الأردنhellip; بعد التعديلات الدستورية!

صالح القلاب
الجريدة الكويتية
باستثناء laquo;الإخوان المسلمينraquo; وبعض القوى الهامشية وعدد من شبان المساعدات الأميركية (U.S.AIDS) فإن الغالبية العظمى من الأردنيين قد استقبلت التعديلات الدستورية, التي بلغت اثنين وأربعين تعديلاً والتي أعدتها لجنة ملكية من بعض رؤساء الحكومات السابقين ومن كبار المشرعين والقانونيين, بارتياح كبير وبثقة بأن الأردن سيبقى على شاطئ الأمان رغم كل هذه العواصف الهوجاء التي تضرب عدداً من الدول العربية من بينها الجارة الشمالية سورية.
هناك في الأردن كما في أي بلد من بلدان العالم مجموعات وتنظيمات laquo;مايكروسكوبيةraquo; تعيش على هوامش الحياة السياسية لا شغل لها إلا المعارضة من أجل المعارضة وإغماض العيون عن أي إيجابيات والإصرار على عدم رؤية إلا السلبيات، وهؤلاء جميعاً بادروا، وبينما الأردنيون يعيشون لحظة تحولٍ تاريخية فعلية، إلى التقليل من شأن ما حصل وإنكار أي جديد في ما حصل وهذا ينطبق عليه قول المتنبي:
ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريض
يجد مُراً بـه الماء الزلالا
بعد هذه التعديلات, التي أخذت طريقها أولاً إلى الحكومة ثم إلى مجلس الأمة بجناحيه النواب والأعيان, ستكون هناك هيئة متصلة للإشراف على الانتخابات، وستكون هناك محكمة دستورية للنظر في دستورية القوانين كما ستكون هناك استقلالية للقضاء على أساس الفصل بين السلطات, السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية, وكذلك فإن محاكمة الوزراء ستصبح أمام القضاء بدلاً من مجلس النواب، وأن مبدأ التداول على السلطة سيكون من خلال حكومات برلمانية عبر انتخابات حرة ونزيهة وفقاً لقانون عصري يعطي فرصة لمشاركة كل القوى والأحزاب والتشكيلات والتنظيمات السياسية.
إنها بداية، ولكنها بداية واعدة، فتعديل اثنين وأربعين مادة دستورية أساسية يعني أن الأردن حقق انتقالة تاريخية في مجال الإصلاح السياسي والديمقراطية والحريات العامة ويعني أنه بات في منأى عن كل هذه العواصف التي ضربت والتي لا تزال تضرب بعنف بعض دول هذه المنطقة العربية والتي وللأسف قد تنحرف عن خط سيرها وتؤدي إلى حروب أهلية مدمرة أو إلى انقلابات عسكرية كانقلابات خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي أوصلت هذه الأمة إلى ما وصلت إليه.
تساءل كثيرون, عندما وصل بعض شرر ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمنhellip; ولاحقاً في سورية إلى الأردن, عن إمكان الصمود في وجه هذه الأمواج العاتية الزاحفة، وكان جواب غير الحاقدين الذين هم الأكثرية أن التجربة الأردنية تختلف عن تجربة الآخرين بأن هناك قانوناً يلزم الجميع هو قانون التسامح وأن عملية الإصلاح لم تبدأ بعد أن بدأ هذا الـlaquo;تسوناميraquo; السياسي يضرب المنطقة بل قبل أكثر من عشرين عاماً حيث في عام 1989, كما هو معروف, أُطلقت الحريات العامة وسُمح بالتعددية الحزبية لكل الأحزاب وكل التيارات اليمينية واليسارية والوسطية، وحيث أُلغيت المحاكم العسكرية إلَّا في الحالات المتعلقة بالإرهاب وقضايا أمن الدولة، وباتت التجمعات والمظاهرات والاحتجاجات مسموحة وبلا عوائق وأصبحت الصحافة حرة ولا يحتاج إصدار الصحف إلَّا إلى مجرد إشعار للحكومة.
وهكذا ولأن الأردن بقي محكوماً بما يسمى قانون التسامح، ولأنه بدأ عملية الإصلاح مبكراً، ولأن هذا الإصلاح جاء استجابة لرغبة الأردنيين وليس تحت ضغط أي قوة خارجية، فإنه ورغم كل هذه الاحتجاجات اليومية والأسبوعية المتواصلة لم يُقْتلْ ولم يُجرح أي أردني على مدى كل هذه الشهور الساخنة، والسجون لم تستقبل أي معتقل سياسي والمعترضون والمعارضون بقوا يُستقبلون حتى في الديوان الملكي، مع أنهم بقوا يتمسكون بمواقفهم المتعارضة مع مواقف الغالبية الأردنية.
تأملات في التعديلات الدستورية
طاهر العدوان
العرب اليوم الأردنية
تمثل التعديلات انجازاً حقيقياً على طريق الاصلاح السياسي الشامل. واهم ما ترمز اليه من دلالات انها توفر القناعة لكل متابع للشأن الاردني العام, داخل البلاد وخارجها, بأن الملك عبدالله الثاني جاد في المضي والى ابعد الحدود التي تتطلبها عملية الاصلاح السياسي على طريق اعادة بناء الدولة وفق أسس جديدة من الحريات العامة, دولة المؤسسات واحترام حقوق الانسان وفي مقدمتها كرامة المواطن وحقه في المشاركة بادارة شؤونه العامة.
التعديلات تجسد قناعة الملك بأن الديمقراطية ;اي البرلمان المنتخب, انتخاباً حراً بضمانات دستورية امر لا مناص منه وهو نتيجة منطقية لأي عملية اصلاح سياسي, بهذا المعنى فإن اعادة الاعتبار لكل بنود دستور 1952 واستعادة (المشطوب منها) هو تجسيد للملكية الدستورية, باعتبار الدستور الجديد يؤسس لمرحلة انتقال سلمي الى النظام الديمقراطي يشارك فيها الشعب والملك معاً, وهو ما يضع الاصلاح في البلاد على خط آخر غير السائد في الثورات العربية حيث يتم الاصلاح عبر تحطيم الانظمة القائمة.
وعلى غرار النماذج الديمقراطية التي انطلق بناؤها على دساتير محترمة, فإن العبرة ليست في حشد المواد والنصوص الدستورية بين دفتين, انما في آليات تطبيقها على ارض الواقع. والتحدي الاكبر في القدرة على اقامة صرحين من الصروح اللازمة, لبناء الديمقراطية. الاول: البرلمان الدستوري. والثاني: الحكومة الدستورية.
لقد وضعت التعديلات المداميك اللازمة لوجود برلمان دستوري بالاعتماد على انتخابات حرة نزيهة. لكن شرط قيام مثل هذا البرلمان يعتمد على مدى اقتراب قانون الانتخابات الجديد من روح ونصوص الدستور.
وبالطبع, لم توضع التعديلات من اجل تقوية مجلس النواب الحالي, انما المجلس المقبل الذي سيقوم على ارضية دستور 52 (بنسخته الجديدة). وعلى نتائج الانتخابات وفق القانون الجديد ايضا وبصراحة اذا كانت هناك حالة من الاطمئنان بأن مجلس النواب الحالي سيمرر التعديلات الدستورية كما هي لان الملك يضع ثقله خلفها. فإن المخاوف المتداولة بين الاوساط الشعبية والسياسية ان يُجهض المجلس روح التعديلات الدستورية عند مناقشته لقانوني الانتخاب والاحزاب بما يهدد مسيرة الاصلاح وهذا ان حدث, سيولد حركة متزايدة من الاحتجاجات الشعبية.
لقد منحت التعديلات مجلس الامة قوة كبيرة, وهذا يفرض وجود حكومة قوية لتحقيق التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية, وقوة الحكومة مرهونة بمخرجات قانوني الانتخابات والاحزاب, واخشى, على ضوء ما تقدمت به لجنة الحوار الوطني من مشروعي القانونين اللذين لم ينجحا في وضع نظام قوائم تنافسية ترسم الخريطة النيابية, ان لا يكون المسرح السياسي والحزبي والشعبي في البلاد مهيأ لارسال اغلبية نيابية (او ائتلاف الاغلبية) الى المجلس المقبل.
إن من اهم العبارات التي قالها الملك في حفل اعلان التعديلات الدستورية دعوته الحركات الشبابية والاجتماعية والاحزاب للمشاركة في عملية الاصلاح.
وهذا هو (مربط الفرس) في التحول الى الديمقراطية, هذه المشاركة ستكون ممكنة وحاضرة بقوة, اذا قامت خطوات الاصلاح بالترتيب على (1) حكومة انتقالية قوية تحصل على ثقة الشعب بوضع قانون انتخاب جوهره نظام القوائم التنافسية وقادرة على تمريره في مجلس النواب 2) ضمان اجراء انتخابات حرة تضع حدا للتجاوزات والتدخلات الرسمية المعهودة وان تستعين الحكومة بضمانات رقابية, محلية ودولية, على الانتخابات ترجمة للضمانات التي جاءت بها التعديلات الدستورية 3) بذلك تكون قوانين الاصلاح هي تتويج عملية انتخابية حرة تشارك فيها جميع قوى الحراك الشعبي بما يمنحها الثقة الجماهيرية, المنبثقة عن شعور المواطن بأنه مشارك فاعل في عملية التحول الديمقراطي من خلال انتخاب ممثليه في مناخات الربيع العربي الجديد.