جميل جريسات

ازدادت الدعايات الانتخابية الأخيرة على نحو واضح مؤخرًا لمرشّحي الرئاسة والكونغرس في الولايات المتحدة. تركزت المناظرات في البداية على قضايا الاقتصاد والصحة والأمن. ففي أول مناظرة تلفزيونيّة (3 تشرين الأول)، ركّز باراك أوباما، الرئيس الحالي ومرشح الحزب الديموقراطيّ، على ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية للطبقة الوسطى. وبيّن كيف ورث عن جورج بوش الابن، الرئيس السابق، اقتصادًا على حافة الهاوية؛ إضافة إلى حرب مستمرة في العراق وأفغانستان، وتهديد مستمر للأمن القومي من مؤسسات إرهابية. وبافتخار، أعلن أوباما أنه أوقف الحرب في العراق، وقتل بن لادن، وأوجد قرابة (5) ملايين فرصة عمل، ووفّر نظاما للتأمين الصحي يساعد كلّ مواطن.
لكنّ منافسَ أوباما، ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري وحاكم ولاية سابقا ndash; بيّن أنّ سياسات أوباما الداخلية والخارجية فاشلة؛ بدليل زيادة الديون العامة زيادة هائلة، كما أنّ البطالة ما زالت مرتفعة، والبرنامج الصحي لم يحقق هدفه، وهكذا.
في جميع هذه المناظرات تركز النقاش على الأمور الداخلية، وقيل القليل عن السياسة الخارجية، خاصة حيال الشرق الأوسط؛ إلاّ في مناسبات المفاضلة بين المرشحْين حول من هو أكثر تأييدًا لإسرائيل، أو حول الدعوة لتسليح الثوار في سورية، إلى أن قامت المظاهرات في القاهرة ضد السفارة الأمريكيّة، ثم جاء مقتل السفير الأمريكيّ في ليبيا. فاستغلها رومني كدلائل على فشل سياسة أوباما الخارجية.
الملامح الأولية للرؤية في العَلاقات الخارجية التي يدعو إليها رومني هي: بناء القوة العسكرية الأمريكيّة لتبقى الأقوى في العالم؛ الاعتماد على السوق الحرة اقتصاديًا؛ تأييد الأصدقاء ومعاقبة الأعداء بشدة.
أوباما يفهم الدبلوماسية الدولية، ويعرف قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضايا الأساسية، خاصة الصراع الفلسطينيndash;الإسرائيلي. لكنه مشلول الحركة لعواملَ عدة، أولها نفوذ اللوبي الاسرائيليّ، خاصة في الكونغرس؛ وثانيها أن أقرب أصدقاء أوباما ومؤيّديه هم من قادة الجالية اليهودية في شيكاغو وولاية إلينوي، حيث ترعرع نشاطه السياسي.
رومني لا يدرك تاريخ الصراع الفلسطينيndash; الإسرائيلي. وأهم من هذا عَلاقته القويّة مَعَ رئيس وزراء إسرائيل الحالي، نتنياهو، وصداقات مَعَ مموّلين صهاينة، مثل الثري الكبير شيلدون إديلسون. وجدير بالذكر أن هذا الأخير متزوج من اسرائيليّة، ويملك صحيفة متنفذة في إسرائيل ومؤيّدة لنتنياهو.
زار رومني مؤخرًا إسرائيل مَعَ مجموعة من المموّلين لانتخابه، ومنهم إديلسون. وفي نهاية الزيارة، بعث رومني برسالة شكر بخط يده، يشكر فيها نتنياهو على حفاوته ويصفه quot;برجل السلامquot; وأنه quot;ملهِمquot; لرومني.
يُذكر أيضا أنّ عدداً كبيراً من مستشاري رومني هم مَنْ عملوا سابقًا مع جورج بوش الابن، ومن دعاة القوة العسكرية ومؤيدي غزو العراق، وتسليح الثوار في سورية، وما شابه من السياسات المتطرّفة.
قال رومني في خطاب أخير: إنه يؤيد قيام دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل اليهودية؛ لكنه لمْ يذكرْ شيئًا عن الحدود، والمستعمرات المبنية على أراضٍ فلسطينية، أو قرارات الأمم المتحدة القاضية بالعودة إلى حدود 1967. وممّا يلفت النظر أنّ رومني قال لمعاونيه ومموّليه في جلسة سرية في شهر أيار الماضي: إنه يشك كثيرًا في إمكانيّة قيام دولة فلسطينية.
السؤال: أيّ رومني يمكن تصديقه؟ الرأي هنا أنّ الرجل انتهازي وقليل الخبرة في السياسة الخارجية. والأصحّ أنه أيضًا أسير للممولين والمستشارين من حوله.
أوباما ضعيف التنفيذ وله ارتباطاته الداخلية والخارجية التي تُضعف حركته السياسية؛ كما خلقت له عداوات حتى في حزبه الديمقراطي. هل يتغير أو إذا انتُخب لفترة ثانية؟ هنا السؤال الكبير الذي لا يمكن الإجابة عنه بثقة قبل 6 تشرين الثاني (يوم الانتخابات).
في الاستفتاءات العامة كلا المرشّحيْن منافس للآخر بنسبة 49-47 بالمئة. والفارق غير ذي قيمة إحصائيًا؛ كما أنّه يتغير باستمرار.
الحالة الراهنة للعالم العربي وعدم وجود أولويّات عربية متّفق عليها يُضعف تمثيل المصالح العربية العامة في خضمّ الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية عالميّا وإقليميّا. وما دام الحال كذلك، سيتكرر النقاش بين أوباما ورومني حول مَنْ هو الصديق الأفضل لإسرائيل؛ بدلاً مِن: مَنْ سيحقق العدالة والقانون والازدهار الاقتصادي لجميع سكان المنطقة؛ مع ضرورة تأييد الدولة الفلسطينية المستقلة؟

bull; أستاذ الإدارة العامة والعلوم السياسيّة جامعة فلوريدا الجنوبيّة