خيرالله خيرالله

في استطاعة إيران، التي تواجه حالياً المجتمع الدولي، الاستفادة من الرسالة التي وجهها إليها لبنان عبر موقفه في مجلس الأمن. أنها رسالة عربية ولبنانية في آن. رسالة صادرة عن العرب الذين يرفضون المزايدات ولغة الابتزاز التي لا طائل منها في المدى الطويل. في الواقع، اتخذ لبنان موقفاً حكيماً أراد من خلاله حماية نفسه وذلك عندما امتنع المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة السفير نوّاف سلام عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. قام المندوب الدائم بما يمليه عليه ضميره، وذلك بالترافق مع صدور القرار الرقم 1929 الذي تضمن رزمة رابعة من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي. كان مهماً أن يتّخذ لبنان مثل هذا الموقف المتوازن، الذي يكشف في الوقت ذاته بكل أسف، العجز الحكومي عن اتخاذ مواقف من قضايا كبيرة. ولذلك، قال السفير سلام في الكلمة التي ألقاها في جلسة مجلس الأمن: laquo;قامت حكومة بلادي بدراسة موضوع التصويت المهم المعروض أمامنا اليوم، ولمّا لم يتبلور موقف نهائي لديها في اللحظة التي نجتمع فيها، لذلك فإن لبنان قد امتنع عن التصويتraquo;.
تعكس تلك العبارة القصيرة الواردة في كلمة المندوب اللبناني نوعاً من الشلل على الصعيد الحكومي. وثمة من ذهب إلى حد اعتبار ما حصل في جلسة مجلس الوزراء التي درست مسألة التصويت في مجلس الأمن خطوة على طريق ظهور لبنان في مظهر الدولة الفاشلة نظراً إلى العجز عن اتخاذ موقف من أي قضية مهمة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإيران. هذا لا يمنع من أن تكون هناك وجهة نظر أخرى تستند إلى أن على لبنان التعاطي مع الواقع، بما في ذلك أن إيران موجودة بقوة على أرضه بفضل laquo;حزب اللهraquo; الممثل في الحكومة وفي مجلس النواب.
في النهاية، حمى لبنان نفسه واستطاع تمرير عملية التصويت بأقل مقدار ممكن من الخسائر والأضرار. أكّد لبنان مرة أخرى أن الأولوية في المرحلة الراهنة هي للمحافظة على السلم الأهلي والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة الحساسيات بين طوائفه في انتظار اليوم الذي يكتشف فيه الجميع أن لا فائدة من السلاح، أي سلاح، متى كان خارج المؤسسات الوطنية. أي خارج سيطرة الجيش وقوى الأمن الداخلي، وذلك بغض النظر عن اللافتات الكبيرة التي ترفع من هنا أو هناك أو هنالك لتبرير تخزين السلاح تحت شعار laquo;المقاومةraquo;...
المهم في المرحلة المقبلة أن يستمر لبنان في سياسة حماية نفسه من الخضات التي تبدو المنطقة مقبلة عليها، خصوصاً في حال بقي التصعيد سيد الموقف بين إيران من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى. ما لايمكن الاستخفاف به أن القرار 1929 حظي بتأييد كل الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن بمن فيها روسيا والصين. وهذا تطور في غاية الأهمية، خصوصاً بعد سعي تركيا والبرازيل إلى ايجاد صيغة تفاهم مع إيران لم تلق التجاوب المطلوب من الإدارة الأميركية والدول الأوروبية المعنية، على رأسها المانيا وفرنسا وبريطانيا. وما قد يكون أهم من ذلك، أن إدارة الرئيس أوباما نجحت بالطرق الديبلوماسية في استمالة روسيا والصين. وهذا يعني في طبيعة الحال أن هذه الإدارة ليست ضعيفة كما يتصور كثيرون، بمن فيهم إيران. فالقرار 1929 يمثل أول نجاح خارجي كبير للإدارة بعد تمريرها قانون الرعاية الصحية الذي يشكل بالنسبة إليها انجازاً استثنائياً على الصعيد الداخلي.
ليس أمام بلد صغير مثل لبنان لا طموحات له غير المحافظة على الاستقرار الداخلي وإعادة بناء نفسه، على العكس من بلدين كبيرين ومهمين مثل تركيا وإيران، سوى تمرير الوقت والصلاة. الصلاة من أجل أن يكون القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن فرصة كي تعيد إيران النظر في مواقفها بعيد عن أي نوع من أنواع التصعيد. لا يمكن للبنان أو لأي دولة عربية الاستفادة من أي مواجهة تحصل مع إيران، خصوصاً أن اسرائيل تسعى إلى مثل هذه المواجهة التي ستكون لها انعكاسات سلبية على كل دول المنطقة.
في المقابل، يفترض في إيران، التي يحق لها من دون شك أن تمتلك برنامجاً نووياً سلمياً، فهم القرار الأخير لمجلس الأمن بطريقة مختلفة. وهذا يعني أنه بدل متابعة لغة التحدي، عليها التساؤل: لماذا انضمت روسيا والصين إلى المطالبين بحزمة عقوبات جديدة تستهدفها، ولماذا الجدية الروسية في التزام العقوبات وإعلان رئيس الوزراء فلاديمير بوتين من باريس laquo;تجميدraquo; بيعها صواريخ من طراز laquo;اس-300raquo;؟ الجواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة أن المجتمع الدولي أراد ابلاغ طهران أن باب الحوار لم يغلق بعد وأنه ليس على استعداد للانصياع للرغبات الإسرائيلية في المواجهة العسكرية. كل ما أرادت الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، زائد ألمانيا، قوله انها تفضل التوصل إلى تسوية مع إيران، لكنها لن تقبل في الوقت ذاته بالسماح لها بامتلاك السلاح النووي. كيف سترد إيران على العرض الدولي الجديد؟
من حق لبنان وأي دولة عربية اعتماد الحذر الشديد. ومن حق الدول العربية دعوة إيران إلى اعتماد سياسة المنطق بديلاً من سياسة التحدي. نعم، ان إيران قوية في العراق، بل قوية جداً هناك بدليل أن لا حكومة عراقية جديدة من دون ضوء أخضر منها. كذلك، تعتبر ايران قوية في لبنان وغير لبنان. ولكن في مرحلة معينة، لابد من تسوية ما مع المجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة. مثل هذه التسوية تخدم الجميع، خصوصاً الدول العربية في المنطقة. ولذلك، كان موقف لبنان الممتنع عن التصويت على قرار مجلس الأمن بمثابة رسالة إلى طهران فحواها أن العرب ليسوا ضدها... لكنهم ليسوا في الوقت ذاته مع أي سياسة لا تؤدي سوى إلى انفجار إقليمي يدفع ثمنه جميع أهل المنطقة من عرب وغير عرب!