عبدالمالك خلف التميمي

التعليم الديني هو تعليم وتحفيظ القرآن الكريم والسنة النبوية، يضاف إليهما فكر ومواقف تاريخية دينية من عصر الخلفاء الراشدين حتى اليوم، أما استغلال التعليم الديني حزبياً وسياسياً فإن الاعتراض ليس على التعليم الديني، ولكن على استخدامه وسيلة لنشاط سياسي ولأدلجة عقول الشباب حزبياً.

وهو ما يجرى اليوم في عدد من الدول العربية والإسلامية. وإن الدين الإسلامي واحد، ولكن الأحزاب والجماعات الدينية عديدة، تحمل رؤى وتفسيرات ومذاهب ومناهج مختلفة، تتوزع ما بين الاعتدال والتطرف الديني، والناس يرسلون أبناءهم إلى مدارس الجماعات الدينية لأسباب عدة، فبعضهم مضطر لذلك لأن المدارس الرسمية لا تقبلهم لاعتبارات كثيرة.

وبعضهم يرسلهم لهذه المدارس بسبب الدعم المادي الذي تقدمة تلك القوى المشرفة عليها، والبعض الآخر يرى فيها صلاحاً لأنها دينية أفضل من غيرها، وهناك نساء ورجال من كبار السن في حلقات أو مدارس حفظ القرآن الكريم إلى جانب الشباب والفتيان صغار السن في هذه المدارس.

اللهم لا اعتراض على دراسة وفهم القرآن الكريم، ولكن الاعتراض على استغلال ذلك التعليم لأغراض حزبية وسياسية، حيث سيجد الكثيرون من هؤلاء المتعلمين في هذا النوع من المدارس أنفسهم بعد سنوات أعضاء أو مناصرين لأحزاب وجماعات دينية سياسية.

وقد تشبع عدد كبير منهم بأفكارها وأطروحاتها، فوقف إلى جانب مواقفها، وقد ثبت أن عدداً منها متطرفة، وهذا التطرف أدى ويؤدي إلى تدمير المجتمعات وتأخير تطورها.

نعلم تاريخياً أن كثيراً من القوى قد استخدمت التعليم وسيلة لغاية دينية أو سياسية، وبعضها يمكن تبريره وقبوله، فالحركة الوطنية وقواها السياسية في المشرق العربي وفي المغرب العربي قد استخدمت التعليم بصورة عامة وبعضها الديني بهدف التوعية والتنمية والتسييس لمقاومة الاستعمار.

وهناك عبر تاريخنا الحديث إرساليات مسيحية جاءت إلى الدول العربية، واتخذت من التعليم إحدى وسائلها للتأثير في أبناء المسلمين وتنصيرهم، حتى لو كان ذلك التعليم حديثاً ومفيداً فإن الهدف منه كان بالإضفة إلى الجانب الإنساني بعداً دينياً للتبشير، ثم ليس غريباً أن تلجأ الأحزاب والجماعات الدينية الإسلامية إلى التعليم الديني والتأثير السياسي والإيويولوجي الحزبي في هؤلاء الناس، وأغلبهم لا يدركون الأهداف النهائية لهذا النوع من التعليم.

فنجد انتشار هذه المدارس تحت مسميات مختلفة، بعض تلك المسميات عامة وإنسانية، كما حدث في أفغانستان ويحدث في باكستان.

وفي بعض الدول العربية دليل على ما ذهبنا إليه، فهذه المدارس تصرف عليها هذه الجماعات مبالغ طائلة في سبيل نشأة الأجيال على فكرها، أو تجييرها إلى نشاطاتها الاجتماعية والسياسية الحزبية. المسألة لا تقف عند حد إقامة المدارس الدينية الخاصة ومراكز حفظ القرآن والجمعيات الخيرية، بل التغلغل في التعليم الحكومي الرسمي.

والتأثير في المنهاج والكتب الدراسية، كذلك في الحياة المدرسية الطبيعية التعليمية والتربوية لتكون دينية بصورة أساسية، وتحدث الكثيرون عن بعض المدارس الحكومية بأنها تحولت إلى أوكار ومقار لاجتماعات حزبية خارج الدوام الرسمي للتأثير في الشباب تحت مسميات النشاط الحر الاجتماعي والرياضي والثقافي.

إن التعليم الرسمي الحكومي في دولنا يعطي اهتماماً للدين الإسلامي، وهناك مواد للدين تدرس، ولكن الجماعات أو الأحزاب الدينية لها أجندتها وهدفها.

حيث إنها لا تكتفي بالتعليم الديني الحكومي، فأنشأت لها تعليمها الخاص، وتدخلت في التعليم الحكومي لتجبره وتحوله إلى فكرها ونهجها، مستغلة تسامح وتعاون القائمين على التعليم الحكومي.

أو ربما عدم إدراك بعضهم لأخطار ذلك التأثير في التعليم والأجيال، إلى أن وصلنا إلى حالة من التطرف الديني الذي قاد إلى الإرهاب في كثير من الأحيان.

وقد يفسر البعض بأن ما طرحناه مساس بالتعليم الديني، نقول: إن التعليم الديني كان في تاريخنا وسيلة لتوعية شعوبنا في ثقافتها وتطورها، ولكنه اليوم غير ذلك، وبخاصة التعليم الديني الذي تشرف عليه الأحزاب والجماعات الدينية الذي يؤدي إلى التعصب فالتطرف فالإرهاب.

وهنا لا بد من القول إن هناك مسؤولية كبيرة على حكوماتنا والقائمين على التعليم في دولنا، بأن يقوموا أولاً بتقييم موضوعي جاد للتعليم الديني الخاص والحكومي، ويجب أن يوضع تحت إشراف الدولة، ومنع استغلاله لأهداف غير تربوية وغير علمية تحت مسميات التربية والتعليم.

ومستغلين حساسية المسألة الدينية في حياة الناس. كذلك يتحمل المثقفون ومؤسسات المجتمع المدني في دولنا مسؤولية التنبيه إلى مخاطر بعض التوجهات السياسية والحزبية في التعليم الديني المعاصر، أيضاً يتحمل أولياء أمور الطلبة مسؤولية في ذلك، ومعظمهم اليوم متعلمون.

نسمع بعض أولياء الأمور يقولون إن التعليم الديني حماية للأبناء من الانحراف.. يتعلمون الدين نعم، ولكن ضمن التربية الأسرية والمدرسية والتعليم الديني الرسمي المتفق عليه الذي يعلمهم ثقافة وقيماً ومعرفة تقيهم من الانحراف، أما التعليم الديني السياسي المباشر وغير المباشر فيقود إلى التطرف فالإرهاب، قد نحتاج إلى مقالات ودراسات لتوضيح ذلك ولكن هدف هذه المقالة التنبيه إلى خطورة الأمر، لعدم استغلال التعليم الديني لأغراض غير دينية وغير علمية.