كتب: David Schenker

ثمة سياسات كثيرة يمكن أن تطبقها الولايات المتحدة لتسريع سقوط الأسد من دون أن تشمل إلقاء القنابل على دمشق، وأفضل ما في الأمر هو عدم الحاجة إلى الانتظار قبل تنفيذ تلك الخطوات، فإذا اختار الاتحاد الأوروبي الانضمام إلى الولايات المتحدة لفرض العقوبات على قطاع الطاقة، فستكون هذه الخطوة ضربة قاسية في وجه النظام السوري.
يوم الخميس الماضي، أصدر الرئيس أوباما تصريحاً كان يجب أن يدلي به منذ فترة طويلة ودعا فيه إلى تغيير النظام في سورية، فأعلن صراحةً أن ldquo;الوقت قد حان كي يتنحى الرئيس بشار الأسدrdquo;. لكن هل ستُترجَم هذه الدعوة عملياً على أرض الواقع؟ تُعتبر المبادرات التي أقدم عليها أوباما، بما فيها إنهاء استيراد منتجات البترول السوري إلى الولايات المتحدة- بمجموع 6 آلاف برميل يومياًndash; مجرّد تغييرات رمزية في السياسة المتّبعة.
على صعيد آخر، صحيح أن استعمال القوة العسكرية لم يصبح خياراً مستبعداً بالكامل بعد، لكن من الواضح أن الحكومة الأميركية والرأي العام الأميركي لا يريدان خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط.
لحسن الحظ، ثمة سياسات كثيرة يمكن أن تطبقها الولايات المتحدة من دون أن تشمل إلقاء القنابل على دمشق لتسريع سقوط الأسد، وأفضل ما في الأمر هو عدم الحاجة إلى الانتظار قبل تنفيذ تلك الخطوات.
تموّل دمشق الآن حملتها القمعية استناداً إلى تصدير أغلبية براميل النفط التي ترسلها يومياً إلى أوروبا، بمعدل 150 ألف برميل، ما يمنح الأسد 7 أو 8 ملايين دولار يومياً، فإذا اختار الاتحاد الأوروبي الانضمام إلى الولايات المتحدة لفرض العقوبات على قطاع الطاقةndash; يبدو أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يسيرون في هذا الاتجاه فعلاً- فستكون هذه الخطوة ضربة قاسية في وجه النظام السوري.
لكن حتى هذه العقوبات المشتركة لن تكون كافية وحدها، فمن دون العائدات الناجمة عن صادرات النفطndash; علماً أنها تشكل حوالي 30% من عائدات الدولة- سيضطر النظام سريعاً إلى استنزاف الاحتياطي الأجنبي الذي بلغت قيمته 17 مليار دولار في بداية الثورة. لكن تشير بعض التقديرات إلى أن هذه العملية قد تستلزم سنة على الأقل، ومع انعدام المؤشرات على تلاشي حملة القمع، يُعتبر هذا الوقت طويلاً جداً، والأسوأ من ذلك بعد هو عدم وجود أي تدابير تضمن نجاح هذه العملية في إفلاس النظام وتفكيكه، حتى لو طُبقت طوال سنوات.
على سبيل المثال، تعرض العراق في عهد صدام حسين للعقوبات من جانب الأمم المتحدة، في عام 1990، غداة الغزو العراقي للكويت، واستمرت تلك العقوباتndash; بالإضافة إلى برنامج ldquo;النفط مقابل الغذاءrdquo; من إعداد الأمم المتحدةndash; إلى أن أسقطت القوات الأميركية النظام في عام 2003.
بعبارة أخرى، قد تكون العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة أفضل الحلول في السياسة الأميركية المتخبّطة، ولكنها ليست الحل النهائي للوضع، ولتسريع سقوط الأسد، يجب أن تتخذ واشنطن خطوات إضافية، بالتنسيق مع أوروبا، لزيادة الضغوط على النظام. في المقام الأول، يتجه الاتحاد الأوروبي نحو توسيع عقوباته على النظام كي تشمل مؤسسات ومجالات أخرى من القطاع الاقتصادي. سيتوجب على إدارة أوباما تشديد الضغوط في هذا الاتجاه عبر إقناع الاتحاد الأوروبي بفرض حظر على الاستثمارات مع سورية، وتحديداً في قطاع الطاقة بما أن الشركات الأوروبية هي التي تسيطر على هذه السوق.
في ما يخص مساعدة المعارضة السورية، يجب أن تكثف إدارة أوباما اتصالاتها مع أبرز قادة الحركة، محلياً وخارجياً، ويجب أن تساعد واشنطن المعارضة على تنظيم صفوفها إذا طُلب منها ذلك، بالإضافة إلى تطوير رؤية علنية لتحديد مستقبل سورية على أن يكون مبنياً على مبادئ التسامح والتعددية والديمقراطية. يمكن أن يشمل الدعم الأميركي للمعارضة أيضاً تمويلاً بسيطاً لهواتف الثريا التي تعمل على الأقمار الاصطناعية كونها تستطيع مساعدة خصوم النظام ميدانياً في سورية لتعزيز الاتصالات في ما بينهم ومع العالم الخارجي.
في الوقت نفسه، يجب أن يفكر الرئيس أوباما بتنظيم اجتماع في المكتب البيضاوي (مع عقد مؤتمر صحفي) مع شخصيات مرموقة من المعارضة السورية لإظهار الالتزام الأميركي بمستقبل سورية.
في غضون ذلك، يجب أن تتبع الإدارة الأميركية سياسة واضحة للتعامل مع النظام على أن تستهدف الجيش السوري بهدف التشجيع على انشقاقات إضافية، ويجب أن يوجه أوباما رسالة مفادها أن ضباط الجيش السوري سيُحاسَبون على جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الشعب السوري.
داخل الأمم المتحدة، يجب أن تتخذ الإدارة الأميركية مبادرات على نطاق أوسع، بما في ذلك الضغط على مجلس الأمن لفرض عقوبات على سورية بسبب إصرار النظام على انتهاك التزاماته تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فبينما تتردد الصين وروسيا في فرض العقوبات على نظام الأسد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة (أعلنت روسيا هذا الأسبوع أنها ستتابع بيع الأسلحة إلى سورية)، فقد يميل البلدان إلى الامتناع عن التصويت على قرار يستهدف دمشق بسبب جهودها الرامية إلى تطوير أسلحة نووية، بدل استعمال حق النقض.
لكن تكمن أهم ورقة ضغط على نظام الأسد في منطقة الشرق الأوسط، إذ شكّلت الدول الخليجية، وعلى رأسها قطر، مصدراً مهماً للاستثمارات الخارجية المباشرة في سورية خلال السنوات الأخيرة. لذا يجب أن تتعاون واشنطن مع حلفائها الخليجيين لضمان وقف هذه الاستثمارات. (منذ شهر أبريل، عمدت قطر إلى استضافة مسؤولين من المعارضة السورية مباشرةً على قناة الجزيرة).
الأهم من ذلك هو استمالة الدول المجاورة لسورية، علماً أن جميع هذه الدول تربطها علاقات معقدة مع نظام الأسد، وفي هذا الإطار، تُعتبر تركيا اللاعب الأساسي كونها الدولة المجاورة الأكثر نفوذاً شمالاً. تتابع الحكومة الإسلامية في أنقرة، بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، اتصالاتها مع الأسد وقد زار وزير الخارجية التركي دمشق في وقت سابق من الأسبوع الماضي، وانطلاقاً من الإنذار الأخير الذي أصدرته تركيا وحصل الأسد بموجبه على أسبوعين لإنهاء العمليات العسكرية، يبدو أن صبر أنقرة يوشك على النفاد.
أكثر ما يثير إحراج الحكومة التركية هو أن نظام الأسد العلوي يقتل المسلمين السُّنة خلال شهر رمضان المبارك، فإذا انضمت تركيا إلى مجموعة الدول التي جرّدت نظام الأسد من شرعيته وعمدت إلى تكثيف العقوبات، فسيتراجع الدعم الذي يتلقاه النظام في أوساط نخبة رجال الأعمال السُّنة التي تُعتبر ركيزة أساسية لاستقرار النظام.
لكن للأسف، لم تعد العلاقات بين واشنطن وتركيا كسابق عهدها. صحيح أن تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي، لكن تتسع الفجوة بينها وبين الولايات المتحدة مع مرور الوقت. كما أن الأميركيين لم يتمكنوا من فرض نفوذهم عليها في السنوات الأخيرة. لكن لا يعني ذلك أن أوباما يجب ألا يحاول إقناع أنقرة بالانضمام إلى الموقف الدولي الجامع من نظام الأسد، فالدعم التركي لخطوة تغيير النظام السوري سيساهم في تفعيل تدابير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتصعيدها.
صحيح أن الأميركيين وشركاءهم الدوليين سيتمكنون حصراً من تعزيز ضغوطهم على نظام الأسد تدريجاً، لكن بالنسبة إلى الشعب السوري، فالتغيير التدريجي سيكون أفضل من عدم حصول أي تغيير على الإطلاق.


* مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.