أحمد بن عبدالعزيز ابن باز

الحوار الجميل الذي أداره الأستاذ داود الشريان وشاركه زملاؤه الكرام في برنامجه الأسبوعي quot;واجه الصحافةquot; على قناة العربية رغم أهمية هذا الحوار وما طُرح فيه من موضوعات مع فضيلة شيخ الأزهر الذي عين حديثاً الدكتور أحمد الطيب إلا أن أهم ما طرح فيه من وجهة نظري لم يعط أهمية كافية ألا وهو موقفه من السلفية وذلك حينما سئل عنها وكيف سيتعامل معها كقاعدة جماهيرية أصبح لها القبول والانتشار، ولكن جواب فضيلته الحاد ولغته الغاضبة وعباراته القلقة حول السلفية كمذهب وأنه حديث لم يتجاوز المئتي عام وأنه يراوح مكانه رغم الدعم المادي الضخم والإمكانات الإعلامية الهائلة التي يمتلكها، وأنه لا يمثل قاعدة شعبية ولا جماهيرية ولا يجد قبولاً في العالم الإسلامي لصعوبة تفاعله مع الواقع وتعامله مع المخالف وقبوله للآخر، لا شك أنه يقصد بهذا السلفية في المملكة العربية السعودية كراع وداعم وحاضن للسلفية عموما.
إن تلك اللهجة واللغة التي تحدث بها شيخ الأزهر عن السلفية توحي بالوحشة وتشي بمدى الجفوة وهي متبادلة ـ في الواقع ـ بين مشيخة الأزهر وعلماء المملكة وعلى رأسها دار الإفتاء أو في أقل الأحوال يمكن أن نسميها برودة في العلاقة حافظ على هدوئها قوة العلاقة السياسية بين البلدين وعمقها ولولا ذلك لأخذت أشكالاً وصوراً أكثر بعداً، فالأزهر مشيخة وجامعة وكليات ومعاهد لا أحد ينكر أن له تاريخاً عريقاً وإرثاً علمياً ضخماً وانتشاراً وقبولاً امتد لأكثر من عشرة قرون، واستمراره وعطاؤه وبقاؤه دليل على أصالة ومساحة قبول لا يستهان له بها في العالم الإسلامي.
إن المملكة العربية السعودية وما تمثله من مكانة في العالم الإسلامي فهي حاضنة الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومنبع الرسالة الإسلامية وما أكرمها الله به من علماء ربانيين التزموا نهج السلف في الأخذ بالكتاب والسنة وعلى رأسهم سماحة المفتي حفظه الله كل ذلك يستدعي إعادة النظر في العلاقة بين علماء المملكة ممثلة في دار الإفتاء وعلماء مصر ممثلة في مشيخة الأزهر وذلك أن العلاقة التي نشاهدها في العصر الحديث لم تتجاوز بعض زيارات المجاملة واللقاءات الشكلية والتي يقوم بها غالباً شيخ الأزهر أو مفتي مصر.
فالعصر الحديث الذي نعيشه وسرعة التواصل وكثرة المستجدات وتنوع الحوادث وانتشار المسلمين وتماس الحضارات وتقاطع الثقافات في كثير من القضايا مما يستدعي معه النظر الفقهي الجمعي فلم يعد الزمن يقبل الاجتهادات الفردية ولا الفتاوى الشخصية التي قد يصعب عليها تصور الواقع بتشعباته وعلائقه ومآلاته وبخاصة للمسلمين خارج العالم الإسلامي، ولا شك أن تعاون المدرستين السعودية والمصرية في النظر الشرعي للمستجدات الحضارية والنوازل وفق منظومة ذات طابع دوري ورسمي سوف يكون له الأثر الكبير في تصور الواقع ومقاربته وبُعد النظر الشرعي وأصالته مما سينعكس أثره على المسلمين في شتى بقاع العالم ويساهم في استقرارهم الاجتماعي وتعايشهم السلمي وتفاعلهم الإنساني في مجتمعاتهم وهذا لا يعني بحال ألاّ يكون علماء المملكة أعلم بأحوالهم في المملكة وعلماء مصر أعلم بأحوالهم في مصر، ولكن التعاون يكون في القضايا المشتركة بينهم وفيما يهم المسلمين في أنحاء العالم وهذه دعوة متواضعة من ابن إلى آبائه وعلمائه.