خليل علي حيدر

دعاة الإسلام مطالبون بتطوير أدواتهم لتواكب العصر ومستلزمات العولمة

لو كانت الليبرالية مجرد laquo;اتباع للهوىraquo;، كما يقول الداعية نبيل العوضي في مقاله المعروف، لما انتشر الاسلام على هذا النطاق الواسع في اوروبا وامريكا! فالكثيرون هناك يكرهون انتشاره، ويعادون انصاره، ويتحدثون عن مخاطره على الهوية الاوروبية والامريكية والاسترالية وغيرها. ولكن مبادئ حقوق الانسان والقيم الليبرالية التي تقر حرية الدين والعقيدة، وتحترم اختيار أي انسان لأي دين يشاء، ما دام لا يريد فرضه على الآخرين بطرق غير دستورية وغير سلمية، هي التي تحمي كذلك انتشار المساجد والمراكز الاسلامية والمكتبات والحجاب وفي بعض الاماكن حتى النقاب.. حتى لو خالف هذا هوى معظم الاوروبيين! ولو كنا بلا دعاة متشددين وجماعات ارهابية، أو اطروحات مخيفة مهددة للآخرين، ولو كان المسلم هناك قد سلم من تشويه الوعظ السياسي، ونضجت شخصيته الحضارية والدينية، واحترم النظام الاوروبي والامريكي وتعمق في ايجابياته، لكانت مكاسب المسلمين اليوم اضعافا مضاعفة.
فرق كبير بين صورة الاسلام والمسلمين في الغرب قبل ثلاثين سنة أو نصف قرن، والصورة النمطية المخيفة الشائعة اليوم هناك.
الاسلام الذي انتشر ولا يزال في اوروبا وامريكا لا تفرضه القوة، ولا تحميه laquo;دولة الخلافةraquo;، ولا يشجع على اعتناقه نجاح المسلمين في النهوض ببلدانهم كما في كوريا واليابان والهند والصين، ولا حتى سلوك المسلمين المهاجرين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. ما فتح اوروبا وامريكا لانتشار الاسلام هو القوانين العلمانية الليبرالية في تلك البلاد! هذه القوانين هي التي تقف كذلك في وجه معارضة بعض رجال الدين بما في ذلك قداسة البابا نفسه، وتحمي المسلمين من الاحزاب اليمينية.
الجامعات هناك تفتح المجال لأي باحث أو اكاديمي اسلامي، بما في ذلك الاخوان والسلف، والسنة والشيعة، ما عدا من يكفر المعارض ويقتل المخالف. المجال مفتوح هناك لأن يبحث ويناقش ويدرس وينشر دعوته ويخطب، وقد يحصل على الجنسية البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية أو الامريكية! ائمة المساجد يدعون هناك من قبل مدارس التعليم العام للحديث عن الاسلام، الدبلوماسيون الغربيون، مثل الالماني laquo;مراد هوفمانraquo;، يتخلون رسميا عن الدين المسيحي ويختارون الاسلام، وقد يختار بعضهم التشيع أو التسنن، ويؤلف الكتب ويلقي المحاضرات، ولا تعمد دولته الى تجريده من الجنسية أو قطع راتبه أو تطليق زوجته أو حرمانه من حقوقه كمواطن، وبالطبع لا يُسجن ويُستتاب ولا تُبتر رأسه!
ماذا سيحدث في الخارجيات العربية، لو حدث تحول مماثل؟ ماذا سيحدث في الخارجية الايرانية أو الباكستانية أو الاندونيسية؟ ويحق لنا ان نتساءل هنا، وقد ركز الداعية العوضي حديثه على مظاهر الانحلال الجنسي وسفاح الاقارب، هل يمكن لفلسفة انحلالية، همها الجنس والشذوذ، ومرتكزها المصلحة البحتة، وهدفها المتعة واللذة، ان تكون بهذه الدرجة من اتساع الصدر والرقي العقلاني والسلوك البشري؟
هل الليبرالية وبلدانها في الغرب عدوة للمسلمين؟ وهل كانت حياة المسلمين في بيوتهم وسياراتهم ومساجدهم وصيامهم وحجهم افضل لو لم تتيسر لنا كل تسهيلاتهم؟
مؤسف حقا ألا تتطور مواعظ دعاة الاسلام ولا تلحق بالعصر وبمستلزمات العولمة، وان تبقى اسيرة الافكار القديمة والقرون الخوالي، وان يستخدم الدعاة كل هذه الميكروفونات والكاميرات والفضائيات والكمبيوترات لدفع جمهورهم اليائس المحبط، نحو المزيد من التشدد والانعزال عن العالم، وبعيدا عن فهم اسباب تخلف العرب والمسلمين!
تصويب: ورد في مقال يوم 2010/3/24 ان الدستور المصري أُقر عام 1922 والصواب انه أُعد في اكتوبر 1922، وبدأ العمل به في 19 ابريل 1923، ولهذا يسمى دستور 1923.