مفاهيم خاطئة تؤخر المسلمين

عبد الحميد الأنصاري


هذا عنوان لكتاب قديم من تأليف الدكتور أحمد شوقي الفنجري، يتحدث فيه عن قضايا ومفاهيم خاطئة انتشرت بين المسلمين وشملت كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، ابتداءً من نظام الحكم والمعاملات إلى موقفهم من الحضارة والعلم إلى نظام الأسرة إلى مكانة المرأة في الإسلام... بحيث إذا أردنا الخروج من حالة التخلف والهوان، كما يقول المؤلف، فلابد من المصارحة وكشف الأسباب والأخطاء دون أدنى تردد أو مجاملة أو استحياء. وفي مقدمة كتابه، يقول الفنجري إن هدف البحث الأساسي هو خدمة الإسلام وإنقاذه من أي انحرافات أو أخطاء في الفكر والتطبيق ثم السير به في انطلاقة عصرية نحو حضارة القرن الـ21. كما يؤكد أن هدفه، النقد النزيه الذي هو هدف كل مفكر مسلم غيور على دينه ويريد الإصلاح ما استطاع. ويرى أن كتابه، نقد للأفكار والتعاليم المضللة، وليس نقداً للأفراد أو الفقهاء أو الحكومات أو المؤسسات.


يتناول المؤلف قضية الفتاوى الخاطئة وخطورتها على الإسلام والمسلمين، وبخاصة فتاوى التحريض والتكفير، فهي أساس التطرف وباعثة على انتشار العنف في علاقات المسلمين فيما بينهم، كعلاقة السنة بالشيعة، وعلاقة المسلمين بأصحاب الديانات الأخرى، بحيث أصبح العالم يتصور أن الإسلام دين عنف وكراهية.

ويدلل المؤلف بالفتاوى التي ترفض الديمقراطية وتقول إنها نظام مستورد من الغرب ومناهض للإسلام، رغم أن الإسلام أول من نادى بالشورى. ومنها في الاقتصاد تلك التي تحرم نظام البنوك والفوائد والأسهم والسندات والقروض، علماً بأن الاقتصاد من أهم عناصر الاستقرار والرخاء، والاقتصاد العالمي مبني على دراسات علمية لأكبر العقول الاقتصادية. ومنها أيضاً تلك الفتاوى التي تحرض على عزل المرأة عن كل نشاط وحرمانها من العلم والعمل وإخفائها كلياً، بينما كانت المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تعمل في الجيش والقضاء والتمريض وتناقش قضايا الحرب والسلم. ومن ذلك أيضاً، فتاوى تحريم الفن والموسيقى والغناء، حيث يعمد الشباب المضللون إلى إشعال المسارح ودور السينما ومحلات الفيديو والمقاهي ويحطمون التلفزيونات.

ومن تلك الفتاوى الخطرة، فتاوى تحريم الاختلاط، فقد كان بعض شباب الجماعات الدينية يقتحمون مدرجات الجامعة لفصل الطلاب عن الطالبات. ومنها أيضاً فتاوى تحريم السياحة، إذ كانوا يترصدون بالسياح ويقتلونهم أو يخطفونهم أينما وجدوا، وفيهم الأطفال والنساء والعجزة، وقد يصل الأمر إلى المذابح الجماعية دون رحمة.

ثم ينتقل المؤلف إلى قضية أخرى تعوق تقدم المسلمين، وهي العلاقة بين الأمة الإسلامية والحضارة الغربية الحديثة، ويرصد في الساحة 3 اتجاهات: الأول، يرى أن تخلف المسلمين يعود إلى تساهلهم وتراخيهم في تطبيق الشريعة، وأن المطلوب مزيد من التزمت والصرامة. فكم مرة سمعنا الخطباء يعلنون أن تخلف المسلمين وهزائمهم أمام إسرائيل سببها تبرج المرأة المسلمة، ثم يتحدون قائلين: امسكوا نساءكم وأعيدوهن إلى البيت ونحن نضمن لكم الانتصار على إسرائيل وما هو أقوى منها! وعلى العكس من ذلك يقول الاتجاه الثاني إن المسلمين لا يمكنهم التقدم إلا دون الاقتداء بأوروبا في فصل الدين عن الدولة. أما الاتجاه الثالث فيرى إمكانية الجمع بين الإسلام والعلوم العصرية في بوتقة واحدة، وهذا ما يطلق عليه quot;تحديث الإسلامquot;. وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاتجاه بقوله: quot;إن كان شأن من أمور دينكم فإليّ، وإن كان شأن من أمور دنياكم فأنتم أعلم بذلكquot;. ويقترح المؤلف أن يدرس خريجو الأزهر جميع الاجتهادات العصرية وألا يقف علمهم على آراء السابقين.

ويتصدى المؤلف لأسباب انتشار هذه الفتاوى الخاطئة ويردها إلى طائفتين من الأسباب، الأولى: الجهل العام بالشريعة والفقه، وظاهرة الهوس الجنسي؛ أي سيطرة التفكير في الجنس على كثير من المتدينين، حيث تكون المرأة هي الضحية حين ينظر إليها على أنها كلها quot;عورةquot;، إضافة إلى رفض الحضارة الغربية، ورغبة بعض المفتين في الظهور والشهرة.

والسبب الثاني: اعتماد بعض الفقهاء على الأحاديث الضعيفة، وكان من تجليات ذلك ما يراه المؤلف من انتشار جماعات الشباب الذين يهتمون بالمظهر دون الجوهر، فيحرصون على إطلاق اللحية ولبس الجلباب القصير والطاقية المخرّمة... وهم بهذا يتصورون أنهم يتقربون إلى الله، لكن التدين الحق بالعلم والعمل والإنتاج لخدمة المجتمع. ويذكر المؤلف تركيز هؤلاء المفتين على أحاديث معارضة للعقل وللقرآن ولأخلاق الرسول، مثل: حديث رضاع الكبير، وقتل المرتد، وحديث الذبابة... ويقترح منع هؤلاء من الإفتاء، ويطالب بأن تكون لجان الفتوى مكونة من رجال الدين ورجال العلم معاً.

يذكر المؤلف أمثلة عديدة لمفاهيم خاطئة، ومنها: فتوى أصدرها أحد المشايخ عن quot;فك النحس بطلاق المرأةquot; استناداً إلى حديث quot;الشؤم في ثلاثة: المرأة والدار والفرسquot;، حيث ينصح المفتي السائل بتطليق زوجته لأنها سبب النحس. ويرد المؤلف بأن الحديث غير صحيح لأن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت إن الرسول قال: قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة: المرأة والدار والفرسquot;. وهناك حديث آخر يرد هذا الحديث: quot;لا شؤم وقد يكون اليُمن في الدار والمرأة والفرسquot;. ثم إن الإسلام يعتبر رابطة الأسرة رباطاً مقدساً (الميثاق الغليظ) فكيف يستهين المفتي بهذا الرباط ويطالب بتطليق الزوجة لأتفه الأسباب؟

كما يعارض المؤلف فتاوى ضرب الزوجات ويرى أن الآية الكريمة الخاصة بتأديب الزوجة مقتصرة على المرأة quot;الناشزquot;، وليس أية زوجة سوية. وقد حدد لنا الرسول النشوز تحديداً قاطعاً في خطبة الوداع، وهو الأعمال والسلوك التي تثير الريبة والشك وتسيء إلى كرامة الرجل وتهدد الحياة الزوجية بالانفصال. ويعارض المؤلف quot;ختان البناتquot;، ويرى أنه من العادات ولا أصل له في الدين، مستشهداً بأقوال العلماء، ويذكر أضرار هذه العملية على المرأة والرجل والمجتمع، ويربط بينها وبين انتشار المخدرات في بعض البلاد الإسلامية. كما يعارض فتاوى حرمان المرأة من حقوقها السياسية أو الوظائف العامة، ويرفض أحاديث انتقاب المرأة... وغيرها من الأحاديث التي تنتقص من كرامة المرأة أو مكانتها في المجتمع؛ مثل حديث quot;النساء ناقصات عقل ودينquot;، وquot;لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأةquot;، ويقول: ليس من المعقول أن يعتبر الرسول النساء ناقصات دين، لأن الشريعة تفرض عليهن عدم الصوم والصلاة أثناء الحيض، وليس من المعقول أن يعتبرهن ناقصات عقل لأن الله فرض عليهن أن شهادتها نصف شهادة الرجل، فهذه تشريعات إلهية ولا اعتراض عليها، وليست ذنوباً من المرأة تستحق العقاب فتكون أكثر أهل النار، فذلك يتنافى مع العقل والمنطق. هذه أبرز المفاهيم المشوّهة التي عالجها المؤلف والتي تؤخر المسلمين والمطلوب تصحيحها.

وبعد، فهذا كتاب يستحق القراءة، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مؤلفه.