عبد العزيز بن عثمان التويجري


دعت المملكة العربية السعودية إلى تغليب صوت الحكمة ووقف إراقة الدماء واللجوء للإصلاحات الجادة التي تكفل حقوق الإنسان العربي وكرامته. جاء ذلك في جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها الإثنين (11 يوليو/تموز) خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في الوقت الذي كان العالم العربي يحتاج إلى صوت الحكمة ونداء العقل، يصدران من أرض الحرمين الشريفين، لضبط النفس الأمارة بالسوء والنزاعة إلى الشر، وللحيلولة دون انهيار النظام العربي وإشراف الأمة على الإفلاس الحضاري الذي هو أشدّ فتكاً بالأمم من كل أزمة وأخطر محقاً لها من كل كارثة.

كما جددت المملكة رفضها أي تدخل خارجي يضر بمصلحة دول الخليج، معلنة عن ترحيبها وارتياحها لعودة الأمن والاستقرار في البحرين، ولمسيرة الإصلاح والتطوير الجادة في هذا البلد الذي تعرض لمخاطر أحدقت به وكادت تفتك بأمنه الوطني وبسيادته، لولا التحرك الرصين والحازم والسريع من مجلس التعاون لدول الخليج، ولولا الدور الحاسم الذي اضطلعت به المملكة العربية السعودية في الوقت المناسب، لحماية أمنها ومصالحها التي هي من دون أي شك، جزء من مصالح المنطقة برمتها وأمنها.

إن الفتنة العارمة الكاسحة التي تسري نارُها في العالم العربي في هذه المرحلة، والتي أطلق عليها laquo;الربيع العربيraquo;، وهي شتاء عاصف مهدد للأمن وللاستقرار وللسلم الأهلي في عدد من الدول العربية، تهدف إلى إسقاط دول المنطقة في مستنقعات الفوضى التي لا تبقي ولا تذر.

فوضى تحيل العالم العربي إلى ساحة للغليان والهيجان، والاحتراب الذي يدمر الإنسان والعمران والأوطان. ويخرج عن هذا الإطار، المطالب المشروعة والمحقة التي ترفعها الشعوب العربية للقيام بالإصلاحات في شتى الميادين وعلى مختلف المستويات. فلا أحد يرفض أن تنطلق مسيرة الإصلاح والتطوير الجادة في جميع الدول العربية من دون استثناء، لأن الإصلاح ضرورة حياة، وحق مشروع، ومطلب عادل، ومسوؤلية يتحملها الجميع. بل أقول إن الإصلاح الشامل العميق والجاد والمخلص، هو واجب شرعي وفريضة دينية. وقد دعا الموقف السعودي الذي عبر عنه مجلس الوزراء، للجوء إلى laquo;الإصلاحات الجادة التي تكفل حقوق الإنسان العربي وكرامتهraquo;. وهي دعوة تنطوي على دلالات عميقة جديرة بأن تؤخذ في الاعتبار من الجميع، خصوصاً من طرف الحكومات العربية التي تقع اليوم تحت ضغط الشارع الصاخب، الرافض للواقع، والمطالب بالتغيير وبالحق في أن يحيا الإنسان العربي حراً عزيزاً في وطنه موفور الكرامة.

إن هذه الصورة الكالحة للأوضاع في عدد من المناطق العربية، إذا كانت تفزع وتقلق، فإنها لن تكون باعثة على اليأس والإحساس بالهزيمة والاستسلام للأمر الواقع المفروض بقوة الإكراه والتدخلات الأجنبية. ولذلك فإن الموقف السعودي الذي عبر عنه في جلسة مجلس الوزراء، والذي انطلق من الشعور العميق بالأسى والحزن لسقوط الكثير من الضحايا من جراء الأزمات في عدد من الدول العربية، هو الموقف المسؤول الذي يصدر عن وعي رشيد بالمسؤولية التي تتحملها المملكة إزاء شقيقاتها في المنطقة وفي العالم الإسلامي قاطبة.

ومن الأمانة والنزاهة التأكيد في هذا السياق، على أن رفض الإصغاء لصوت الشارع، وعدم الاهتمام بما يطالب به، والتمادي في السير على النهج المناهض للإصلاح المطلوب، كل ذلك يتعارض كلياً ومن جميع الوجوه، مع المصالح العليا التي تستوجب أن تكون فوق كل حساب، وأن تحظى بالأولوية في جميع الأحوال. كما أن هذا السلوك المتصلب المنفلت من ضوابط المنطق والحكمة والمصلحة، يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، ويعرض الدولة والشعب والأمة جميعها، لمخاطر شتى لا قبل لأحد بالتصدي لها.

ومن أجل ذلك، فإن من شأن التجاوب مع صوت الحكمة ونداء العقل اللذين انطلقا من الرياض، أن يساهم في تفويت الفرصة على الطامعين في مقدرات الأمة، المتربصين بها، المتآمرين عليها مهما اختلفت سياساتهم وتعددت أساليبهم، بقدر ما يؤدي هذا التجاوب - خصوصاً إذا ارتقى إلى مستوى الاستجابة - لترميم ما تصدع من تماسك الأمة، ولتعويض ما فاتها من فرص للنماء والبناء وللمّ الشمل وتعزيز الانتماء ولتعميق وشائج الإخاء.

وفي ذلك تعزيزٌ لدور جامعة الدول العربية وأمينها العام الجديد، في تحقيق تطلعات الدول والشعوب العربية وآمالها المعقودة عليها؛ لأن قوة الجامعة من قوة الدول الأعضاء، ولأن مستقبل الأمة يصنع في حاضرها.

ولقد آن الأوان لتصغي الدول العربية إلى صوت الحكمة وتلبي نداء العقل اللذين أطلقتهما الرياض في هذا الزمن الصعب. فتلك هي سفينة النجاة في هذا البحر اللجي.