عصام نعمان
بصرف النظر عن مرامي الولايات المتحدة وحلفائها من وراء إنشاء ldquo;المحكمة الخاصة بلبنانrdquo; ذات الطابع الدولي، فإن المحكمة مرشحة للتلاشي والأفول . السبب لأن المعطيات والقرائن والشواهد التي كشفها أخيراً السيد حسن نصرالله تؤشر إلى ضلوع ldquo;إسرائيلrdquo; في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولأن ldquo;إسرائيلrdquo; سارحة خارج القانون الدولي وبالتالي بمأمن من أي تحقيق ومحاكمة على الصعيدين المحلي والدولي .
لا سبيل إلى تجاهل ما كشفه نصرالله . لا القضاء اللبناني في وسعه الامتناع عن التحقيق في المعطيات والقرائن والشواهد التي كشفها، ولا المدعي العام لدى المحكمة الخاصة دانيال بلمار يستطيع ذلك أيضا .
القضاء اللبناني هو أصلاً صاحب الولاية والاختصاص بموجب أحكام الدستور وقانون التنظيم القضائي وقانون أصول المحاكمات الجزائية . ولا يرد علينا بأن الحكومة اللبنانية تنازلت عن ولايتها واختصاصها في قضية اغتيال الحريري إلى المحكمة الخاصة بموجب الاتفاق المعقود بينها وبين الأمم المتحدة والمكرّس في قرار مجلس الأمن الدولي 1757 تاريخ 30/5/2007 وأحكام الوثيقة المرفقة بالقرار المذكور والنظام الأساسي للمحكمة الخاصة الملحق بها، ذلك أن المادة الرابعة من النظام الأساسي للمحكمة نصّت على ldquo;أن للمحكمة الخاصة والمحاكم الوطنية في لبنان اختصاصاً مشتركاً، وتكون للمحكمة الخاصة ضمن اختصاصها أسبقية على المحاكم الوطنية في لبنانrdquo; .
معنى ذلك أن للمرجع القضائي المختص في لبنان (النيابة العامة لدى محكمة التمييز) الولاية والاختصاص للمبادرة إلى التحقيق في المعطيات والقرائن والشواهد التي كشفها السيد نصر الله، وللنائب العام بعد ذلك أن يحيل نتائج التحقيق على مكتب المدعي العام لدى المحكمة الخاصة . كما للمدعي العام بلمار، بموجب أحكام المادة الرابعة نفسها، أن يباشر التحقيق أيضاً وأن يتعاون مع القضاء اللبناني لجلاء الحقيقة .
في حال تمسك سعد الحريري بتفسير خاص لنص المادة الرابعة من النظام الأساسي يحصر الولاية والاختصاص بالمحكمة الخاصة وفق ldquo;اجتهادrdquo; سلفه فؤاد السنيورة، فإن في وسع أكثرية الوزراء في الحكومة الحالية، مدعومةً بأكثرية وازنة في مجلس النواب وفي أوساط الشعب اللبناني، الدعوة الى وقف الاعتماد على القضاء الدولي المستعار وبالتالي إحياء مسؤولية القضاء اللبناني في التحقيق وإحقاق الحق، ولاسيما بعدما نجح السيد نصرالله في بناء شبهة قوية بrdquo;إسرائيلrdquo;، وكذلك دعوة المدعي العام بلمار إلى الانطلاق من المعطيات والقرائن والشواهد والمؤشرات التي بيّنها السيد نصرالله للتوسع في التحقيق بغية جلاء دور ldquo;إسرائيلrdquo; في عملية الاغتيال .
أكثر من ذلك، يمكن اعتماد اقتراح ldquo;الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطيrdquo; الداعي إلى تأليف لجنة تحقيق خاصة من خيرة القضاة نزاهةً وكفاءةً لمباشرة التحقيق مجدداً في الجريمة النكراء على ضوء ما كشفه السيد نصرالله في هذا المجال، بالإضافة إلى التحقيق مع شهود الزور . وفي حال تلكؤ الحكومة عن تنفيذ هذا المطلب الوطني والإنساني المشروع، فإن النواب الوطنيين يمكنهم، مجتمعين أو منفردين، تقديم اقتراح قانون بتأليف لجنة التحقيق المطلوبة وإقراره في المجلس النيابي بالسرعة الممكنة .
هل في الإمكان إقرار أيٍّ من هذه التوجهات والاقتراحات؟
كلا بصراحة، لأن لا مصلحة لأحد، بعد كل ما كشفه السيد نصرالله من معطيات وقرائن تؤشر بقوة إلى ضلوع ldquo;إسرائيلrdquo;، أن تبقى المحكمة قائمة .
لنأخذ موقف كلٍ من الأطراف المعنيين بالموضوع على حدة .
سعد الحريري وحلفاؤه في قوى 14 آذار أرادوا من وراء انشاء المحكمة إلصاق تهمة الاغتيال بسوريا وإدانتها لفرض انسحابها سياسياً وأمنياً من لبنان، والترسمل تالياً على ردة الفعل الشعبية الناجمة عن ذلك كله من أجل ضمان السيطرة على مجلسي النواب والوزراء . ولا شك في أن إجراء التحقيق مجدداً وإمكان توصله إلى إدانة ldquo;إسرائيلrdquo;، بعدما جرى قبل ذلك تبرئة سوريا والضباط اللبنانيين الأربعة، قد يؤديان إلى ضرب صدقية الحريري وحلفائه وبالتالي شعبيته في الصميم وإزاحتهم من السلطة ربما إلى الأبد . من هنا تنبع مصلحتهم الحقيقية بعدم تجديد التحقيق، لبنانيا أو دولياً، لئلا ينتهي إلى إدانة ldquo;إسرائيلrdquo; وإعلاء شأن حزب الله على جميع المستويات .
حزب الله وحلفاؤه لا مصلحة لهم في صدور قرار ظني ملغوم ضده إذ ستستخدمه ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة وبعض دول الغرب الأطلسي في محاولةٍ للتشهير به وإظهاره بمظهر التنظيم الإرهابي بغية تبرير شن الحرب عليه وعلى لبنان . من هنا تنبع مصلحته في تظهير أخطاء رؤساء لجان التحقيق الدولية المتعاقبين وأركان المحكمة الخاصة الذين انجرفوا في مخطط أمريكي صهيوني للنيل من سوريا، بادئ الأمر، ثم من المقاومة التي يقودها حزب الله . فلا مانع لدى حزب الله وحلفائه، والحال هذه، من أن تؤدي حملة اتهام المحكمة بالتسييس والانحياز إلى شلها وأفولها .
الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; ودول أوروبا الممالئة لهما تخشى أن يتأتى عن تجديد التحقيق في الجريمة افتضاح تدخلها في التحقيق بالشهود الزور للنيل من سوريا وحزب الله . كما تخشى أن يتوسل حزب الله وحلفاؤه الفضيحة المدوية الناجمة عن ذلك كله من أجل التشهير بها وتعبئة الجمهور ضدها . من هنا تنبع مصلحتها في عرقلة التحقيق وتعطيل عمل المحكمة على طريق أفولها .
إلى ذلك، تخشى أمريكا وأوروبا والقوى المحلية الموالية لهما أن ينجح حزب الله والقوى الوطنية المؤيدة له في إسقاط حكومة سعد الحريري إذا لم تتجاوب مع مطلب إعادة التحقيق مع شهود الزور أو عدم الموافقة على مباشرة القضاء اللبناني التحقيق في المعطيات والقرائن والشواهد التي أبرزها السيد نصرالله الأمر الذي سيؤدي إلى تأليف حكومة وطنية جديدة تكون للمعارضة (حزب الله وحلفائه) فيها أكثرية وازنة .
السحر انقلب على الساحر، فما عاد في الإمكان استخدام المحكمة الخاصة أداةً سياسية وإعلامية في خدمة ldquo;إسرائيلrdquo; وأمريكا وحلفائهما في العالم .
جميع الأطراف بات لهم مصلحة، إذاً، في إنهاء هذه المسرحية المضحكة المبكية . فهل من مأساة أو مهزلة جديدتين يجري إعدادهما للحلول محلها؟














التعليقات