محمد الخالدي

يرى أوليفييه روا، وهو عالم اجتماع فرنسي معاصر، في كتابه laquo;سياسة الفوضى في الشرق الأوسطraquo; أن الحضارة العربية والإسلامية قد تعرضت لثلاث هزات كبرى عبر التاريخ، الأولى تتمثل في فشل الوحدة بين السنة والشيعة منذ مقتل ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان وما نتج بعده من خلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعا، ووصل ذروة الشقاق بين الفريقين خلال الصراع المرير بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية، ولم تفلح كثير من محاولات التقريب التي بذلت طوال التاريخ الإسلامي خاصة المحاولة المستنيرة التي قام بها محمد عبده وجمال الدين الأفغاني أو من خلال فتوى الأزهر التي أجازت التعبد وفقا للمذهب الاثني عشري أو الزيدي.
إذ لايزال كلا الطرفين يترصد للآخر ويعتبره خصمه اللدود أكثر من خصومتهم مع أي دين آخر مهما بلغت درجة انحرافه، فما بين السنة والشيعة من توتر أكثر مما بينهما وبين الأديان الوثنية بل حتى بينهم وبين الملحدين، فهم مثلا لا يتحرجون من تسمية أي ديانة باسمها، ولكنهم لا يسمون بعضهم إلا بأسماء تحمل في داخلها معاني التكفير والكراهية، وأعني laquo;الروافض والنواصبraquo;.

والهزة الثانية تتمثل في فشل الوحدة بين الأقطار العربية منذ سقوط الدولة العثمانية عام 1923، إذ من الواضح ان جامعة الدول العربية لم تنجح حتى الآن في إثبات حضورها وفاعليتها تجاه ما يحدث في العالم العربي، ولم تستطع رغم مرور 65 عاما على تأسيسها في مارس 1945 ان تحقق الوحدة المنشودة ولم تنجز حتى الآن أي انجازات حقيقية يمكن مقارنتها بانجازات الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، فالحدود بين البلدان العربية كما هي منذ 1945 والانتقال بين هذه الدول أكثر صعوبة من الوصول إلى المريخ.

أما الهزة الثالثة فتتمثل في زرع الكيان الصهيوني المحتل في قلب الوطن العربي باحتلال سافر منذ عام 1948، حيث عجزت الدول العربية والإسلامية مجتمعة عن ان تفعل أي شيء ليس لاجتثاث هذا الكيان المحتل وتحرير فلسطين الدولة العربية الإسلامية فحسب، بل انها عاجزة حتى اليوم عن فعل أي شيء لوقف حملات التصفية والتعذيب الوحشي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المنكوب، أو فعل أي شيء لصد الانتهاكات المستمرة على مقدساتهم بالرغم من أنها تمثل للمسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

والمرء يدهش حقا من حضارة بهذا القدم وبما تملكه 22 دولة عربية و58 دولة إسلامية من مقومات وثروات بشرية ومادية تعجز عن لعب أي دور آخر غير دور الضحية الذي يتلقى كل يوم صفعة تلو صفعة بلا حراك!.