سركيس نعوم


يوم الخميس الماضي عُقدت في دمشق ندوة مفتوحة بدعوة من quot;مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية العراقيquot; شارك فيها، استناداً الى الزميلة quot;الشرق الاوسطquot; السعودية، ممثلون عن قوى عراقية مناهضة للاحتلال الاميركي من مختلف التيارات (بعثية واسلامية ومستقلة) اضافة الى ممثل عن quot;الجبهة الشعبية لتحرير فلسطينquot;. واشارت الصحيفة الى ان الندوة لم تشهد حواراً معمّقاً بل أُلقيت فيها خطب، منها واحدة لممثل حزب البعث في العراق خضير المرشدي، وأخرى لممثل الجيش العراقي ايام صدام حسين اللواء الركن عباس العيثاوي، وثالثة لممثل هيئة علماء المسلمين الشيخ ابو حنيفة، ورابعة لممثل جبهة انقاذ كركوك عدي الزيدي. وأوضح اللواء الركن العيثاوي للصحيفة نفسها ان quot;الواقع يفترض ان يخلص الجميع الى قيادة واحدةquot;، لكنه نفى امتلاكه معلومات واضحة عن المشروع التوحيدي لقوى المقاومة العراقية، وقال: quot;ما اعرفه من الساحة السياسية ان هناك مشروعاً يسير في هذا الاتجاهquot;.
ما الذي يلفت الانتباه الى اجتماع لمركز ابحاث عراقي في المنفى الدمشقي اقتصرت الخطب فيه على الدعوة الى توحيد المقاومين للاحتلال في اطار تنظيمي ما؟
بداية لا بد من الاشارة الى ان التعليق على الندوة المذكورة لا ينطلق من خلفيات سياسية مؤيدة او معادية، سواء للـquot;عراقاتquot; القائمة الآن، او للاحتلال الاميركي لها، او للذين يقاومونه فيها، على تناقض مواقفهم، او لسوريا بشار الاسد التي استضافت الندوة والتي لا يمكن انكار دورها العراقي أياً يكن حجمه وأهدافه. لكن لا بد من الإشارة ايضاً الى ان هذه الندوة تثير اسئلة وملاحظات عدة ابرزها الآتي:
1- ان العرب يعرفون، ومعهم العالم كله، ان سوريا تستضيف مقاومين عراقيين وتمكّنهم من التخطيط لأعمالهم المتنوعة وربما لتنفيذها بنجاح. اولاً، لأنها ترفض احتلال اميركا للعراق. وثانياً، لأنها تخشى انعكاسات سلبية لنجاحه في اقامة نظام عراقي موال له عليها كنظام ودولة. والعالم، او على الاقل بعضه الموالي لاميركا، يشاطرها رأيها في ان سوريا تساعد في وصول ارهابيين يعتبرهم آخرون مجاهدين مسلمين غير عراقيين الى العراق للقيام بعملياتهم المقاومة او الارهابية فيه. ويعرف هؤلاء كلهم حجم الضغوط التي مارستها اميركا وحلفاؤها على سوريا للتوقف عن ممارسة الدور المشروح اعلاه. ولذلك فانهم يتساءلون عن السبب الكامن وراء السماح بـquot;المهرجان العلنيquot; الداعي الى توحيد المقاومة العراقية الآن؟
2- لا احد يستطيع ان يضع quot;زيحاًquot; اي quot;خطاًquot; واضحاً بين المقاومة الاسلامية، السنّية في غالبيتها الساحقة، للاحتلال الاميركي للعراق وبين quot;القاعدةquot; التنظيم السنّي الاصولي المتطرف المتهم بالارهاب من معظم المسلمين والعالم. اي لا احد يضمن ألا يكون هناك تعاون بين quot;القاعدةquot; وبعض المقاومة السنّية. فهل لسوريا مصلحة في دعم quot;القاعدةquot; الذي يكفّر نظامها قبل الانظمة العربية والاسلامية الاخرى؟
3- هل لمهرجان المقاومة العراقية في دمشق علاقة بالعلاقات بين سوريا الاسد واميركا اوباما؟ وتحديداً هل له مصلحة في عدم انجاز اميركا التطبيع الديبلوماسي الكامل مع سوريا بالسرعة التي أمِلَتْ فيها قيادتها، وبعدم اقدامها على نزع كل العوائق التي لا تزال تعترض طريقها في لبنان رغم نجاحها شبه النهائي فيه وفي العراق ربما لرفضها اي دور سياسي لسوريا فيه؟ هل هو رسالة الى اميركا وخصوصاً بعد الانباء غير الرسمية عن عودة ادارتها الى تأخير إعادة سفيرها الى دمشق؟
4- هل لمهرجان المقاومة العراقية في دمشق علاقة بالاختلاف المتنوّع القائم في الموقف حيال مستقبل العراق، والادوار فيه بين سوريا الاسد والجمهورية الاسلامية الايرانية؟ وهذا اختلاف معروف ويقرّ به quot;عراقيوquot; ايران وسوريا، سببه رفض ايران، واستطراداً اميركا وغيرها، دوراً سورياً سياسياً في العراق وإصرار سوريا على دور كهذا. وسببه ايضاً ان اداة الدور السوري في العراق هي حزب البعث المرفوض من ايران الاسلامية. وسببه ثالثاً هو ان النفوذ السوري في العراق على محدوديته اكبر لدى السنّة منه لدى الشيعة، خلافاً لنفوذ ايران، ومن شأن ذلك خربطة تركيبة العراق الجديد والإفساح في المجال امام تعاون سوريا مع quot;اعداءquot; ايران من العرب السنّة.
في اختصار قد نكون اعطينا لندوة العراق ndash; المقاومة في دمشق اهمية اكثر مما تتحمل. لكن العراقيين على اختلاف quot;ولاءاتهمquot; الاقليمية لا يستخفون بها. بل ينتظرون توابعها لمعرفة ما اذا كان لدى السوريين من وراء عقدها هدف محدد أم لاً. ذلك انهم يعرفون قبل غيرهم تشابك المصالح وتناقضها بين الحلفاء الاقليميين في بلادهم ويعرفون أيضاً ان وطنهم ساحة للمواجهة الاقليمية ndash; الدولية الدائرة في المنطقة، تماماً مثل لبنان، وكذلك للخلافات المصلحية داخل فريقي المواجهة هذه. ويعرفون اخيراً ان لا خلاص لهم الا بانتهاء المواجهة المذكورة سواء بالسلم او بالحرب. لكنهم مع ذلك كله يتساءلون: لماذا صارت المقاومة المسلحة في العراق تستهدف شعوبه فقط وليس الاحتلال؟