرهاب إلى إيران أسوأ مما كان في زمن الشاه. فالمتظاهرون المسالمون يتعرضون للقتل والضرب والاعتقال والإذلال. وأقرباء المتشددين قُتلوا تحت التعذيب في السجون. لا حرية تعبير، حرية الصحافة ممنوعة، الفساد متفشٍّ ولا عدالة اجتماعية أو اقتصادية. وسط كل هذا، أعلن عدد كبير من رجال الدين أن حكومة أحمدي نجاد غير شرعية وتحدوا سلطة خامنئي كمرشد أعلى.

بعد تسلمه الرئاسة لولاية ثانية، لن تتوقف المظاهرات، فالإيرانيون لم يضحوا بحياتهم من أجل ثورة، لتُسرق حريتهم. وإذا استطاع النظام قمع المظاهرات، فإنه لا يستطيع كم أفواه المنتقدين من رجال الدين. ثم إن النظام فقد مصداقيته لدى الشارع الإسلامي خارج إيران، الذي لن يصدق ما قاله خامنئي أثناء تثبيت أحمدي نجاد، بأنه فاز باسم laquo;المقاومة في مواجهة القوى المهيمنة النزعةraquo;، أو من أجل laquo;مكافحة الفساد والتمييز والارستقراطيةraquo;.

لقد كشفت وحشية النظام تجاه المتظاهرين والمعتقلين عن وجهه البشع.

قال لي الدكتور حسين عسكري أستاذ الأعمال والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن: laquo;لا تستطيع الحكومة الادعاء بأنها شرعية، قد تستمر لفترة، إنما ليس كجمهورية إسلامية، بل كديكتاتورية عسكرية. يمكن لخامنئي البقاء كقائد أعلى لهذه الديكتاتورية، لكن أغلبية الإيرانيين لن يقبلوا بشرعية رئاسة أحمدي نجادraquo;.

ويضيف: laquo;بعد 35 سنة من حكم الشاه، معظمها كان قمعيا، وقبل سقوطه أظهر شجاعة الاستسلام لإرادة الشعب وتجنب المزيد من سفك الدماء. للأسف، لا يبدو أن المرشد الأعلى وأحمدي نجاد سيسيران على خطاهraquo;.

صار عمر الثورة الإسلامية ثلاثين سنة، فهل نتوقع خمس سنوات أخيرة من اصطدامات دموية في الداخل، خصوصا أن الحرس الثوري والباسيج لن يتخلوا بسهولة عن الامتيازات وسيقتلون الشعب للبقاء في السلطة؟ أم إن خامنئي نفسه، من أجل حماية الثورة يستقيل مفسح المجال لمرشد جديد؟

أراد أحمدي نجاد إيصال المنطقة والعالم إلى فوهة البركان، فإذا به يوصل إيران إلى ذلك المصير، فأصبحت كل الاحتمالات هناك واردة.