فؤاد مطر

من تركيا التي استطاع الرئيس بشار الأسد تسديد إحراج جديد لها عندما أطلقت قواته بضع قذائف قاتلة ومن دون أن يتعامل رجلها القوي أردوغان مع هذا التسديد بحجم تصريحاته وتهديداته ومنها قوله laquo;إن اختبار قدرتنا على الردع خطأ فادح ولا نريد حربا لكننا لسنا بعيدين عنهاraquo; يطلق المنظِّر الأردوغاني وزير الخارجية أحمد داود أوغلو فكرة أن يتنحى الرئيس بشار لنائبه فاروق الشرع لأن يديه laquo;غير ملوثتين بالدمraquo;. ثم يرفع أردوغان منسوب التهشيم لشخص صديقه القديم بشار الأسد الذي أهداه مضطرا أو مختارا في زمن الوفاق بينهما ورقة لواء الاسكندرون منزوعة من كتاب القضايا القومية العالقة في الوجدان السوري، فيقول عنه laquo;إنه يقف على عكازاتraquo; مضيفا القول: laquo;إننا نصحناه لكنه تجاهل نصائحنا. والده قتل في حماه 30 ألف إنسان، والآن يحاول نجله (أي بشار) كسر رقمه القياسيraquo;، مضيفا أيضا laquo;إن الشعب السوري أمانة أجدادنا في أعناقنا...raquo;.

كلام أردوغان من جهة وكلام وزير خارجيته من جهة أخرى يوضحان بعض نوايا تركيا تجاه المحنة السورية، حيث إن الزعامة الأردوغانية التي ما زالت تراوح مكانها لجهة الدور الطموح تنظر إلى سوريا على أنها laquo;الرجل المريضraquo; الجديد في المنطقة حالها مثل حال تركيا عندما كان يتم توصيفها بأنها laquo;الرجل المريضraquo; وأن مساندتها لشخص مثل فاروق الشرع ستحقق لها التعامل مع سوريا مثل تعامل إيران مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي دفعته دفعا في اتجاه إبرام علاقة متطورة مع روسيا وتحليمه بأن يكون لاحقا زعيما قويا للعراق وسوريا معا باعتبار أن النظام البشاري لا بد سينصرف لأن مستلزمات البقاء تتناقص ولن يكون في الإمكان بعد الذي جرى التفاهم مع الناس. وعندما سيزور الرئيس محمود أحمدي نجاد قريبا دمشق فإن زيارته ليست بهدف التدعيم وإنما للتفاهم مع صديقه الرئيس السوري المثخن بالأهوال والخيبات على المرحلة المقبلة وكيف يتم قطع الطريق على فكرة أن يكون فاروق الشرع هو البديل.

ولعبة laquo;الرجل المريضraquo; في المنطقة ليست جديدة ولكنها لعبة فاشلة لم تحقق للاعبين أحلامهم. فعندما دخلت مصر مرحلة laquo;الرجل المريضraquo; نتيجة الهزيمة التي مُني بها زعيمها القوي داخليا وعلى مستوى المنطقة جمال عبد الناصر، بدأ العقيد معمر القذافي من جهة والرئيس صدَّام حسين من جهة أخرى يمنيان النفس ببناء زعامة قوية للعراق الصدَّامي ولليبيا القذافية على أنقاض زعامة عبد الناصر التي تضمُر شيئا فشيئا، لكن في نهاية الأمر دفع كل منهما ثمن هذا الطموح الذي له صفة الطمع. ونقول ذلك على أساس أنهما ما داما حريصين على مصر على نحو ما أبديا من كلام طيب من نوع قول أردوغان laquo;إن الشعب السوري أمانة أجدادنا في أعناقناraquo; كان من الواجب الأخلاقي والوطني عليهما الوقوف مع مصر إلى حين استرداد عافيتها بالكامل.

هنالك وقائع كثيرة تؤكد ما نشير إليه. لكن الحالة السورية هي أكثر الحالات مأساوية ذلك أن المنازلة التي تجري فيها غير مسبوقة من حيث ابتهاج الطرفين المتبارزين بما يقومان به. ومن هنا ونحن نتأمل فيما يقترحه laquo;الطبيب التركيraquo; وما يخطط له laquo;الطبيب الإيرانيraquo; وغيرهما من laquo;أطباء مرضىraquo; بشراهة الهيمنة على غيرهم، من أجل الانقضاض على laquo;سوريا المريضةraquo; نجيز لأنفسنا القول إنه إذا كانت هنالك نية حقيقية للانتقال بـlaquo;المريض السوريraquo; من ساحة الاقتتال الذي لا جدوى منه إلى غرفة العناية الفائقة التي قد يجد فيها بعض الشفاء، أن يتم تفاهم الذين يساعدون عربا وتركا وعجما ومعهم أميركا وروسيا والصين والدول الأوروبية على أن يتنحى الرئيس بشار وبالتفهم والتفاهم إلى مجلس انتقالي مدني عسكري يؤسس لعهد جديد وبحيث يقرر السوريون بأنفسهم مصيرهم لا أن يكون الحل وفق الاقتراح التركي الذي جدد إحياء الحديث حوله وزير الخارجية أوغلو. ونقول ذلك على أساس أن هذه الصيغة هي مثل حطب يرمى على نار مشتعلة في حين أن المطلوب بعض الماء يطفئ اللهب. فالمناداة بترئيس فاروق الشرع تعني إسقاط الرئيس العلوي أي بشار الأسد متنحيا لنائبه السني وهذا ما لا ينهي الأزمة على الإطلاق في حين أن المجلس الانتقالي الذي يضم شخصيات مدنية - عسكرية - بعثية - إخوانية - اشتراكية - مستقلة، سُنية وعلوية ودرزية وكردية ومسيحية، كفيل بطمأنة الطائفة العلوية الممسكة بسوريا منذ أربعة عقود. وفي هذه الحال لن تبقى الطائفة على سكونها إزاء ما يحدث تحت وطأة الخشية من أن يكون تنحي ابن الطائفة الرئيس بشَّار الأسد مقدمة للقضاء عليها. وإلا فما معنى قول أردوغان laquo;إن الرئيس حافظ الأسد قتل في حماه 30 ألف شخص وإن الابن الرئيس بشار سيضرب الرقم القياسيraquo;.

في ضوء ذلك يبدو من المستحسن لإبداء حسن النية سحب الاقتراح التركي من التداول رحمة بسوريا التي من الواجب علاجها بغير وصفات laquo;الأطباء المرضى بشراهة التهام الجيرانraquo; بعدما غدت حاضرا بالفعل laquo;الرجل المريضraquo; الثاني مثل حالة تركيا ماضيا، والتركيز على حل يطمئن الجميع بمن فيهم دولة الإمارات التي استوقفتنا دعوة وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد يوم الاثنين 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، إلى التنبيه وذلك بقوله laquo;إن فكر الإخوان المسلمين لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول ولهذا السبب ليس غريبا أن يقوم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بالتواصل والعمل على اختراق هيبة الدول وسيادتها وقوانينها...raquo;.

وكأننا بالشيخ عبد الله يستحضر الحالة السورية وهو يقول كلامه هذا. ومثل هذه النظرة من شأنها تغليب صيغة المجلس الوطني المدني - العسكري الموسع المستوعب كل الطوائف على صيغة ترئيس فاروق الشرع بحيث يكون كما يريده أردوغان بضعف حالة الرئيس المنصف المرزوقي في تونس: كثرة في التصريحات وقلة في الفعل.