Thomas Joscelyn

الإفادة بأن 'الجهاد الإسلامي' لم يكن مندمجاً فعلياً مع 'القاعدة' بدت حيلة غبية آنذاك حين كان 'الجهاد الإسلامي' المصري يراقب السفارتين في كينيا وتنزانيا، ويشرف على الرواتب، ويدير الشؤون الأمنية لأسامة بن لادن، ويوفّر إرشادات استراتيجية وتكتيكية على أعلى المستويات.

شكل مقتل مصطفى أبو اليزيد (الذي يُعرف أيضاً بالشيخ سعيد المصري) في ضربة جوية الشهر الفائت صفعةً قويةً لتنظيم 'القاعدة'. أبو اليزيد إرهابي بكل معنى الكلمة، فقد خدم جنباً إلى جنب مع أيمن الظواهري، الرجل الثاني في 'القاعدة'، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي على الأقل حين تورّط الاثنان في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات.

وبعد أن أمضيا فترة معاً في السجن، توجّه أبو اليزيد والظواهري إلى أفغانستان حيث اضطلعا بدور أساسي في تحوّل 'القاعدة' من حركة تمرد 'محلية' تعتمد حرب العصابات وتركز على دعم المجاهدين في قضيتهم ضد السوفيات إلى أشهر منظمة إرهابية دولية. وهكذا شارك أبو اليزيد في عمليات إمبراطورية الإرهاب تلك منذ بداياتها. ولهذا السبب يشكّل مقتل أبو اليزيد مناسبة ملائمة لإعادة النظر في الخطأين التحليليين اللذين أفسدا تغطية أخبار الشبكة الإرهابية.

يتمثّل الخطأ الأول في قدرة الغرب على رصد الشقاق داخل صفوف 'القاعدة' و'طالبان'. وفقاً للجنة الحادي عشر من سبتمبر، اعترض أبو اليزيد على الهجمات التي شُنّت في ذلك التاريخ لأسباب تكتيكية. فقد وافق أبو اليزيد وقادة آخرون بارزون في 'القاعدة'، بحسب اللجنة، زعيم حركة 'طالبان' الملا عمر الرأي لقناعته بأن أي هجوم على الأرض الأميركية سيؤدي إلى هجوم مضاد مدمّر. خشي عمر آنذاك من أن يصحو هذا العملاق النائم، وأن يسفر الرد عن خسارة أفغانستان في الوقت الذي كانت فيه حركة 'طالبان' تعزز وتبسط سيطرتها على تلك البلاد التي تمزقها الحرب.

ثمّة ميل إلى النظر إلى أي خلافات لاسيما بين 'طالبان' و'القاعدة' على أنها تنذر بانفصال، لكن ما يثير الاهتمام في هذه القصة مدى الاختلاف الذي يُسمح به داخل منظمة أسامة بن لادن. بالرغم من اعتراض أبو اليزيد وقادة آخرين بارزين في 'القاعدة' على أهم عملية لهذا التنظيم، لم يؤد ذلك إلى انفصال بينهم وبين بن لادن. بل على العكس، استمر أبو اليزيد والآخرون في خدمة سيدهم الإرهابي بكل إخلاص.

من جهته، فوّت الملا عمر فرصة الانقلاب على أسامة بن لادن حتى بعد 11 سبتمبر 2001. بنتيجة الأمر، تحقق خوفه الأكبر. ما من شك في أن حركة 'طالبان' بزعامة عمر تسيطر على أجزاء في أفغانستان اليوم وتهدد بالاستيلاء على المزيد. مع ذلك، خسرت الحركة أفغانستان مبدئياً، كما توقع أبو اليزيد، وعمر، والآخرون بالضبط.

يُقصد بذلك أنه بالرغم من الانشقاق الذي كان قائماً في صفوف 'القاعدة'، وبين التنظيم و'طالبان'، فإن ذلك لم يؤد إلى انفصال. من المهم تذكر ذلك بما أن فكرة إمكان انفصال 'طالبان' عن 'القاعدة' تُتداول من وقت إلى آخر.

أما الخطأ الثاني فيرتبط حتماً بالحسابات الخاطئة التي قام بها البعض في وكالة الاستخبارات المركزية بشأن تطوّر 'القاعدة'. لطالما دخل التنظيم في مشاريع مشتركة مع منظمات إرهابية ذات توجه إسلامي مماثل. والشريك الأهم لأسامة بن لادن في هذا الصدد كان دوماً ولايزال الجهاد الإسلامي المصري بقيادة أيمن الظواهري.

عمل الجهاد الإسلامي وبن لادن كشريكين في الثمانينيات، وقد أدى الظواهري نفسه دوراً أساسياً في تطور بن لادن. في المقابل، كان أبو اليزيد، زعيم آخر في الجهاد الإسلامي المصري، جزءاً من دائرة أسامة بن لادن الداخلية على مدى عقدين من الزمن تقريباً، لا بل أكثر.

وأثناء محاكمة بن لادن في قضية تفجير السفارة الأميركية، شهد جمال الفضل، عضو في 'القاعدة'، بأن أبو اليزيد كان جزءاً من مجلس الشورى النخبوي لبن لادن ورئيس الشؤون المالية لدى 'القاعدة' في عام 1993.

لكن ما أهمية ذلك؟ يزعم البعض في وكالة الاستخبارات المركزية، بمن فيهم المحلل السابق بول بيلار، أن الجهاد الإسلامي المصري لم يصبح فعلياً جزءاً من 'القاعدة' إلا بعد سنوات تلت حين 'اندمج' رسمياً مع تنظيم بن لادن. يُرجح تاريخ الاندماج الرسمي بين عامي 1998 و2001.

لكن ذلك غير منطقي، لأن أبو اليزيد كان من كبار الإرهابيين في الجهاد الإسلامي المصري ويتولّى مسبقاً رواتب 'القاعدة' في عام 1993. يدل هذا الأمر على أن الجهاد الإسلامي المصري وتنظيم بن لادن كانا مندمجين إلى حد كبير قبل سنوات من اندماجهما الرسمي. لذلك فإن الإفادة بأن الجهاد الإسلامي لم يكن مندمجاً فعلياً مع 'القاعدة' بدت حيلة غبية آنذاك حين كان الجهاد الإسلامي المصري يراقب السفارتين في كينيا وتنزانيا، ويشرف على الرواتب، ويدير الشؤون الأمنية لأسامة بن لادن، ويوفر إرشادات استراتيجية وتكتيكية على أعلى المستويات.

في النهاية، تظهر حياة أبو اليزيد المهنية بأن التحليل الذي قام به البعض في وكالة الاستخبارات المركزية كان غير كاف البتة حتى عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.