شريف عبدالغني

حينما حطت طائرة laquo;الخمينيraquo; في طهران عائدا من منفاه الباريسي، هلل قطاع كبير من العرب لهذا القائد الذي أزاح نظام laquo;الشاهraquo; العميل. تغاضينا عن إصراره على الحديث بـ laquo;الفارسيةraquo; وعلى وجود مترجم عند لقائه مع أي عربي رغم أنه يجيد laquo;العربيةraquo; بطلاقة. لا بأس فالرجل معتد بأصله وبلغته الأم، ولا لوم عليه حتى لو كرر من باب الفخر البيت الشهير لـ laquo;أبي نواسraquo; الذي قال اعتزازا بفارسيته وعلو شأنه على العنصر العربي: laquo;فأين من البدو إيوان كسرى.. وأين من الميادين الزروبraquo;!
في مصر وجَّهنا اللوم للرئيس الراحل السادات الذي فتح البلاد حضنا ومأوى ومستقرا ومدفنا للشاه المخلوع الذي لفظته كل عواصم الدنيا. اعتبرنا أن السادات نثر بذور سوء العلاقة مع دولة شقيقة هي رصيد للقوة العربية والإسلامية. التمس بعضنا العذر لـ laquo;الملالىraquo; حينما وضعوا اسم laquo;خالد الإسلامبوليraquo; قاتل السادات على الشارع الذي يضم السفارة المصرية في عاصمتهم. قلنا laquo;واحدة بواحدةraquo; والبادئ أظلم. لما قصّ صدام حسين شريط افتتاح حرب الخليج الأولى، انتقد كثيرون الدعم العربي الرسمي له، ولم نختلف على حق إيران في الدفاع عن نفسها.
لكن في كل مرة ندافع عنها كانت طهران تخذلنا وتضعنا في حيرة من أمرنا. صحيح أن laquo;صدامraquo; هو من بدأ الحرب، لكن الثابت والموثق أنه أيضا من أعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد بعد عامين من اندلاع المعارك، ووافق على قرارات مجلس الأمن بهذا الصدد، بينما laquo;آيات اللهraquo; هم من رفضوا إنهاء المسلسل الدموي، ووضعوا laquo;مفاتيح الجنةraquo; في صدور شباب غض ودفعوا بهم في أتون هجير النار. أداموا أمد الحرب 6 سنوات أخرى لتحصد مئات الألوف من أرواح هنا وهناك، وتدمر اقتصاد البلدين حتى تجرع الخميني laquo;كأس السمraquo; -حسب تعبيره الشهير- ووافق على القرار الدولي بوقف النار ليحتفل العراقيون بانتهاء laquo;قادسية صدامraquo; لصالحهم.
بعدها بعامين فقط جاءت الفرصة أمام laquo;الملاليraquo; على طبق من ذهب لتعويض ما فات وشرب نخب الانتصار laquo;حسب الشريعة طبعاraquo;.. وقعت خطيئة laquo;غزو الكويتraquo;، وحتى لا يفتح زعيم العراق جبهة جديدة على نفسه حاول تحييد laquo;الأعداء القدامىraquo; ووافق على إعادة العمل باتفاقية laquo;الجزائرraquo; بشأن تقاسم laquo;شط العربraquo; مع الإيرانيين، وهي الاتفاقية التي اندلعت بسببها حرب السنوات الثماني. فرحت طهران وانتظرت المزيد. خلال القصف الجوي العنيف لـ laquo;العدوان الثلاثينيraquo; -كما سمته بغداد- والذي تبين أن هدفه ليس فقط إخراج العراق من الكويت وإنما تدمير بلاد الرافدين، حاول صدام إنقاذ طيرانه. استجار بجاره الشرقي وأرسل طائراته إلى المطارات الإيرانية ظنا أنها في أيد أمينة، على أن يستعيدها بعد توقف صواريخ أميركا وحلفائها عن نشر الخراب. لكن هذه الطائرات لم تعد حتى الآن. اعتبرها laquo;الملالىraquo; غنيمة حرب.
laquo;أعطني قيراط حظ وارمني في البحرraquo;.. ربما اخترعوا هذا المثل خصيصا من أجل laquo;آيات اللهraquo;، فمثلما أعطاهم جورج بوش laquo;الكبيرraquo; فرصة الانتقام من صدام وتأليب الجنوب الشيعي عليه أثناء الانسحاب من الكويت، ثم أخذ موطئ قدم دائم بعد فرض laquo;الحظر الجويraquo; في تلك المنطقة، فقد جاء بوش laquo;الصغيرraquo; ليستكمل المهمة ويخلص laquo;الملاليraquo;، وهم جالسون في حوزاتهم ودون أن يصرفوا laquo;ريالا إيرانياraquo; واحدا، من عدوهم الشرقي: laquo;طالبانraquo; أفغانستان، قبل أن يقدم لهم الهدية الكبيرة: laquo;رأس صدامraquo; ومعها العراق كله مرتعا وملعبا وتابعا.
قبلت طهران الهدية، ومن يومها معروف الدور الذي لعبته وتلعبه في laquo;البوابة الشرقية العربيةraquo; عبر حاملي جنسيتها الذين يحكمون بغداد الكسيرة الحزينة.
رغم هذا كله، قلنا laquo;اللي فات ماتraquo;، والمهم ما هو قادم، وأن الحفاظ على القوة الإيرانية هو واجب عربي لأنها حتما تصب في رصيدهم، والعمل على درء أي محاولة أميركية أو إسرائيلية لمهاجمة إيران هو مصلحة عليا. ارتفعت الدعاوى خاصة في القاهرة بسرعة إنهاء الوضع الشاذ في علاقتها بطهران، وتطبيع العلاقات وعدم التوقف عند الصغائر. لكن كلما حاول القلب العربي أن يصفو تجاه laquo;الجار والشقيقraquo; الإيراني، فإن سادة طهران يأتون بفعلة تعيدنا معه إلى النقطة laquo;صفرraquo;.. انتهاكات مستمرة ضد laquo;عرب الأحوازraquo; ومعاملة أهلها على أنهم laquo;مواطنون درجة ثانيةraquo;، وإهمال المنطقة من أي تنمية رغم أن باطنها يحمل النفط الذي هو عصب اقتصاد الدولة.
ما يغيظني شخصيا في مواقف laquo;الملاليraquo;، هو ازدواجية المواقف والتصرفات.. يتحدثون كثيرا عن laquo;حقوق الإنسانraquo;، ثم تبث وكالات الأنباء صورا مروعة لشبان في عمر الزهور من المعتقلين السياسيين يجري إعدامهم بطريقة بشعة.. يقف الواحد منهم على كرسي، ثم يلتف حبل حول رقبته مربوط في laquo;ونشraquo; من ذلك النوع المستخدم في رفع السيارات من الشوارع. الأوناش متراصة وترفع laquo;الذبائحraquo; معلقة وألسنتهم مدلاة من أفواههم، والعرض متاح أمام تجمع من البشر في مشهد يصل بمرتكبيه إلى حدود همج ما قبل التاريخ واختراع القانون!
حكام طهران الذين هللوا للربيع العربي، وراحوا يذرفون الدموع حينما دخلت قوات laquo;درع الجزيرةraquo; إلى البحرين، ماذا فعلوا حينما هبت رياح الربيع على سوريا والتي قابلها laquo;الأسدraquo; برغبة محمومة في إبادة شعبه؟
أولا: فرع الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني، وتحت قيادة حجة الإسلام حسين تائب، ساعد في تدريب قوات الأمن السورية الباسلة ومعها وحدات الجيش laquo;الممانعraquo; على سحق المحتجين السلميين، وبحسب تقارير فقد شارك هذا الفرع في بعض الهجمات، وعلى سبيل المثال، مرافقة خمسة من الحرس الثوري نظراءهم السوريين في الهجوم على منزل للطلاب في دمشق الشهر الماضي، وأن نحو 47 ضابطا من وحدة حجة الإسلام حسين تائب، توجهوا إلى عدد من المدن السورية بناء على طلب رئيس المخابرات السورية عبدالفتاح قدسية. لكن بعدما اتهمت تركيا إيران بأنها تشارك في laquo;جرائم الحربraquo; التي ترتكب في سوريا، قرر الحرس الثوري الإيراني تجنيد جنود ناطقين باللغة العربية من مناطق مثل الأحواز وإرسالهم إلى سوريا وبالذات إلى دمشق ليحلوا محل الجنود الناطقين بالفارسية.
ثانيا: تقديم مساعدات اقتصادية مباشرة لنظام الأسد بمبلغ 7 مليارات دولار.
ثالثا: مساعدة laquo;جزاري دمشقraquo; على فرض قوانين أكثر صرامة على البنوك الإسلامية والخاصة، لكبح جماح هروب رؤوس الأموال.
رابعا: المساعدة على زيادة فرص العمل والنمو الاقتصادي.
خامسا: منح الحكومة السورية، على الفور، 300 ألف برميل نفط يوميا، وذلك بدءا من شهر يونيو الماضي.
بعد هذا كله، وعقب السقوط الحتمي لـ laquo;الأسدraquo; والمتوقع هروبه.. مَن سيمثل في قفص العدالة على غرار laquo;مباركraquo;؟
أظن أنه لا يوجد غيرهم: laquo;الملاليraquo;!!