هتون أجواد الفاسي

إن أي مراقب للشأن القانوني في السعودية سيلاحظ على الفور تكدس القضايا في المحاكم لاسيَّما قضايا الأحوال الشخصية والتي تشمل الزواج والطلاق والنفقة والحضانة والإرث بشكل رئيس بما يتفرع عنها من تبعات. وكما نرى فهي القضايا التي تكون المرأة بالضرورة طرفاً فيها وفي أحيان أخرى الأطفال كذلك. وفي ظل استئثار جنس واحد بالمحاكم قضاء ودفاعاً وإدارة فإن المرأة تجد نفسها دوماً الحلقة الأضعف وغير المرحب بها في أجواء المحاكم الرجالية مهما كانوا مضيافين ومرحبين. ويتبع الأجواءَ الشكلية الأجواءُ المضمونية، فكيف تصاغ الأحكام وكيف تتخذ فيها القرارات ومن يضع الأنظمة ويغير فيها وينقح، للإجابة سوف نجد أنهم كذلك إخوتنا الرجال ممن لا نشك في ذممهم ولكن نضع علامات استفهام حول إلمامهم بما يهم المرأة ومصالحها وتفاصيل قضاياها بحيث يكون الناتج خروج كثير من الأحكام والأنظمة في صالح المشرع الذكر بالدرجة الأولى، فـquot;الغايب ليس له نايبquot; كما يقولون. وهذه ليست إلا مقدمة لأحد المواضيع القانونية الشائكة في أروقة المحاكم والتي تُظلم فيها المرأة بشكل كبير، ألا وهي الحضانة.
ولا أدعي أنه موضوع جديد لم يطرق أو لم يلفت نظر المؤسسة القضائية إليه، لكني أجد أن استجابتهم لدواعي الحاجة إلى تحرك جاد في أمر الحضانة ما زال ضعيفاً لاسيَّما ونحن نتناول قضايا بشرية. والزاوية التي أريد تناول موضوع الحضانة من خلالها هي تبعات الحكم بالحضانة لغير الأم لأي سبب من الأسباب التي بحاجة لكثير من المراجعة والتحقق منها. وما يتبع هذا الموضوع في الفترة الحالية هي القضية البشعة والمأساوية التي شهدتها الطائف الأسبوع الماضي وهزت المملكة وما زالت، باكتشاف الطفل المفقود أحمد الغامدي ذو الأربع سنوات جثة مكومة في كيس زبالة بعد تعرضه للضرب حتى الموت واعتراف زوجة الأب بقتله.
فهذه الحادثة المؤلمة تفتح ملف أحكام الحضانة وسوف تبقيه مفتوحا ًحتى يتم اتخاذ قرار شجاع من طرف القضاء ليراجع أحكام الحضانة السابقة والحالية. وقد استطرد في هذا الموضوع مطالبين بسن قوانين لمحاربة العنف ضد الأطفال وإجراء الدراسات عدد من الكتاب والكاتبات مثل جمال بنون وناصر الحجيلان ومنيرة المشخص وأميمة الجلاهمة ومحمد الثبيتي وخلف الحربي وغيرهم. كما تناول القضية القانونيون والحقوقيون فطالبت جمعية حقوق الإنسان في المملكة بعد هذه الحادثة، بإنشاء هيئة خاصة بحماية الأطفال، تهتم بحقوقهم، ورعاية مصالحهم، وحمايتهم من العنف، كما طالبت المحاكم ndash; بحكم الاختصاص ndash; بتقنين الأحكام المتعلقة بحضانة الأطفال.
وتكونت على الفيس بوك صفحة تدعو للحضانة للأم أو للجدة وتطلب السماح من أحمد على التقصير في المطالبة بحقه رغم أنها لم تكن الحالة الأولى التي يشهد فيها المجتمع السعودي تعنيف الأطفال حتى الموت من طرف الأب أو زوجة الأب في أجواء طلاق ومنع الحضانة عن الأم وقائمة الأطفال ممن قضوا مؤلمة فهذه غصون ذات الأعوام الـ9 التي قضت تحت تعذيب والدها وزوجة أبيها (مكة المكرمة 2006) ونفذ فيهما القصاص في 2008، وشرعاء التي قتلت على يد والدها في أبريل 2008، وأريج التي سبقتها للدار الآخرة. ومن قائمة الأحياء الطفلة رهف التي حرقت أطرافها من قبل زوجة أبيها مديرة المدرسة السابقة وعضوة لجنة إصلاح البين، وبالكاد عادت إلى الحياة (الطائف 2005) ومحمد ذو العاشرة الذي ينال التعذيب والحرق على يد والده وأخيه لأبيه (الطائف 2008) وغيرهم، ولا أستثني من العنف ضد الأطفال عملية خطفهم للتنكيل بأمهم كما في حالة الطبيبة السعودية حيث تم خطف بنتيها من الإمارات بعد زواج أربعة عشر عاماً ولم يبت القاضي في أمر حضانتها لهما ولا رؤيتهما حتى الآن. وكما لاحظ من قبل الكاتب القدير محمد صادق دياب رحمه الله، فإن قضايا العنف لم ترد في أي منها أن الأم هي المتهمة أو المعنفة أو القاتلة، بينما كانت هي دوماً المطلقة المنتظرة لموعد زيارة أبنائها أو من ترفع الشكاوى والقضايا للحكم في قضية حضانتها لأبنائها عمراً بأكمله.
ووفق إحصاءات وزارة العدل فإن هناك 10.000 قضية حضانة تنظر في المحاكم ولم يبت في أمرها بعد وهذا أمر يستغرق أعواماً وأعوام يكون الأطفال قد أنهوا فترة طفولتهم دون الرعاية الأسرية المنشودة لتأخر النظر في قضاياهم أو للحكم في غير صالح الطفل ولصالح الأب في غالب الأحيان، كما في قضية الطفل المغدور أحمد الغامدي الذي تأخرت قضيته ثلاث سنوات ونصف ولم يبت فيها بعد، ومضت السنون وتصل أخت أحمد الكبرى، ريتاج إلى سن السابعة دون أن تنقل حضانتها إلى أمها حتى بعد ثبوت العنف الوحشي الذي تعرض له أخوها في بيت أبيها وشكواها مما تتعرض له هي أيضاً، وما زال الأب يتصرف وكأنه المالك المتصرف فينقل الفتاة إلى الباحة ويبلغ خال الطفلة أن حضانة الطفلة من حقه لبلوغها السابعة (صحيفة وئام).
والأمر المكرر الذي لا بد أن يُعاد دون كلل هو أن ضرورة إيجاد حل لحضانة الأطفال لاسيَّما الفتيات منهن، بألا تنقل إلى الأب بشكل آلي بعد وصولهن السابعة، فهذا الحكم خلافي وليس قطعي وما يجب أن يُقدم في أمر الحضانة هي مصلحة الأطفال ولو تعدوا العمر المتعارف عليه للانتقال إلى حضانة الأب. فضلاً عن مراجعة حالات التسويف والتأخير التي تُنسب إلى المحاكم والتي تقضي على حياة أسر بأكملها، فكل يوم وكل شهر تتأخر فيه قضية الحضانة ونقل الأطفال بعد الطلاق إلى أمهم يؤدي إلى مآس لا حصر لها تعج بها البيوت. لقد أصبح حرمان الآباء بعد الطلاق الأمهات من رؤية وحضانة أطفالهن أمراً لا يخلو منه بيت لاسيَّما في حال ارتفاع معدلات الطلاق لدينا والتي ينتج عنها أطفال عرضة للنزاع وللانتقام. وفي غياب أنظمة عادلة تكفل تنفيذ الأحكام الشرعية المنصفة للأطفال ثم للأم وأجهزة تراقب بيوت الأسر الحاضنة وحال الأطفال فيها، فإننا سوف نبقى في دوامة العنف ضد الأطفال ولن نسامح أنفسنا على هذا التفريط.
وباختصار، لا بد من وضع مدونة لأحكام الأسرة تتبع محكمة خاصة بالأحوال الشخصية تشارك النساء المختصات في وضعها.