ظافر محمد العجمي

الحرب الوقائية هي أحد مظاهر الخوف الذي يراود بحدةٍ العقلَ الباطن اليهودي منذ أن هاجم نبوخذ نصر القدس وهزم ملكها laquo;صدقيا بن يوشياraquo; ونقلهم أسرى إلى بابل عام 586ق.م. هذا الخوف ولزومية الهجمات الوقائية لم تكن وليدة اللحظة في صباح 31 مايو 2010م، بل كانت ولا تزال جزءاً من العقيدة القتالية الإسرائيلية، لذا شكل الصهاينة العديد من الوحدات العسكرية المكلفة بالعمليات الاستباقية التي تسهل عمل الجيش أو تردع خطط العدو الدائم الكامن في وجدانهم.
وفي تحدٍ للنحس الذي يمثله الرقم 13، أطلق الصهاينة على صفوة قواتهم المخولة بالعمليات البحرية الخاصة اسم laquo; شايطيت Shayetet 13raquo; حين تأسيسها عام 1948. ولأن لكلٍ من اسمه المنحوس نصيباً، فقد توالت إخفاقات الوحدة خلال أكثر من نصف قرن مع مكابرة صهيونية لافتة للنظر. وقد كانت أبرز عملياتها الفاشلة في اليوم الأول من حرب يونيو 1967 حين ألقى المصريون القبض على 6 من عناصرها خلال مهمة سرية في ميناء الإسكندرية. وفي 1969 قتل ثلاثة من عناصرها وجرح عشرة خلال غارة الجزيرة الخضراء المصرية، كما خسرت بعض رجالها في 1973م في عملية ربيع الشباب laquo;Operation Spring of Youthraquo; حين أغارت على بيروت واغتالت كمال ناصر، وكمال عدوان، وأبويوسف النجار. وفي 8 سبتمبر 1997 صفع حزب الله اللبناني تلك الوحدة صفعة مدوية في منطقة الأنصارية، حيث قتل 11 جنديا بما فيهم قائد الوحدة. وفي عام 2006 داهمت متدربي الوحدة أمراض السرطان جراء تلوث مياه نهر قيشون في حيفا بمواد جرثومية وكيماوية وكان النهر يستعمل لتنفيذ تمارين وتدريبات غوص لأفراد الوحدة.
لم يكن لسوء الطالع دخل فيما حدث صباح 31 مايو 2010 وأدى لمقتل 20 مدنياً على أسطول الحرية، بل كان فشلاً عملياتياً كبيراً تتحمله قوة الصفوة laquo;شايطيت Shayetet 13raquo; ويتحمله الجيش الإسرائيلي كله. ويتوقع أن يطيح برؤوس عدة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
لقد استهلت الوحدة أخطاءها بالاعتماد على تقارير الموساد، وكما تمت تعرية الموساد على يد الفريق ضاحي بن خلفان بن تميم ورجاله في دبي، فشل الموساد في جمع المعلومات المطلوبة عن السفن وهي تستعد للإبحار إلى غزة من حيث تقدير الخطر الممكن من الناشطين ومن الأدوات والعدة الموجودة على ظهر السفن. ولعل أضعف تبرير صدر حتى الآن في هذا السياق هو القول إن القوات الخاصة قررت تنفيذ العملية في المياه الدولية قبل أن تتخلص سفن الناشطين من مطلوبين لإسرائيل ومن أسلحة وممنوعات كانت في طريقها إلى قطاع غزة.
لقد تجاهل رجال وحدة laquo;شايطيت Shayetet 13raquo; أن الإنزال البحري بين السفن كان ولا يزال منذ عصر الأرمادا الإسبانية الغابر من أعقد وأخطر العمليات الحربية، وقد تطور في العصر الحديث ليسمى (VBSS) اختصارا لمهمات أربع هي الزيارة laquo;visitraquo; والإنزال laquo;boardraquo;، والبحث laquo;searchraquo; والاقتياد laquo;seizureraquo;.
وقد ظهر الفشل في زوايا المهمة الأربع، فقد كان بمقدور الناشطين المدنيين إعاقة وضع سلالم الحبال بين السفن، أو تلقف النازلين بالحبال من المروحيات بالأسلحة البيضاء والعصي وكل ما يشكل أداة ضرب. بل إن خراطيم إطفاء الحرائق -كما يقول خبير عسكري ndash; يمكن أن تشكل خطراً إذا استخدمت لإبعاد سفن المغيرين الصهاينة المطاطية من أن تلتصق بسفن الإغاثة. لقد كان على ظهر السفن ما يصل إلى 700 راكب وكان منهم من ينام على السطح مباشرة مما يلغي ذريعة المفاجأة لدى الإسرائليين لو تعذروا بتطور الموقف العملياتي وخروجه عن السيطرة ومقتل أعداد كبيرة من المدنيين.
لقد كان من الأخطاء العملياتية التي اقترفتها إسرائيل في تنفيذ العملية التي سموها رياح السماءraquo; Operation sky windraquo; عدم الاهتمام بحجم الحشد، فقد كانت القوة المغيرة صغيرة جدا مقارنة بمن كان ينتظرها على سطح السفن، وكانت تعوّل على تقنيات المفاجأة والضرب بقوة والاحتواء السريع للموقف والسيطرة على طاقم السفن والركاب، وهذا ما لم يحصل، فقد تم طرح بعض الجنود الصهاينة أرضاً ساعة هبوطهم من المروحيات وانتزع سلاحهم ووجه إلى نحورهم، مما أطال فترة السيطرة فكثر عدد المقاومين وشجع آخرين على المقاومة فبدأ الصهاينة باستخدام النار.
لقد تجاهل الصهاينة مواقف طالما مروا بها وتتمثل في صعوبة التعامل مع تمرد الفلسطينيين ومناصريهم والناشطين في هذا المجال بعد إلقاء القبض عليهم، وصعوبة وضعهم تحت السيطرة بيسر كما هي الحال مع المتظاهرين والمناهضين للسلطات في أرجاء أخرى، حيث سلك الصهاينة أقصر الطرق وهي قتل الناشطين الذين قاوموهم. كما أخطأ الإسرائيليون أيضا عندما استخدموا القنابل المسيلة للدموع في وسط محدود المساحة بين جموع غفيرة وكأنهم في شوارع الخليل، مما جعل الجنود الصهاينة أنفسهم ضحية لأثر تلك الأسلحة التي شكلت سحباً أثارت الهلع في قلوبهم وكان الحل في استخدام السلاح.
وقد حاول الجيش الإسرائيلي تغطية إخفاقاته بالقول إن استخدام جنود وحدته الخاصة لأسلحة تحمل كرات أصباغ laquo;paintball gunsraquo;، وإن الذخيرة الحية كانت في الجيوب الخلفية لمنتسبي الوحدة، حيث لم يسبق أن استخدم أحد من قبل قاذفات كرات الصبغ لغير أغراض التدريب، ولو كانت نية الصهاينة عدم إيذاء أحد لما قتلوا 20 مدنياً، لقد كانوا في حلٍ من أي التزام أخلاقي أو دولي، ولو كانوا غير ذلك لاستخدموا الطلقات المطاطية التي لا يستخدمها أحد في العالم بقدر استخدامهم لها.
بالمقاييس العسكرية كانت عملية رياح السماء فشلاً ذريعاً لوحدة يجلل الفشل سجلها العسكري وتسمى laquo;شايطيت Shayetet 13raquo; وكانت النتيجة كما صرح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي laquo;أن الجنود تعرضوا لإطلاق النار والاعتداء بالسلاح الأبيض من قبل ركاب السفن الذين استخدموا السكاكين والهراوات.
كما خطف بعضهم السلاح الشخصي من أحد الجنود وفتحوا كما يبدو النار منهraquo;. ومن جهة أخرى قد يكون اختيار الوحدة بجلافتها وعشوائية تنفيذ مهماتها أمراً مقصوداً في الأصل لخلق الأجواء التي تلبدت بها سماء القضية.
وهنا نتساءل عن سبب الغطرسة الإسرائيلية حيال قضية كانت تحت مجهر العالم بكل تفاصيلها؟ فهناك من يقول إنها كانت طعماً تركياً ابتلعه الصهاينة بغباء، وسيطيح بدون شك برؤوس إسرائيلية عدة. وهناك من يذهب إلى أن الإنزال الإسرائيلي بالقوة بدل إجبار السفن على مرافقتها، أو تكليف الضفادع البشرية الإسرائيلية بإعطاب محركات السفن وسحبها إلى ميناء أشدود، استهدف قتل وجرح أكبر عدد ممكن من المواطنين الأتراك الذين كانوا يمثلون الأغلبية على تلك السفن لإذلال أردوغان، وغل، وحزب العدالة، وتصويرهم كعاجزين عن حماية مواطنيهم، وتشويه صورتهم أمام الشارع العربي الذي اعتقد لوهلة بإمكانية أن تكون تركيا هي اللاعب القوي الموازن لإسرائيل في الشرق الأوسط.