عدنان حسين

لو كان الخيار لي لاقترحت أن تُحلّ أزمة التشكيل الحكومي في العراق بتكليف التحالف الكردستاني ترؤس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة.
مهلكم أيها الشوفينيون العرب والتركمان.. أعرف أنكم تستنكرون أي فكرة من هذا القبيل أشد الاستنكار، من دون أن تعطوا أنفسكم مهلة خمس دقائق، ولا حتى دقيقة واحدة، لقراءة السطور التالية.
لست كرديا، ولا صنيعة للقيادة الكردية، ولا مصلحة شخصية لي مع أي شخص كردي، ولو بقيمة دينار واحد، مع أن أصدقائي من الكرد، كما من العرب والتركمان والكلدان والآشوريين، كثيرون جدا، من السياسيين، ومن رجال الأعمال وسواهم.
أعتقد أن فكرتي تقدّم أفضل مخرج من الأزمة الحكومية الراهنة. فلقد أجريت الانتخابات، لكنها لم تحلّ المشكلة، ذلك أن الانتخابات شهدت عمليات تلاعب وتزوير واسعة جعلت الجميع غير راض عن نتائجها، حتى كبار الفائزين.. وكما ترون، فإن ائتلاف دولة القانون ضغط ليعاد فرز الأصوات في بعض المناطق مؤملا نفسه بكسب مقعد، أو مقعدين إضافيين في البرلمان ليكون هو، وليس القائمة العراقية، الكتلة الانتخابية والنيابية الأكبر، وبالتالي يرسو عليه التكليف بتشكيل الحكومة. في المقابل، فإن القائمة العراقية التي كفّت عن الشكوى من تزوير الانتخابات، بعدما تبين حصولها على أفضل النتائج، ردّت على قرار إعادة الفرز في بغداد بطلب إعادة الفرز في الجنوب.
الائتلاف الوطني العراقي غير سعيد بإعادة الفرز، إن في بغداد، او في الجنوب، فهذه العملية قد تعزز من مكانة دولة القانون أو العراقية في البرلمان الجديد على حساب مكانته.. وجبهة التوافق التي أذعنت لواقع خسارتها الكبيرة في الانتخابات، أظهرت من ناحيتها عدم رضى عن إعادة الفرز، لأن هذه العملية laquo;غير مجديةraquo;، فهي ستطيل أمد الأزمة الحكومية، والنتائج الجديدة لن تحدث تغيّرا دراماتيكيا في مكانة القوائم الرئيسة، وبالتالي ستظل المعادلة إياها، وهي أن تتآلف ثلاث كتل أو أربع لتشكيل الحكومة.
أزمة الانتخابات وتشكيل الحكومة تُظهر بجلاء أن السياسيين العرب المتصدرين للمشهد السياسي في بغداد، سواء كانوا من دولة القانون أم العراقية أم الائتلاف الوطني، لم ينضجوا بعد لكي يقدموا مصالح الوطن والشعب بعض الشيء على مصالحهم الشخصية والحزبية ونزعاتهم المذهبية.
في المقابل، يبدو الساسة الكرد ناضجين إلى حد كبير.. لم يكونوا كذلك قبل خمس عشرة سنة، لكن التجربة علّمتهم، وها هم الآن يتصرفون بمسؤولية وكياسة ومهنية داخل إقليمهم، وفي بغداد.. في الإقليم بنوا من العدم تجربة نتمنى نحن العرب أن يكون لنا مثلها في وسط العراق وجنوبه وغربه، فقد حققوا لشعبهم مستوى معيشيا طيبا، وقدّموا له الخدمات الأساسية، والأهم انهم حفظوا كرامات الناس، وحافظوا على أمنهم، وجعلوا إقليمهم آمنا من الارهاب والجريمة المنظمة التي يعاني منها العرب في مناطقهم.
وفي بغداد والمحافظات الأخرى، يقدّم الوزراء والمدراء الكرد مثالا جديرا بالاحتذاء على أداء الواجب.. هم يعملون أكثر مما يهذرون، كما يفعل نظراؤهم العرب، ووزاراتهم ودوائرهم تقوم بواجباتها بصورة أفضل بكثير من الوزارات والدوائر التي يتولاها العرب، والأهم أنها الأقل في مجال الفساد المالي والإداري.. والآن على هامش الأزمة الحالية، تجاوزوا خلافاتهم وقدموا مصلحة شعبهم وإقليمهم على مصالح أحزابهم، وتوحدوا بغية الدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة. ليت السياسيين العرب في بغداد يفعلون مثلهم.
علاوة على هذا، فإن تولية شخصية كردية رئاسة الحكومة مفيد جدا على صعيد حفظ وحدة العراق (باعتبار أن هذا هو الشعار الأثير للشوفينيين العرب والتركمان)، ذلك أن خطوة من هذا النوع، ستجعل الكرد يشعرون أنهم فعلا دخلوا العصر الذي يعاملون فيه، باعتبارهم مواطنين عراقيين من الدرجة الأولى، وليس من درجة أدنى، وبالتالي لا يفكرون بالانفصال، الهاجس الأكبر للشوفينيين العرب والتركمان.
لقد جربنا الكرد رئيسا للدولة، ونائبا لرئيس الوزراء، ووزراء، ورؤساء مؤسسات، ولم تكن التجربة سيئة بأي حال، فقد تصرفوا باعتبارهم مسؤوليين عراقيين، وليسوا ممثلين على نحو مشين لطوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم، كما فعل أغلب الوزراء والمسؤولين العرب.
مجمل القول، إن السياسيين العرب في بغداد، يحتاجون إلى أكثر من سبع سنوات أخرى كي ينضجوا.. وخلال هذه الفترة يمكن تكليف التحالف الكردستاني تشكيل الحكومة، لكي يعطي السياسيون العرب أنفسهم، من كل كتلهم وأحزابهم المختلفة دونما استثناء، المهلة الكافية لكي يتعلموا فن السياسة، ويصبحوا مؤهلين لإدارة الدولة، والتعامل مع بعضهم البعض ومع الأشياء بطريقة أفضل من الطريقة البائسة والمقرفة التي يتعاملون بها الآن.