بيروت - سناء الجاك


تنعقد في لبنان، بعد غد، طاولة الحوار الوطني وفق الموعد الذي حدده رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وعلى جدول أعمالها عنوان عريض هو الاستراتيجية الدفاعية الذي كان يفترض أن يطرح مسألة سلاح حزب الله ومدى قدرة الدولة اللبنانية على استيعابه ليصبح في عهدة الجيش اللبناني، ومرجعية قرار الحرب والسلم. لكن الحملات التي استهدفت سليمان وطاولة الحوار طوال الفترة الماضية ووصلت حد المطالبة باستقالته، إضافة إلى الموقف الأخير لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط والداعي إلى سحب التداول بسلاح الحزب، تضع علامات استفهام حول فعالية هذا الاجتماع وغيره.
laquo;الشرق الأوسطraquo; حملت أسئلة تتعلق بهذه الوقائع إلى رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، بصفته أحد المشاركين في الحوار وأكثرهم إثارة للجدل من خلال مطالبته الدائمة بوضع سلاح الحزب في يد الدولة اللبنانية.

جعجع رأى أن اجتماعات لجنة الحوار لن تثمر استراتيجية دفاعية في المرحلة الراهنة، لكن لا بد منها لإثبات الموقف. كما أبدى قلقه حيال ذهاب الرئيس سليمان باتجاه laquo;الفريق الآخرraquo; الذي هاجمه. واعتبر أن حزب الله يربط لبنان من خلال سلاحه ومواقفه السياسية بشبكة إقليمية كبيرة تمتد من طهران ولا تنتهي بدمشق، ما يعرض لبنان إلى مواجهات لا علاقة له بها. وفي ما يلي نص الحوار:

* هل ترون أن بحث الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار يمكن أن ينتج خطة عمل أو رؤية قابلة للتطبيق؟

- أذهب إلى طاولة الحوار بذهنية براغماتيكية، لنرى ماذا سيطرح خلال الاجتماع ونناقش الموضوع. بما أن العملية فتحت عام 2006 سنكمل بها كل خطوة حتى نصل إلى تحقيق الأهداف. ولست مغشوشا بأن الاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية قريب. أو أن الجلسات المقبلة ستقود إلى نتيجة فورية. لكن الأمر مثير للاهتمام وسنناقشه. ولا أحد يستطيع أن يحكم بفشل طاولة الحوار منذ الآن. نعرف أن الأمور مبهمة. لكن في أي لحظة يمكن أن يحدث اختراق ونسير باتجاه الاستراتيجية الدفاعية الوطنية.

* كيف تنظرون إلى تصريحات حزب الله الرافضة بحث موضوع سلاحه؟ انطلاقا من أنه سلاح المقاومة التي لا بد منها لحماية لبنان؟

- كل فريق لديه حرية التعبير عن رؤيته للأمور بالشكل الذي يناسبه. لكن رأينا يختلف عن هذه الرؤية التي يطرحها الحزب. وليس صحيحا أن سلاحه خارج أي نقاش. كل شيء في لبنان مطروح للنقاش، ابتداء برئاسة الجمهورية وليس انتهاء بالموازنة والأمور الحياتية. بالتالي كيف يمكن إغفال النقاش حول سلاح حزب الله وهو موضوع حساس يؤثر على اللبنانيين وتفاصيل حياتهم؟

أما عن القول إن السلاح هو سلاح مقاومة وليس سلاح الحزب، فالأمر لا يطرح هكذا. لأن المقاومة تكون على أرض اندحرت الدولة فيها. وليس في دولة قائمة وإن كانت غير مكتملة حاليا. ولعل من أسباب عدم اكتمال الدولة وجود سلاح خارج الشرعية. كما أن وجود المقاومة الدائم، كما هي الحال عندنا، يتطلب حدا أدنى من الإجماع الشعبي، وإن بنسبة 60 إلى 70%. لكن الانتخابات النيابية الأخيرة التي خاضها حزب الله تحت شعار الاستفتاء لخيار المقاومة، أظهرت أن أكثر من نصف اللبنانيين ضد بقاء السلاح بحالته الراهنة.

* كيف ستتمكنون من البحث في استراتيجية دفاعية وحزب الله يرفض مع أنه يشارك؟

- عملنا أن نقنعه خلال الاجتماع حول طاولة الحوار. وسنواظب على ذلك. ولا بد أن نصل إلى مكان ما. في البداية من قبيل إثبات الموقف. وبعد ذلك ننطلق إلى طرح أسس الاستراتيجية الدفاعية للبلد. لكننا في المرحلة الراهنة مصرون على إثبات موقفنا بطرح مفاهيم يمكن تحقيقها لمواجهة المحاولات المستمرة منذ 1990 لفرض معادلة تؤكد أن لبنان لا يستطيع أن يدافع عن نفسه إلا إذا بقي حزب الله مسلحا.

* لماذا تحتاج الاستراتيجية الدفاعية إلى إجماع وطني في حين لا تحتاج المقاومة إلى ذلك؟

- الأمر صحيح من ناحية القوانين والدستور واتفاق الوفاق الوطني في الطائف. فالاتفاق من ألفه إلى يائه لا يتضمن كلمة laquo;مقاومةraquo;، إنما ينيط مسؤولية الدفاع عن لبنان بالدولة والجيش، مع التمسك باتفاق الهدنة مع إسرائيل.

كما أن الخطوط العريضة للاستراتيجية الدفاعية يجب أن تكون في يد الحكومة اللبنانية، التي تعدلها وفق الظروف والمتطلبات والأخطار المحدقة والطارئة. لذا المطلوب استمرار الحوار بين الأطراف السياسيين ليتفاهموا حول أفضل طريقة للدفاع عن لبنان. وهذه خطوة أساسية. يجب وضع قرار الدفاع عن لبنان في يد الحكومة اللبنانية.

* من طاولة الحوار الأولى إلى الثانية إلى الثالثة كيف تدرج طرح موضوع السلاح ومواقف حزب الله تجاه الطرح؟

- الأمر يتراجع إلى الخلف. في طاولة الحوار الأولى كان لدينا جدول أعمال يتضمن بندا واضحا عنوانه laquo;سلاح المقاومةraquo;. وقد حملته إلى طاولة الحوار في الجلسة الأولى بعد الانتخابات. لكنهم يرفضونه حاليا. إلا أننا سنبقى نطرح الموضوع بكل روح ديمقراطية ومحبة ومن دون حساسيات. يجب وضع سلاح حزب الله في يد الحكومة وإلا لن يرتاح لبنان.

وليس صحيحا أن الجيش اللبناني يعجز عن حماية لبنان وحزب الله وحده يستطيع ذلك. ففي الجيش وحدات خاصة أكثر عددا وأفضل تدريبا مما لدى الحزب. لماذا لا نترك لها مجالا لتضع الخطط اللازمة لحماية لبنان وجنوبه؟ إذا قمنا بذلك نربح على المستوى القتالي ونربح أكثر بترسيخ أسس الشرعية والإجماع اللبناني من خلال خطوة واقعية ومنطقية. لكنهم لا يقبلون بهذا الطرح. ويحتمل أن يطالبوا ببحث استراتيجية دفاعية بمعزل عن وضع سلاحهم.

* هل يجتمع حول طاولة الحوار فريقان الأول يتمسك بالسلاح والثاني يرفضه أو أن هناك أكثر من فريقين؟

- حول طاولة الحوار فريقان أساسيان متواجهان. لكن هناك فرقاء آخرين لهم مواقف متمايزة عن التمسك بالسلاح أو المطالبة بضمه إلى شرعية الدولة.

* وأين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من المتحاورين؟

- لا أخفي أن هناك قلقا سببه هجوم فريق على سليمان ومطالبته إياه بالاستقالة وانتقاد طاولة الحوار، في حين سارع فريقنا للدفاع عنه ودعمه بحملات هائلة. للأسف على أثر ذلك ذهب سليمان إلى طروحات لإرضاء من هاجمه. والأمر غير مطمئن. فالمفترض أن يكون رئيس الجمهورية لكل اللبنانيين وليس لفريق دون سواه.

* ماذا عن رئيس الحكومة سعد الحريري؟

- الحريري لا يزال عند قناعاته بأن الاستراتيجية الدفاعية يجب أن تكون في يد الحكومة اللبنانية.

* رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط لم يعد يقبل بهذا الطرح. فقد صرح أنه سيعمل على سحب التداول الكلامي بسلاح حزب الله، ما هو موقفكم من الأمر؟

- صديقنا وليد جنبلاط لديه هذا الرأي. ونحن لدينا رأي لا نزال متمسكين به. فنحن نرى أن سلاح حزب الله يعرض لبنان إلى الخطر أكثر مما يدافع عنه.

* ماذا عن التحذير الأميركي للسوريين بشأن تسرب أسلحة متطورة عبر الحدود اللبنانية - السورية إلى حزب الله وربط الأمر بعدم إرسال السفير الأميركي الجديد ستيفن فورد إلى دمشق وتأثير ذلك على لبنان؟

- إذا كان لدى أحد سلاح متطور لماذا لا يسلمه إلى الجيش اللبناني؟ أبعد من ذلك، تركيزنا الأساسي هو التالي: حزب الله مربوط بشبكة إقليمية كبيرة تبدأ من طهران ولا تنتهي في دمشق. وهذا يجر لبنان إلى مواجهات لا يريدها. ولا أحد يملك الحق بجرنا إلى هذه المواجهات. أما مواجهة العدو الإسرائيلي فلديها أوجه مختلفة. من يحدد طريقة المواجهة حاليا؟ يحددها مسؤولون في حزب الله بالتنسيق مع طهران ودمشق. وهذه تصرفات تعرض الشعب اللبناني إلى الخطر. في حين أن عدم ربط لبنان بالشبكة الإقليمية يجنبه الكثير من المواجهات التي لا علاقة له بها فعليا.

* هل تندرج الأحداث الأخيرة التي شهدتها مناطق قوسايا وعين البيضا في البقاع الغربي في إطار تعريض لبنان إلى أخطار لا علاقة له بها من خلال السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؟

- لا أملك معطيات دقيقة بخصوص ما جرى في قوسايا وعين البيضا. لكن بغض النظر عن مسببات الحادث وخلفياته، كل سلاح خارج الدولة ينقلب خطرا على لبنان وسلمه الأهلي. ونحن إذ نأسف لكل الضحايا الذين يسقطون في مثل هذه الأحداث، نشير إلى أن ما يجري يلطخ صورة لبنان واستقراره. لدينا جيش لبناني، لكن من المسؤول عن هذه الجماعات وهذا السلاح خارج المخيمات سواء في البقاع الغربي أو الناعمة أو غيرها؟ نحن لا نعرف كيف يتم تحريك هذا السلاح الذي نرفض وجوده ونطالب بأن يوضع القرار المتعلق به والمتخذ على طاولة الحوار الأولى عام 2006 بالإجماع بشأن إزالته. والنظام في سورية يستطيع منع هؤلاء من الدخول إلى لبنان عبر الحدود ويستطيع وقف تمويلهم وتدريبهم ودعمهم. والخميس المقبل سأطرح موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لأن له أولوية بسبب الأحداث الأخيرة، وذلك إلى جانب موضوع سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية.

* هل تعتقد أن هذه الأحداث تحمل مؤشرات على خطر إقليمي يهدد لبنان في هذه المرحلة من الصراع بين إيران والولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل؟

- المنطقة تعيش حالة غير مستقرة. وأعتقد أن لبنان في ظل الواقع العسكري والأمني خارج الدولة، يدخل دائرة اللاستقرار. ولولا هذا الواقع لما دخل هذه الدائرة. من هنا ضرورة الإسراع في التوافق الداخلي حول استراتيجية دفاعية تجنب لبنان تداعيات الصراع الإقليمي.