علي الطراح


بيانات متلاحقة تصدرها القوى السياسية تتهم فيها الحكومة والنظام السياسي بالتآمر على الديمقراطية، وبدورها فإن الحكومة تنفي التهم إلا أن خطواتها بطيئة في تقديم تصورها حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، إذا ما كانت تنوي إعادة التقسيم رغم صدور حكم المحكمة الدستورية الذي رفض طعن الحكومة في التقسيم الحالي للدوائر الانتخابية.

الوضع الكويتي يتجه نحو مزيد من التعقيد ولا يبدو أن هناك خطوات عملية تبذل لإعادة الاستقرار السياسي من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبح واضحاً أن الصراع تتوسع دوائره وأن قوى النفوذ والاستحواذ تحاول بقدر ما تستطيع إفشال أي محاولة تعيد التوازن للمجتمع لأن مصالحها الخاصة أصبحت مستهدفة من المعارضة الممثلة بشرائح اجتماعية واسعة تهدد التركيبة الاجتماعية التقليدية للمجتمع.

ويبدو من الواضح أن مأزق الحكومة يتمثل في غياب القرار وعدم وضوح الرؤية، وقد أضحى التخبط علامة بارزة لسياستها، مما يثقل على رئاسة الوزراء في اتخاذ قرارتها نتيجة للصراع الداخلي بين أقطاب الأسرة الحاكمة.

والحقيقة الأولى التي ينبغي مواجهتها تتجسد في عجز الحكومة عن تحقيق برامجها، فالحكومة كانت تملك الغالبية في برلمان 2009 الذي أقرت فيه خطة التنمية بمبالغ باهظة تتجاوز 30 بليون دينار إلا أنها تعثرت ولا يعرف كيف تصرفت في المبالغ المرصودة لخطة التنمية.

والحقيقة الثانية التي لا يمكن إنكارها هي أن هناك اعترافات رسمية بتفشي الفساد وأن الحكومة أعلنت أكثر من مرة بأنها ستواجه الفساد، لكنها مازالت متلكئة في تصديها لغول الفساد.

أما الحقيقة الثالثة التي قصمت ظهر البعير فهي التحويلات المالية لبعض أعضاء مجلس الأمة وإلى جهات مختلفة، وهي فضيحة كان لها صداها الدولي حيث قدم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد الصباح استقالته ليؤكد براءته وعدم تورطه في التحويلات المالية، مما أدى إلى تصدع كبير في بيت الأسرة وارتفاع وتيرة الصراع الداخلي بين أقطابها. فالحكومة في وضعها الحالي تتعثر في سياساتها مما يفتح عليها الكثير من الثغرات التي تمنح المعارضة فرصةً للتصدي لها من جانب وكسب الشارع من جانب آخر.

ولعل ما يثير الدهشة زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مثل التويتر وغيره، كوسيلة للتعبير عن السخط المتنامي ضد سياسة الحكومة، إضافة إلى الهجوم المباشر على رموز الحكم والمساس بمقامهم مما يعبر عن تعقد الصراع وخطورته على استقرار الكويت. فالظاهرة خارجة عن المألوف وتشكل انحرافاً كبيراً بحاجة إلى وقفة عاقلة من الأسرة الحاكمة حيث المساس برموزها يعبر عن حالة انفلات كبيرة ويزيد من حدة الاستقطاب، لاسيما أن بعض ما نشر يخرج عن حدود اللباقة والأدب، ويخالف تقاليد الصراع المتعارف عليها، ويسيء للكويت على المستوى الإقليمي.

فالأسرة الحاكمة يجب أن يحفظ لها مقامها مهمَا ارتفعت حدة الصراع الداخلي، خصوصاً أن انقسام الشارع بين مؤيد ومعارض لهذا القطب أو ذاك يعد إشارة خطيرة لكون الصراع يجب أن يحل ضمن دوائره الخاصة، كما أن تصاعد الصراع له انعكاساته الإقليمية على الكويت مما يضعف هيبة الدولة خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار أن صلابة أسرة الحكم هي من صلابة الدولة.

الحقيقة المغيبة والتي يتم تجاهلها تتجسد لنا بمحركات الصراع الذي انهك الكويت، فهو صراع مصالح بين قوى متنفذة تريد الإبقاء على وضعها وامتيازاتها حتى وإن كان ذلك على حساب تدمير المجتمع وركائز الدولة.