إياد أبو شقرا

اغتيال وسام الحسن.. كما يجب أن يفهم
laquo;ثلاثة لا يمكن إخفاؤها طويلا: الشمس والقمر والحقيقةraquo;.
(بوذا)
شهيد آخر ودعه لبنان يوم أمس.

شهيد آخر اقتضى اغتياله - المعد بعناية - استخدام عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، إثر رصد تحركاته لحظة بلحظة بعد 24 ساعة من عودته إلى لبنان من الخارج.

شهيد آخر يأتي laquo;تنفيذ حكم الإعدامraquo; به في أعقاب حملة تحريض وlaquo;إهدار دمraquo; شرسة شاركت فيها على امتداد شهور laquo;جوقةraquo; سياسية - إعلامية معروفة الولاء والتوجهات وتبعية الإمرة.

شهيد آخر محسوب سياسيا على الشارع السيادي الاستقلالي في لبنان الذي طالما التقت ضده مصالح إقليمية سياسية تبدو في ظاهرها متناقضة، ويتذرع بعضها بعداوة البعض الآخر وعدوانيته، لتبرير تدميره الممنهج للبنان وسوريا والعراق وما تبقى من فلسطين والفلسطينيين.

شهيد آخر يسقط في وقت انكشاف أمني - سياسي استثنائي تبين فيه بوضوح مدى التزام قوى لبنانية فاعلة - هي تحديدا حزب الله اللبناني - بالتنفيذ الدموي للمشروع الإقليمي الجاري تنفيذه في مدن سوريا وقراها المدمرة.. حاصدا خلال 18 شهرا بالأرقام الموثقة أكثر من 35 ألف قتيل.

وسام الحسن، رجل الأمن وصمام الأمان في لبنان، كان يعرف جيدا أنه محكوم عليه بالإعدام، وكان يتصرف على هذا الأساس. وبالتالي، ليس غريبا قرار إزاحته عن الساحة، لكن الغريب والخطير في أمر إزاحته أن القاتل بلغ من الغطرسة والصلف حد الإعدام laquo;الجراحيraquo; بعد حملة تحريضية صاخبة تلت فضح الحسن مهمة ميشال سماحة لتفجير الوضع الداخلي بأوامر مباشرة - باعتراف سماحة - من بشار الأسد رأس النظام السوري.. وعلي مملوك ركن أركان جهازه الأمني.

القاتل ما عاد بحاجة إلى تمويه، رغم ذرفه دموع التماسيح ودعواته الوقحة للمحافظة على السلم الأهلي والوحدة الوطنية. ما عاد بحاجة إلى التخفي خلف أصبعه. لقد أعلن فعليا، من دون أن يعلن ذلك رسميا، أنه يخوض حرب إلغاء مفتوحة ضد كل من يعترض سبيل مشروع أسياده، بحجة أنه laquo;مقاومraquo; وlaquo;ممانعraquo; وlaquo;عروبيraquo;.. أما خصومه فهم laquo;عملاء للأعرابraquo; أو laquo;جماعة الموسادraquo; أو laquo;شيعة فيلتمانraquo; أو laquo;سنة القاعدةraquo;.

اغتيال وسام الحسن، بالأمس، لا يقل خطورة ببعده السياسي العام عن اغتيال رفيق الحريري. إنه محطة مفصلية، وبداية مسلسل تدميري لإعادة رسم واقع لبنان والمنطقة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.

نتذكر أن الحريري اغتيل بعد حملة laquo;إهدار دمraquo; بدأت باتهامه بالتآمر مع إسرائيل على توطين الفلسطينيين في لبنان.. ولم تنته باتهامه بتشجيع تنامي التيارات الإسلامية الأصولية السنية داخل لبنان وفي المنطقة. ثم بعد صدمة الاغتيال يتذكر اللبنانيون - بمن فيهم أتباع النائب ميشال عون الذين لا يتميزون بقوة الذاكرة - كيف كان رد فعل خصومه.

كانت البداية، تنظيم حشد جماهيري ضخم في قلب بيروت تحت شعار laquo;شكرا سورياraquo;. ومن ثم بدأت أوراق التوت تتساقط.. بالتوازي مع توالي الاغتيالات الترويعية - الانتقامية.

رفض تشكيل المحكمة الدولية.

سحب الوزراء الشيعة من الحكومة.

احتلال وسط بيروت لأكثر من سنة، وشل مرافق البلاد لإجبار جيل آخر من أجيال لبنان الشابة المتعلمة الواعدة على الهجرة.

تمدد شبكات الاتصالات الأمنية وتوسعها في عموم لبنان، جنبا إلى جنب مع تسارع إيقاع شراء الأراضي عبر وسطاء laquo;واجهاتraquo;.

افتعال حرب عبثية ضد إسرائيل أدت إلى تدمير شبه كامل للبنى التحتية، ويومها أطلق مناصرو laquo;المقاومةraquo; لقب laquo;حكومة المقاومةraquo; على حكومة فؤاد السنيورة قبل الانقلاب على هذا الوصف لتدرج مع رئيسها في خانة أتباع أميركا وإسرائيل. ويومذاك ارتكبت حكومة السنيورة في رأي كثيرين خطأ كبيرا كان حماية حزب الله بالقرار الدولي 1701 الذي laquo;أراحraquo; الحزب من توجيه سلاحه إلى أراضي فلسطين السليبة، وأتاح له بترخيص من مجلس الأمن الدولي توجيهه إلى شعب لبنان ومدن لبنان وقراه.

باختصار شديد، بعد القرار 1701، الذي جاء لحماية المقاومة، تغيرت المقاومة، وغدا اللبنانيون بحاجة إلى من يحميهم منها. وهذا ما تأكد لهم تماما في مايو (أيار) 2008 عندما أثير موضوع أمن مطار بيروت، في ظل اغتيال عدد من الشخصيات بعد ساعات معدودات من عودتهم من الخارج عبر مطار بيروت. فلقد فجر فتح ملف الإشراف الأمني على المطار - المتاخم جغرافيا لمربع حزب الله الأمني في ضواحي بيروت الجنوبية - ما عرف بـlaquo;أحداث أيارraquo; التي شهدت اجتياح حزب الله بيروت وتهديده الجبل.

ومن ثم، بقوة السلاح غير المقاوم، بل laquo;المقاوم للبنانيينraquo;، فرض حزب الله ومحور طهران - دمشق الذي يحركه، على اللبنانيين laquo;اتفاق الدوحةraquo; بشروطه، قبل أن ينقلب عليه.. وتسلم السلطة الفعلية في البلاد عبر حكومة يشكل أرضيتها المسلحة.

في هذه الأثناء، عزز laquo;الحزبraquo; بغطاء من التيار العوني، تابعه المسيحي الصغير، هيمنته الفعلية على معظم مفاصل الأمن في لبنان، بما فيها ملف الاتصالات، ومنع عبر وزير الاتصالات laquo;العونيraquo; حصول الأجهزة الأمنية المستقلة عن سلطته على حركة الاتصالات اللاسلكية المعروفة بـlaquo;داتاraquo; الاتصالات. وبعدها لم يتبق له لبسط سيطرته - أي سيطرة طهران ودمشق - المطلقة على المؤسسات الأمنية إلا الاستحواذ على إمرة قوى الأمن الداخلي بقيادة اللواء أشرف ديفي، وبالأخص شعبة المعلومات فيها التي كانت تحت إمرة اللواء الشهيد وسام الحسن.

الغاية، إذن، من استهداف الحسن واضحة. والمسار العام للأحداث لا يقل وضوحا. وقوائم الشهداء المحتملين متداولة على نطاق واسع.

هل يمكن في وضع كهذا إجهاض المخطط الجهنمي، الذي فضح أمره بكشف عملية سماحة - مملوك، بأوامر مباشرة من رئيس النظام السوري؟

لا بأس من سوق بضع حقائق:

أولا: استقالة الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي خيار لن يقدم أو يؤخر في شيء. إنها حكومة laquo;صوريةraquo; تغطي واقع هيمنة شبه مطلقة على كل شيء في لبنان.

ثانيا: لبنان يشهد الآن حربا مفتوحة لا هدنة فيها. وبالتالي، فأي إجراء لا يأخذ في الاعتبار طبيعة هذه الحرب خطة عبثية لا طائل منها. والقوى الإقليمية التي استثمرت لسنين وعقود المال والجهد والأرواح للإطباق على لبنان، وكذلك الإطباق على سوريا والعراق، لن تتخلى عن منجزاتها بسهولة أو بفعل مهمة على غرار مهمة الأخضر الإبراهيمي.

ثالثا: أي حكومة تقوم في لبنان اليوم، في ظل هيمنة محور طهران - دمشق المسلح على الأرض، لن تستطيع حماية القضاء المستقل من السقوط في نهاية المطاف تحت سطوته، ولن تتمكن من متابعة التحقيق في جريمة الأمس أو أي جريمة سابقة أو لاحقة.

رابعا: على الرأي العام العربي، وبالتحديد الجمهور العربي الواعي والمثقف، إدراك حقيقة الحالة اللبنانية، كما أخذ يدرك ولو متأخرا حقيقة الحالة السورية. آن الأوان أمام العقل السياسي العربي العاطفي إدراك ما تستبطنه شعارات laquo;الممانعةraquo; حيث لا ممانعة، وlaquo;المقاومةraquo; حيث لا مقاومة ضد إسرائيل، بل مقاومة شرسة دموية لطموحات الشعوب وانعتاقها وكرامتها. ومع الأسف، أول من يعي هذه الحقيقة إسرائيل نفسها.

هكذا يتوجب فهم اغتيال وسام الحسن، إحدى آخر وأهم شبكات الأمان لبقاء لبنان الدولة والتعايش والمجتمع المدني.