أحمد يوسف أحمد
فاجأ العاهل السعودي الرأي العام الخليجي والرأي العام العربي بدعوته في قمة الرياض الـ32 التي انعقدت في 19 ديسمبر الجاري دول المجلس إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى الاتحاد في كيان واحد. كان متوقعاً أن يحتل عدد من الملفات كالوضع في كل من سوريا واليمن والعلاقات مع العراق موقع الصدارة في جدول أعمال القمة، ولكن مبادرة العاهل السعودي سرعان ما قفزت إلى هذه الصدارة. وبدت مبررات الدعوة منطقية أولاً لأن الثبات على الواقع -وفقاً للملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود- يعني من الناحية العملية التراجع إلى الخلف طالما أن الأحداث تتجاوز الواقع، وثانيّاً لأنه أشار بحق إلى التحديات التي تستدعي اليقظة ووحدة الصف والكلمة، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى ما يموج به الوطن العربي من إرهاصات تغيير، وكذلك إلى تحدي العلاقة مع إيران ذات المشروع السياسي الإقليمي المعروف، وثالثاً لأن مبادرة العاهل السعودي تستند إلى النظام الأساسي للمجلس الذي نشأ منذ قرابة ثلث القرن، والذي ينص في مادته الرابعة على أن أهداف المجلس الأساسية تتمثل في quot;تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتهاquot;.
تبنت القمة في بيانها الختامي مقترح الملك عبدالله، والسؤال هنا هل جاء هذا التبني من باب quot;درء الحرجquot; كما تعودنا في قرارات الجامعة العربية: quot;نوافق ثم لا نلتزمquot;؟ الحقيقة أنني أتصور أن تكون الإجابة بالنفي أولاً لأن ثمة تشابهاً واضحاً في البني الاجتماعية والثقافية، ناهيك عن التطابق في طبيعة نظم الحكم، وثانيّاً لأن المخاطر التي استند إليها العاهل السعودي في دعوته حقيقية، وثالثاً لأن القمة لم تكتف بتبني الفكرة وإنما قررت تشكيل هيئة بواقع ثلاثة أعضاء من كل دولة توكل إليها دراسة المقترحات من كافة جوانبها في ضوء الآراء التي تم تبادلها بين القادة، على أن تسمي كل دولة ممثليها في موعد أقصاه أول فبراير القادم، بحيث تقدم الهيئة تقريراً أوليّاً عن عملها في مارس القادم إلى المجلس الوزاري في دورته الأولى عام2012 لرفعه لقادة دول المجلس، على أن تقدم الهيئة توصياتها النهائية إلى اللقاء التشاوري الرابع عشر لهم. وإذن فنحن إزاء جدول زمني محكم، وهو أمر إيجابي في حد ذاته، غير أن الحكم على جدية تناول الفكرة لن يكون ممكناً إلا بعد أن تنتهي الهيئة من عملها.
ولن تعاني الفكرة الاتحادية في تطبيقها على دول مجلس التعاون الخليجي من معضلة التباين التي واجهت عديداً من التجارب الوحدوية، فثمة تشابه واضح -كما سبقت الإشارة- في البني الاجتماعية والثقافية والسياسية، وكذلك لن تواجه الفكرة معضلات مؤسسية ضخمة بالنظر إلى خبرة دول المجلس على مدار ثلث القرن في بناء مؤسسات خليجية والتعامل معها، فضلاً عن أنها لن تعاني من مشكلة النخب الحاكمة التي يؤدي الاتحاد إلى فقدانها دورها أو تراجعه، فتعمل من ثم على تخريب الاتحاد، أو على الأقل معاداته، لأن المتصور أن quot;اتحاد الخليجquot; لن يمس نظم الحكم القائمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي. غير أن عملية تأسيس الاتحاد ستواجه بما يسمى معضلة التوازن بين أعضائها.
وحلول هذه المعضلة معروفة، إذ يمكن بسهولة أثناء بناء مؤسسات الاتحاد تطبيق المبدأ الفيدرالي الذي كان quot;الاتحاد الأميركيquot; هو أول من أخذ به، وبموجب هذا المبدأ تكون للأعضاء حقوق منصوص عليها في دستور الاتحاد لا تستطيع السلطة الفيدرالية المساس بها، وعادة ما لا تشمل هذه الحقوق الأمور المتعلقة بالسياستين الخارجية والدفاعية بما في ذلك الحق في إنشاء بعثات دبلوماسية أو تكوين قوات مسلحة، وكذلك تكون للأعضاء مؤسسات حكمهم الخاصة بهم، من تنفيذية وتشريعية وقضائية، على ألا تخالف في عملها المبادئ العامة للاتحاد، ويلفت النظر مثلاً أن السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأميركية وكافة الاتحادات الفيدرالية الأخرى تكون بيد مجلسين أحدهما يتكون على أساس قاعدة المساواة التامة بين الأعضاء (مجلس الشيوخ في الحالة الأميركية)، والثاني يعكس التفاوت بينها وفقاً لعدد السكان (مجلس النواب)، ولا يمر تشريع يتعلق بالاتحاد دون موافقة كلا المجلسين، بحيث يطمئن كل من القليل والكبير سكاناً بأن الآخر لن يسيطر على عملية التشريع في الاتحاد.
أما رئاسة الاتحاد فيمكن أن تكون بالتناوب سنويّاً، أو تكون لحاكم أحد الأعضاء يختاره الباقون لمدة محددة، أو رئاسة جماعية في شكل مجلس توضع آلية صنع القرار فيه بالطريقة التي تقوي السلطة الاتحادية دون أن تكون على حساب الأعضاء الذين قد لا يوافقون على القرار المتخذ، وإذا أريد لهذه الآلية أن تكون قوية تماماً (تصدر القرارات فيها بأغلبية الثلثين على سبيل المثال) يمكن في هذه الحالة ترك نوع من المرونة للأعضاء غير الموافقين على القرار يتيح لهم عدم الالتزام به لوقت معين أو غير محدد كما هو وضع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي مثلاً بالنسبة للسياسة النقدية.
وكذلك فإن تعزيز قوات quot;درع الجزيرةquot; سيكون مطلوباً بإلحاح في الاتحاد الجديد، ويفترض ألا يثير هذا مشكلات تذكر من حيث المبدأ، ولكن ما يمكن أن يثير خلافات هو السياسة الخارجية الموحدة، لأن ثمة تبايناً في بعض أبعاد السياسات الخارجية لدول المجلس، ومع ذلك فإن الحوار المصاحب لعملية تأسيس الاتحاد يمكن أن يحل هذه المشكلة.
وتبقى المشكلة الاقتصادية لأن ثمة دولاً خليجية بالغة الثراء وأخرى متوسطة الثراء، كما أن هناك خلافاً في الرؤى الاقتصادية لبعض المسائل، وبما أن فكرة دمج ثروات الأعضاء لن تكون واردة فسيتعين على الاتحاد الجديد أن يتوصل إلى آلية تتم بواسطتها مساعدة الدول الأكثر ثراءً للأقل ثراءً بما يقرب مستويات النمو بينها جميعاً، ويسهل عملية الاتحاد الحقيقي، وهو ما فعلته -مع الفارق بطبيعة الحال- ألمانيا الغربية مع ألمانيا الشرقية على سبيل المثال بعد الوحدة.
أعاد العاهل السعودي ومجلس التعاون الخليجي هدف الوحدة إلى جدول الأعمال العربي، وهو تطور بالغ الأهمية ستكون له مردوداته الواضحة على النظام العربي من ناحية، فضلاً عن أنه سيواجه بممانعة إقليمية وربما دولية ينبغي التحسب لها من ناحية أخرى.











التعليقات